حذر السيناتور الأميركي بيرني ساندرز من أن أزمة حرب غزة قد تكون بالنسبة للرئيس جو بايدن، بمثابة "حرب فيتنام" للرئيس الراحل ليندون جونسون الذي قرر عدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، فيما كانت البلاد في حالة من الاضطراب بسبب دعمه لتلك الحرب.
وفي مقارنة بين الحربين، أشار ساندرز إلى قرار الرئيس الأميركي الراحل ليندون جونسون عدم الترشح في انتخابات عام 1968، وسط الغضب المتزايد من حرب فيتنام.
وأعرب ساندرز لشبكة CNN الأميركية عن "قلق بالغ من أن بايدن يضع نفسه في موقف لا يكون فيه بمعزل فقط عن الشباب، بل عن الكثيرين في القاعدة الديمقراطية، في ما يتعلق بآرائه بشأن إسرائيل وهذه الحرب".
وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أن موقف ساندرز يأتي رغم أنه كان يظهر متحداً مع بايدن في العديد من الفعاليات الرسمية في البيت الأبيض، حيث قاما بالترويج لإنجازاتهما المشتركة في مجال الرعاية الصحية والمناخ، وفي نفس الوقت كان ينتقد بشدة الرئيس السابق دونالد ترمب في فيديو متداول على تطبيق "تيك توك" بشكل واسع.
لكن الوكالة لفتت إلى التناقض السياسي في علاقة ساندرز مع بايدن، فضلاً عن الصعوبة التي يواجهها ساندرز في دوره كمبعوث قوي لبايدن إلى القوى اليسارية والناخبين الأصغر سناً، خاصة في ظل أزمة حرب غزة.
وقال شخص مقرب من ساندرز إن السيناتور الأميركي يشعر في السر بـ"حماس أقل في الأيام الأخيرة بشأن تقديم القضية السياسية نيابة عن بايدن مع تفاقم أزمة غزة"، ومع ذلك، لا يزال ساندرز مصراً على أن شبح عودة ترمب إلى المكتب البيضاوي تشكل "تهديداً خطيراً للغاية".
وقال ساندرز في مقابلة حديثة مع "أسوشيتد برس": "أفهم أن الكثير من الأشخاص في هذا البلد أقل حماساً لبايدن لعدة أسباب، وأنا أفهم ذلك. أنا أختلف معه بشدة، خاصة حول ما يجري في غزة".
وتابع: "يجب أن يكون لديك نضج معين عندما تتعامل مع السياسة (...) يمكنك الاختلاف مع شخص ما، وهذا لا يعني أنه يمكنك التصويت لشخص آخر يمكن أن يكون أخطر شخص في التاريخ الأميركي، أو عدم التصويت والسماح لهذا الرجل الآخر بالفوز".
وذكرت الوكالة أن هذا سيكون فحوى الرسالة التي سيحملها ساندرز حتى نوفمبر، حتى مع استمرار تصاعد الغضب التقدمي بشأن تعامل بايدن مع الحرب في غزة، واستمرار الاحتجاجات في التفاقم، وفي وقت أصبحت فيه انتقادات ساندرز لسياسة الإدارة الحالية أكثر وضوحاً.
"قواسم مشتركة"
ويرى كبار مستشاري الرئيس بايدن، الذين كانوا طوال الوقت داعمين ليسار الوسط الديمقراطي وساندرز، أن الرجلين يتقاسمان خصائص أكثر مما تشير إليه مواقفهم الأيديولوجية.
أولاً، كلاهما يحمل اعتقاداً أساسياً بأن الحكومة يجب أن تكون قوة من أجل الخير، وترتكز حياتهما السياسية على ولايات صغيرة ذات كثافة سكانية منخفضة تعرضهما لأكثر السياسات المحلية والشعبية، كما أن لديهما شعور بالبراجماتية حول العمل ضمن حقائق النظام السياسي، حتى لو عمل ساندرز على دفع تلك الحدود وحكم بايدن داخلها.
ولفتت "أسوشيتد برس" إلى أن ساندرز مصمم الآن على ضمان عدم فوز ترمب مرة أخرى، ولأن ساندرز قام بحملة لصالح بايدن قبل 4 سنوات، فإن فريق حملة بايدن يعرف جيداً كيف سيكون ساندرز أكثر فائدة لبايدن.
من جانبه، لا يزال ساندرز يتصارع مع كيف يمكن أن يكون الأكثر فاعلية هذا الخريف وكيف يمكنه استهداف الجماهير التي هي في أمس الحاجة إلى سماع قضيته لصالح بايدن، وفقاً لمساعديه.
وقالت نينا تيرنر، وهي مشاركة لحملة ساندرز لعام 2020: "هذه الحملة في ورطة. وسيفعل السيناتور ساندرز كل شيء لمحاولة سحب هذا الرجل (بايدن) إلى خط النهاية، لكني لست متأكدة من نجاح الأمر هذه المرة"، فيما قال ميتش لاندريو، الرئيس المشارك لحملة بايدن، لشبكة "CNN" إن مقارنات ساندرز بحرب فيتنام كانت "مبالغة مفرطة".
