رئيسة مقدونيا الشمالية الجديدة تعيد "الخلاف المقدوني" إلى الواجهة

امرأة تمر بجوار تمثال الإسكندر الأكبر في سالونيك، اليونان. 24 يناير 2019 - AFP
امرأة تمر بجوار تمثال الإسكندر الأكبر في سالونيك، اليونان. 24 يناير 2019 - AFP
دبي-الشرق

أثارت رئيسة مقدونيا الشمالية الجديدة غوردانا سيليانوفسكا-دافكوفا جدلاً نهاية الأسبوع الماضي عندما امتنعت عن لفظ الاسم الجديد لبلدها خلال أدائها اليمين الدستورية، وخلف ذلك استياءً في الاتحاد الأوروبي وقوبل بالانتقاد من اليونان التي اعتبرت في بيان أن ما قامت به دافكوفا "انتهاك صارخ" لاتفاقية بريسبا التاريخية التي عقدت عام 2018.

وقالت دافكوفا أمام نواب البرلمان وضيوف آخرين خلال مراسم تنصيبها: "أعلن أنني سأمارس منصب رئيسة مقدونيا بضمير ومسؤولية وأنني سأحترم الدستور والقوانين وأنني سأصون سيادة مقدونيا وسلامة أراضيها واستقلالها".

وأوردت وكالة "فرانس برس"، أن النص الرسمي لأداء اليمين الذي قرأته الرئيسة الجديدة كان يتضمن اسم البلاد الجديد "مقدونيا الشمالية" وليس مقدونيا فقط.

وأبرمت سكوبيي اتفاقاً "تاريخياً" مع اليونان في العام 2018، أضاف كلمة "الشمالية" إلى "مقدونيا" لتمييزها عن مقاطعة مقدونيا اليونانية، لتسوية نزاع متواصل منذ مدة طويلة مع أثينا التي عرقلت لهذا السبب انضمام جارتها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن السفارة اليونانية في سكوبيي، أن سفيرة اليونان غادرت الحفل المقام في البرلمان تعبيراً عن احتجاجها.

أصل الخلاف

الخلاف المقدوني هو نزاع هيمن على السياسة في جنوب البلقان منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين.

في البداية، كان يقتصر على اليونان وبلغاريا، وبدرجة أقل صربيا، في صراع بشأن الدولة التي لها الحق في فرض هويتها الوطنية على السكان المتنوعين عرقياً ولغوياً ودينياً في المنطقة التي تسمى تقليدياً مقدونيا، ومن هنا، حاولت كل دولة الاستيلاء على أراضي مقدونيا نفسها.

وبعد حروب البلقان (1912-1913)، تم تقسيم المنطقة الجغرافية لمقدونيا، التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، بين دول البلقان الثلاث، وبناء على ذلك،  أصبح الجزء الجنوبي من مقدونيا جزءاً من اليونان، وأصبح معظم الجزء الشمالي جزءاً من صربيا (لاحقاً جزءاً من مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين، ثم لاحقاً مملكة يوغوسلافيا)، وأصبحت منطقة صغيرة في الشمال الشرقي جزءاً من بلغاريا.

وفي عام 1946، أصبحت جمهورية مقدونيا إحدى الجمهوريات الست المكونة لجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية، وبدا كما لو أن المسألة المقدونية قد تمت تسويتها.

ولكن في عام 1991، عندما أعلنت جمهورية مقدونيا استقلالها عن يوغوسلافيا، أثيرت المسألة مرة أخرى بشكل مختلف، إذ أن اليونان - التي تضم نفسها منطقة تسمى مقدونيا (مقدونيا) والتي تتبنى الإنجازات المجيدة للإسكندر الأكبر والمقدونيين القدماء - اعترضت بشدة على استخدام "الاسم اليوناني" من قبل دولة أغلب مواطنيها من السلاف.

وفي إطار جهودها لاحتكار اسم مقدونيا، أجبرت اليونان جمهورية مقدونيا الشمالية على قبول العضوية في الأمم المتحدة تحت التسمية المؤقتة "جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة" ومنعتها من الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي (الناتو)، وأصبح الخلاف بشأن الاسم موضوعاً لمفاوضات ثنائية طويلة الأمد بين جمهورية مقدونيا الشمالية واليونان تحت رعاية الأمم المتحدة.

بداية التوافق

وفي العام 1994، أطلقت اليونان حملة مقاطعة اقتصادية لمقدونيا، لكنها سرعان ما انتهت في العام 1995، بعد أن وقع البلدان على اتفاق مؤقت بوساطة أممية في سبتمبر من العام ذاته.

وبموجب شروط الاتفاق، وافقت اليونان على عدم عرقلة دخول مقدونيا إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) طالما أنها ستفعل ذلك بموجب تسميتها المؤقتة "جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة". 

ولكن على الرغم من هذا الاتفاق، منعت اليونان في عام 2008 انضمام مقدونيا إلى الناتو. كما أحبطت محاولتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي عام 2011، قضت محكمة العدل الدولية بأن اليونان انتهكت اتفاق 1995 من خلال عرقلة محاولة مقدونيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

واستمرت المفاوضات الثنائية بشان الاسم، برعاية الأمم المتحدة، لسنوات دون تحقيق أي تقدم يذكر.

