يبدو أن محامي دونالد ترمب السابق مايكل كوهين الذي لطالما استمات في الدفاع عن الرئيس السابق، أصبح الورقة الرابحة في يد المدعين العامين الذين يعملون على إدانته في القضية التي باتت تعرف إعلامياً بـ"شراء الصمت".
ويمكن لكوهين الذي من المتوقع أن يدلي بشهادته في القضية، الاثنين، أن يخاطب هيئة المحلفين باعتباره "شخصاً دفع ثمن أخطائه من خلال السجن"، وفقاً لوكالة "أسوشيتد برس"، إذ عمل الرجل محامياً لترمب إلى أن أصبحت ممارساته تخضع لتحقيق فيدرالي، ثم تمت إدانته جنائياً وسجنه.
وأضافت الوكالة أنه من المرجح أن المحلفين يدركون أن المحامي الذي جُرد من حقه في ممارسة المهنة بعد إدانته، لم يعترف بذنبه في الكذب على الكونجرس فحسب، بل أكد مؤخراً، تحت القسم، أنه لم يكن صادقاً حتى في الاعتراف ببعض تلك الأكاذيب.
كما نوهت إلى "شخصية كوهين الجديدة" التي يظهر فيها باعتباره منتقداً صارماً بشكل فظ لترمب.
ومع بدء محاكمة الرئيس السابق، بذل المدعون قصارى جهدهم لتصوير كوهين على أنه مجرد جزء واحد من الأدلة ضد ترمب، وأخبروا المحلفين أن تأييد الإدانة سيأتي من خلال شهود آخرين ووثائق وكلمات الرئيس السابق نفسه المسجلة.
وهاجم ترمب ومحاموه كوهين باعتباره "كاذباً ومجرماً"، واتهموه بأنه يكسب عيشه الآن من خلال تشويه صورة رب عمله السابق.
وقال ريتشارد سيرافيني، محامي الدفاع الجنائي في فلوريدا والمدعي الفيدرالي السابق ومدعي مانهاتن السابق لـ"أسوشيتد برس"، إن ما يريد الدفاع أن تركز عليه هيئة المحلفين هو حقيقة أن كوهين كاذب وله ماضٍ ملوث، ولكن ما يريد الادعاء التركيز عليه هو أن كل ما يقوله موثق، وأن هذا هو الرجل الذي اختاره ترمب بنفسه للعمل في شركته.
صديق تحول إلى عدو
وكانت بداية التعارف بين كوهين وترمب في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إذ كان الأول عضواً في مجلس إدارة أحد المباني التابعة للرئيس السابق، واتخذ جانب الأخير في أحد النزاعات بين السكان والإدارة، ما دفع ترمب لإحضاره للعمل في شركته.
وكان كوهين، الذي رفض طلباً من "أسوشيتد برس" للتعليق على هذه المعلومات، يمارس المحاماة بجانب إدارة أسطول سيارات أجرة مع والد زوجته، ولكنه في النهاية عمل كمحامي لترمب وبات موالياً له.
وتنوعت مهام كوهين الجديدة بوصفه محام لترمب، ليشرف على إبرام بعض الصفقات، ويمضي الكثير من وقته في التهديد برفع الدعاوى القضائية، وتوبيخ الصحافيين، والمناورة لتحييد الأضرار المحتملة التي قد تلحق بسُمعة الرئيس السابق، وفقاً لشهادة أدلى بها المحامي السابق أمام الكونجرس بعد انفصاله عن ترمب في عام 2018، والذي جاء بعد أن داهم مكتب التحقيقات الفيدرالي منزله ومكتبه، وحينها بدأ الرئيس السابق في إبعاد نفسه عنه.
وسرعان ما أبلغ كوهين محكمة فيدرالية أنه ساعد ترمب في استخدام صحيفة "ناشيونال إنكوايرر" لتحسين صورته ومحاولة القضاء على خصومه، فضلاً عن إخفاء ادعاءات سيئة عن حياته الشخصية عبر شراء القصص الصحافية التي تحتوي على هذا المضمون أو إبلاغ كوهين عنهم لشرائها.
والآن أصبحت هذه التصرفات، التي يصفها مكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن، ألفين براج، بأنها مخطط متعدد الجوانب لحجب المعلومات عن الناخبين، تحت المجهر في محاكمة ترمب بشأن "شراء الصمت".
وكان كوهين قد أكد على أنه غير مذنب في 34 تهمة تتعلق بتزوير سجلات تجارية من أجل إخفائه تلقي أموال مقابل دفعه تعويضاً للممثلة الإباحية ستورمي دانييلز التي زعمت أنها أقامت علاقة جنسية مع ترمب عام 2006، وهو ما نفاه الرئيس السابق.
"مفتاح القضية"
صحيح أن هناك شهوداً آخرين قدموا شهاداتهم بشأن هذه التعاملات المالية السرية، لكن كوهين يظل مفتاح حل هذه القضية التي تركز على كيفية دفع شركة ترمب الأموال له لدوره في دفع تعويض لدانييلز مقابل شراء صمتها، ويؤكد دفاع الرئيس السابق أن كوهين حصل على أجر مقابل عمله كمحام وليس للتستر، وأنه لم يكن هناك أي شيء غير قانوني في الاتفاقيات التي سهلها مع دانييلز وآخرين.