في الإطار، قال السيناتور الديمقراطي بيتر ويلش الذي خلف ساندرز في مجلس النواب وانضم إليه في مجلس الشيوخ العام الماضي: "إن ساندرز لا يتردد في التعبير عن مواقفه بشأن غزة بسبب جو بايدن، إذ يعتبر موقفه القوي في هذا الصدد جزءاً من مصداقيته، وسيعمل على تقديم حجج لصالح بايدن مقابل ترمب بناء على هذه المواقف الثابتة التي اتخذها".
دعم ساندرز
وترى "أسوشيتد برس" أن قلة هم الذين يشككون في تأثير ساندرز طوال فترة رئاسة بايدن، إذ كان الرجلان يتنافسان على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة في عام 2020، ووحدا قواهما لاحقاً لتجميع عدد من فرق العمل السياسية التي دعمت برنامج سياسة الحزب في وقت لاحق من ذلك العام، وهو مسعى غير عادي ساعد في جلب أنصار الاشتراكيين الديمقراطيين إلى مجموعة بايدن.
ووضع ذلك الأساس لموجة من صنع السياسات الطموحة في العامين الأولين من إدارة بايدن، من حزمة إغاثة شاملة من جائحة فيروس كورونا بقيمة 1.9 تريليون دولار في أوائل عام 2021 إلى تشريع في صيف عام 2022 كان مزيجاً من الأولويات الديمقراطية طويلة الأمد، بما في ذلك الأدوية الموصوفة الأرخص للمستفيدين من الرعاية الطبية.
كما أن ساندرز، الذي ساعد في صياغة تلك المخططات كرئيس للجنة الميزانية في مجلس الشيوخ، لقي تشجيعاً من بايدن بشكل مباشر على المضي قدماً في تلك المقترحات، مع التأكيد على أن الرئيس يدعمه.
وبعد مرور أكثر من 3 سنوات على ولاية بايدن، لا تزال علاقات ساندرز في جميع أنحاء البيت الأبيض عميقة، إذ يتحدث بانتظام ليس فقط مع الرئيس، لكن مع كبار مساعديه، بمن فيهم كبير موظفي البيت الأبيض جيف زينتس، وكبيرة المستشارين أنيتا دن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
واستغرق الأمر ساعات فقط لساندرز، الذي أعلن عن محاولة إعادة انتخابه، الاثنين، لتأييد حملة بايدن بمجرد أن جعلها الرئيس رسمية في أبريل، وكان ذلك إشارة لا لبس فيها لأنصاره أنه رغم أي شكوك، كان من الضروري دعم بايدن دون تردد.
ومع ذلك، يشعر بعض الديمقراطيين بالقلق من أن الغضب بين التقدميين بشأن غزة عميق لدرجة أنه حتى ساندرز لا يستطيع إقناعهم بدعم بايدن. وتواصل كتلة مستمرة من الناخبين الاحتجاج على تعامل بايدن مع حرب إسرائيل على غزة.
قضايا داخلية
وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "هارفارد" للسياسة، في مارس، أن من تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، أقل احتمالاً للقول إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو القضية الوطنية التي تهمهم أكثر من غيرها، مقارنة بقضايا مثل الاقتصاد والهجرة والإجهاض.
لكن ساندرز لم يدفع بايدن ومساعديه بشأن غزة فقط، بل يحضهم على تغيير استراتيجية الحملة، ليس فقط لإظهار مزايا بايدن على ترمب، لكن لوضع أهداف طموحة بشأن الرعاية الصحية والتعليم ورعاية الأطفال وحقوق العمال.
وقال ساندرز إن خطاب بايدن في "حالة الاتحاد"، الذي يشير إليه مستشاروه على أنه خارطة طريق لولايته الثانية، كان "بداية عامة"، لكنه أضاف أنه يتعين على بايدن بذل المزيد من الجهد لإلهام الناخبين.
وأضاف: "ما قلته للبيت الأبيض هو أن الأمر ليس جيداً بما يكفي للحديث ببساطة عن دونالد ترمب، ليس من الجيد التحدث عن إنجازاتك (...) يجب أن يكون لديك أجندة جريئة للمستقبل".
ويشير مساعدو بايدن إلى مقترحات محددة تم إصدارها حول حالة الاتحاد، مثل خطة إسكان موسعة من شأنها بناء أو الحفاظ على مليوني منزل، بجانب مزايا الرعاية الصحية.
ولا يتردد بايدن في التأكيد على النقاط التي يختلف فيها مع بيرني ساندرز عندما تتاح له الفرصة، إذ قال بايدن في يناير 2022: "أنا أحبه، لكنني لست بيرني ساندرز. أنا لست اشتراكياً، أنا ديمقراطي".