وفي عام 2018، بعد هزيمة  الحزب الديمقراطي للوحدة الوطنية المقدونية وصعود الحزب الاشتراكي الأكثر اعتدالاً إلى السلطة تحت قيادة رئيس الوزراء زوران زائيف، أصبحت البيئة السياسية في الجمهورية أكثر ملاءمة لحل هذا النزاع.

وأنهت حكومة زائيف سياسة "التعتيق"، والتي بموجبها تم تسمية المطارات والطرق السريعة الرئيسية بأسماء الأبطال المقدونيين القدامى، إلى جانب تشييد مباني كلاسيكية تماثيل ضخمة لفيليب المقدوني والإسكندر الأكبر وسط عاصمة البلاد سكوبي. وكانت هذه الإجراءات "القومية" تسيء إلى المشاعر التاريخية اليونانية وأضرت بالعلاقات بين مقدونيا واليونان.

اتفاق "بريسبا"

والاسم الرسمي للاتفاق الثنائي كما هو مسجل لدى الأمم المتحدة هو "الاتفاق النهائي لتسوية الخلافات كما هو موضح في قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 817 (1993) و845 (1993)، وإنهاء الاتفاق المؤقت لعام 1995، وإقامة شراكة استراتيجية بين الطرفين"، ودخل إلى حيز التنفيذ في 12 فبراير 2019.

في 12 يونيو 2018 التقى رئيس الوزراء المقدوني زوران زائيف ونظيره اليوناني أليكسيس تسيبراس في قرية صغيرة على شاطئ بحيرة بريسبا (المقسمة بين ألبانيا ومقدونيا واليونان)، ووقع وزيرا خارجية البلدين على ما أصبح يعرف فيما بعد باتفاق "بريسبا".

وبين البنود العشرين التي شملتها الاتفاقية، كان البند الأكثر أهمية هو ذلك الذي ينص على أن الاسم الدستوري الرسمي لـ "الطرف الثاني"، الذي سيتم استخدامه محلياً ودولياً، سيكون "جمهورية مقدونيا الشمالية" أو "شمال مقدونيا" كاختصار.

وفي المقابل، يوافق "الطرف الأول" أي اليونان، على عدم الاعتراض على طلب مقدونيا الشمالية الانضمام إلى المنظمات الدولية ودعم دعوتها للانضمام إلى كل من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

ووفقاً لأحكام أخرى من الاتفاقية، فإن اللغة الرسمية لمقدونيا الشمالية ستكون "اللغة المقدونية"، في حين أن جنسية غالبية مواطنيها ستكون "المقدونية/مواطن جمهورية مقدونيا الشمالية".

وانعكست الحساسية الشديدة لكل جوانب مسألة الاسم وضرورة التحديد الدقيق لكيفية استخدام المصطلحين "مقدونيا" و"المقدوني" في أحكام أخرى من الاتفاقية.

وحددت أن جميع الإشارات الوصفية إلى "الدولة وأجهزتها الرسمية والكيانات العامة الأخرى" يجب أن تكون متوافقة مع الاسم الدستوري الجديد، جمهورية مقدونيا الشمالية.

علاوة على ذلك، نصت الاتفاقية على أن جميع الاستخدامات الأخرى لمصطلحي "مقدونيا" و"مقدوني" ستتضمن الاعتراف بأن الطرفين فهما المصطلحين على أنهما يشيران إلى تاريخ وثقافات وتراث مختلفين، وهو ما يعني أن كل دولة سوف تستخدم المصطلحات بطريقة مختلفة.

وأشار الطرفان إلى أن "اللغة الرسمية والصفات الأخرى للطرف الثاني (مقدونيا الشمالية) لا علاقة لها بتاريخ وثقافة وتراث الحضارة الهيلينية القديمة للمنطقة الشمالية للطرف الأول (اليونان).

وبهذه الطريقة، رفضت اليونان بشدة المطالبات القومية المقدونية بتاريخ المقدونيين القدماء والإسكندر الأكبر، والتي حافظت عليها اليونان باعتبارها تراثها الوطني الحصري.

خيانة أم تعزيز للسلام؟

في 11 يناير 2019، صوت البرلمان المقدوني على تغيير الدستور وفقاً لاتفاقية "بريسبا"، بما في ذلك اعتماد "جمهورية مقدونيا الشمالية" كاسم رسمي للبلاد، وصدق البرلمان اليوناني على اتفاقية "بريسبا" في 25 يناير.

وفي كلا البلدين كان رد الفعل الداخلي على الاتفاقية سلبياً إلى حد كبير، إذ اعتبر القوميون المقدونيون أن الاتفاقية "كارثة"، وندد القوميون اليونانيون بالسياسيين المسؤولين عن عقد الاتفاق، ودعوا إلى إعدامهم بتهمة الخيانة، كما اندلعت احتجاجات عنيفة ضد الاتفاق في كلا البلدين.

أما على المستوى الدولي، تم التعامل اتفاقية "بريسبا" بشكل أكثر إيجابية، ورحب زعماء دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بالاتفاق وأشادوا بكل من زائيف وتسيبراس لخوضهما مخاطر كبيرة لإنهاء النزاع الطويل الأمد وتعزيز السلام والاستقرار في جنوب البلقان.

وفي 6 فبراير، وقعت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بروتوكول الانضمام مع مقدونيا الشمالية، وفي 12 فبراير، تم الإعلان رسمياً عن تغيير اسم مقدونيا الشمالية، ودخل حيز التنفيذ عندما أخطر البلدان الأمم المتحدة بأن اتفاقية "بريسبا" قد اكتملت.

تصنيفات

قصص قد تهمك