وفي المحاكمات الجنائية، عادةً ما يأتي العديد من الشهود إلى المنصة ومعهم سجلاتهم الجنائية، أو علاقاتهم مع المتهمين، أو تصريحات متناقضة سابقة أو أي شيء آخر يمكن أن يؤثر على مصداقيتهم، ولكن الأمر سيكون مختلفاً بالنسبة لكوهين، إذ أنه سيحتاج في شهادته إلى شرح سبب إنكاره السابق للجوانب الرئيسية للترتيبات المتعلقة بـ"أموال الصمت"، وإقناع المحلفين بأنه هذه المرة يقول الحقيقة وبشكل كامل.
وعندما أبصرت صفقة دانييلز النور، قال كوهين في البداية لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنه لم يحصل على أموال نظير هذه الصفقة، ولكنه اعترف لاحقاً بالحصول على أموال، كما فعل ترمب الذي قال سابقاً إنه لم يكن على عِلم بدفع تعويضات لدانييلز.
كما أقر كوهين، في سياق اعترافين فيدراليين بالذنب، بقيامه بالتهرب الضريبي، وتسهيل إجراءات غير قانونية في الحملة الانتخابية على شكل مدفوعات مالية لإسكات الناس، والكذب على الكونجرس بشأن عمله في مشروع عقاري محتمل لترمب في موسكو.
وعلاوة على ذلك، فقد أثار كوهين تساؤلات جديدة بشأن مصداقيته أثناء الإدلاء بشهادته الخريف الماضي في محاكمة ترمب بتهمة الاحتيال المدني، إذ أنه خلال استجواب حاد أصر على أنه ليس مذنباً أبداً بشأن التهرب الضريبي، ولكنه في النهاية، شهد بأنه كذب على القاضي الفيدرالي.
ورأت الوكالة أن كوهين يعمل منذ انفصاله عن ترمب على مواجهة أكاذيبه السابقة، قائلة إن عنوان البودكاست الخاص به "الشعور بالذنب" يشير إلى رغبته في محاسبة نفسه على جرائمه السابقة، فضلاً عن اعترافه في مقدمة مذكراته الصادرة عام 2020، أن بعض الناس يعتبرونه "المتحدث الأقل موثوقية في هذا الكوكب".
"شاهد مدفوع بأجندة"
وأثناء الحكم عليه عام 2018، قال كوهين: "ولائي الأعمى لترمب جعلني أشعر أن من واجبي التستر على أفعاله القذرة، بدلاً من الاستماع إلى صوتي الداخلي وبوصلتي الأخلاقية".
وخارج المحكمة، صوَر كوهين نفسه على أنه يجسد المشاعر المناهضة للرئيس السابق، حتى أنه بات يستخدم لقباً بذيئاً لوصف ترمب.
ومن الممكن أن توفر منشوراته الأخيرة ذريعة لتصويره على أنه شاهد مدفوع بأجندة تسعى للانتقام، ولذا فإنه بعد يومين من انتقاداته الأخيرة لترمب نشر كوهين منشوراً أعلن فيه أنه سيتوقف عن التعليق على الأخير إلى ما بعد الإدلاء بشهادته وذلك "احتراماً للقاضي والمدعين العامين".
ومع ذلك، فإنه في بث مباشر على تطبيق "تيك توك"، الأسبوع الماضي، ارتدى كوهين قميصاً عليه شخصية تشبه ترمب ويداه مكبلتان خلف القضبان، وبعد شكوى محامي الرئيس السابق، حث القاضي خوان ميرشان المدعين، الجمعة، على إخبار كوهين بأن المحكمة تطلب منه عدم الإدلاء بأي تصريحات أخرى عن القضية أو ترمب.
وبالنسبة لجيريمي سالاند، محامي الدفاع الجنائي في نيويورك والمدعي العام السابق بمانهاتن، فإن خلفية كوهين لا تشكل عقبة كبيرة أمام المدعين العامين، قائلاً: "المدعون يحتاجون إلى إقناع كوهين بأن يكون صريحاً، وأن يعترف بأخطائه الماضية ويكبح جماح تعليقاته بشأن ترمب، وإلا فإنه يمكن أن تبدو القضية وكأنها عرضاً لمايكل كوهين".
وكان محامي ترمب، تود بلانش، قد استخدم مرافعته الافتتاحية للحديث عن "هوس كوهين بترمب وكذبه السابق تحت القسم"، قائلاً لهيئة المحلفين: "لا يمكنكم اتخاذ قرار جدي بشأن ترمب اعتماداً على كلمات مايكل كوهين".
من جانبه، وصف المدعي العام ماثيو كولانجيلو، كوهين بأنه شخص ارتكب "أخطاء"، لكنه قال للمحلفين إنه يمكنهم أن يصدقوه رغم ذلك.
أما آنا كومينسكي، وهي أستاذة بكلية الحقوق في نيويورك، فقالت إنه عندما يقف كوهين على المنصة، فإنه سيكون من الحكمة أن يتناول المدعون ماضيه الإشكالي قبل أن يفعل محامو الدفاع ذلك.
وأضافت كومينسكي: "أتخيل أن المدعي العام سينظر في مرافعته الختامية إلى هيئة المحلفين ويقول: صحيح أن هذا الرجل ليس شاهداً مثالياً، لكن لا أحد منا كذلك أيضاً".