حذّرت منظمة "أطباء بلا حدود" من "كارثة إنسانية" بولاية شمال دارفور غربي السودان بسبب سوء التغذية، لافتة إلى أن حياة الآلاف بما في ذلك 11 ألف طفل بمخيم "زمزم" للنازحين بمدينة الفاشر عاصمة الولاية معرضة للخطر، فيما أعرب خبراء لـ"الشرق"، عن مخاوف من تصاعد أعمال العنف بما يهدد وحدة البلاد.
وانضمت المنظمة الدولية إلى عواصم غربية وعربية، ومنظمات أخرى دقت ناقوس الخطر من تصاعد المعارك في هذه الولاية، وتحديداً محيط عاصمتها الفاشر، التي يتحصن بها الجيش وحركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام، أبرزها حركتا "العدل والمساواة" بزعامة وزير المالية جبريل إبراهيم، و"تحرير السودان" بقيادة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي.
واندلعت الحرب بالسودان في 15 أبريل عام 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، ما تسبب في حدوث أكبر أزمة نزوح في العالم وفقاً للأمم المتحدة.
وقال نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، توبي هاوارد، إن اندلاع أي قتال بين الأطراف المتحاربة من أجل السيطرة على مدينة الفاشر، ستكون له تداعيات مدمرة على المدنيين هناك.
وأشارت تقارير إلى أن طفلاً واحداً على الأقل يلقى حتفه كل ساعتين داخل معسكر "زمزم" في المنطقة نتيجة سوء التغذية، فيما قالت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين في بيان تلقت "الشرق" نسخة منه، إن طرفي القتال في إشارة إلى قوات الجيش، و"الدعم السريع"، جعلا من الغذاء سلاحاً ضد النازحين.
وكشف البيان أن نحو 142 ألفاً في معسكر "كلمة" بجنوب دارفور، يعانون وطأة الجوع، وهو الحال ذاته في معسكر "رونقتاس" بوسط دارفور، الذي شهد 20 حالة وفاة خلال الفترة من 20 إلى 30 أبريل الماضي.
حشد قوات ومخاوف
وبينما تراجعت حدة القتال في ولايات الخرطوم والجزيرة وتخوم سنّار، مع تبادل للقصف المدفعي وقصف المسيّرات في أم درمان والخرطوم بحري وولاية نهر النيل، مع أنباء عن تقدم الجيش شرقي وغربي ولاية الجزيرة، وسط السودان، تركزت حدة المعارك مؤخراً في محيط مصفاة الجيلي، شمال العاصمة السودانية، ومحيط مدينة الفاشر في شمال دارفور.
وفيما تتهم قوات "الدعم السريع"، الجيش السوداني بقصف قواتها وقتل مدنيين وماشية في محيط الفاشر، لافتة إلى أنها تزمع إنهاء تهديد الطلعات الجوية من مطار المدينة، تتحدث مصادر عدة عن دفع قوات "الدعم السريع"، قوات إضافية صوب المنطقة بغية تطويقها بالكامل، والعمل على السيطرة عليها.
في هذا السياق، حذّر اللواء متقاعد أمين إسماعيل في مداخلة مع برنامج "نافذة الشرق" من تفجّر معركة في الفاشر، لافتاً إلى أن سيطرة "الدعم السريع" على المدينة تنذر بتفكك السودان"، لا سيما مع أوضاع اجتماعية وصفها بـ"الهشة".
وقال إسماعيل إن "حريق الفاشر سيأتي على دارفور كلها، وسيدفع بمجموعات إثنية عدة للانخراط في حرب ذات طابع إثني"، متهماً الدعم السريع "بالإعداد لفصل إقليم دارفور وإعلان دولة هناك".
غير أن قادة "الدعم السريع"، يقولون إنهم لا يسعون لتأسيس دولة مستقلة في دارفور، متهمين من يصفونهم بـ"فلول النظام السابق" بتأجيج الأوضاع، وقصف المدنيين في دارفور.
"معلومات مضللة"
وفي هذا السياق، قال مصدر قيادي رفيع في الدعم السريع لـ"الشرق"، إن قواته موجودة أصلاً في الفاشر، متهماً "الطرف الآخر" بالتحشيد.
وأضاف القيادي أن "الجيش أسقط أموالاً عبر الطيران لشراء مقاتلين، وجلب عناصر الحركات المسلحة للقتال"، محذراً من أن أي هجوم على قوات "الدعم السريع" سيضطرها للدفاع عن نفسها.
وبشأن التحذيرات الدولية من مغبة هجوم "الدعم السريع" على الفاشر، قال القيادي لـ"الشرق"، إن التصريحات بهذا الخصوص مبنية على "معلومات مضللة، فالحقيقة أن الهجوم على الفاشر يتم بواسطة الجيش، وهو هجوم متواصل"، متهماً القوات المسلحة "بقصف المدنيين ببراميل متفجرة".
من جانبه، اعتبر الخبير الاستراتيجي، أسامة عيدروس، أن الفاشر تكتسب أهمية سياسية كبيرة فـ"انتصار الدعم السريع وسيطرته على المدينة سيمكنه من الحديث باسم دارفور كلها لأول مرة".
وأوضح أنه على الصعيد العسكري "ستمثل ضربة معنوية قاسية للجيش ربما ينجم عنها انهيار معاكس لتنهار المدن كقطع الدومينو، وخاصة بابنوسة في غرب كردفان، والأبيض في شمال كردفان والولاية الشمالية التي تحادد شمال دارفور من جهة الغرب".
وأشار إلى أن سيطرة "الدعم السريع" على الفاشر "ستجعل الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش في أضعف حالاتها، لكن، في المقابل، الدعم السريع، ورغم حشوده، منهك ويحتاج لمعجزة"، حسب تعبيره، للسيطرة على الفاشر.
"رواندا جديدة"
ولفت الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء متقاعد أمين إسماعيل في سياق حديثه لبرنامج "نافذة الشرق"، إلى أن "الدعم السريع" يركز استراتيجياً على فصل دارفور من خلال عمله على إخلاء كل القرى في محيط الفاشر، وتدمير معسكر "زمزم" للنازحين.
وأشار إسماعيل إلى أن "المكونات الإثنية التي تدعم الدعم السريع ستجد نفسها في ورطة إن هاجمت القوات الفاشر، لأن ذلك سيقود حتماً لحرب أهلية قبلية، خاصة وأن مجتمع دارفور بشكل عام يقوم على القبلية والحواكير (الأراضي) وهي الأراضي التي تتبع لقبائل دارفور".
وأضاف: ثمة قبائل بعينها تعتبر أن الفاشر تقع ضمن حواكيرها (أراضيها)، ودخول الدعم السريع للمدينة سيثير نقمتها، وهو الأمر الذي أخرج الحركات المسلحة من حالة الحياد إلى القتال إلى جانب الجيش السوداني".
وحذّر إسماعيل من انتقال "العدوى" إلى دول الجوار بسبب تداخل القبائل والإثنيات. وقال إن "المذابح المحتملة" في الفاشر ستكون أكبر مما جرى في رواندا، منتصف التسعينيات.
وفي وقت سابق، حذرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، لينا توماس جرينفيلد من "مجازر واسعة النطاق"، حال تفجر القتال في الفاشر.
وعادة لا تفصح المكونات العسكرية السودانية كلها عن عدد قواتها، ولا عتادها في المواقع المختلفة. لكن التقارير تشير إلى وجود عشرات الآلاف من المقاتلين من الأطراف المختلفة في المنطقة.
"صورة قاتمة"
ورسم صحافي مقيم في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور ، الجمعة، لـ"الشرق" صورة قاتمة عن الأوضاع هناك، في ظل إرهاصات معركة محتملة بين الجيش والدعم السريع.
ولفت الصحافي الذي فضل حجب اسمه لأسباب أمنية، إلى غلاء طاحن ضرب المدينة رغم توفر السلع الغذائية حتى اللحظة، واصفاً الأوضاع بالهادئة نوعاً ما، مشيراً إلى أن هذا الهدوء مطبوع بالحذر.
وقال لـ"الشرق"، إن كل سكان الأحياء الشرقية في المدينة نزحوا إلى جنوبها، فيما باتت بيوتهم "ثكنات" عسكرية لقوات الدعم السريع.
وأضاف أن المنظمات المحلية والدولية عاجزة عن تقديم أي نوع من الدعم للنازحين، وبعضهم مستقرون في معسكرات "أبو شوك" و"نيفاشا" و"زمزم" منذ 2003.
أما الوضع الصحي فهو ينتقل من سئ إلى أسوأ، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن مستشفى واحداً هو المستشفى الجنوبي يعمل إلى غاية الآن، فيما تم غلق مستشفى الأطفال شرقي المدينة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة.