سوناك يحذّر البريطانيين من "سنوات خطيرة" على الأمن القومي

رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يدلي بخطاب حول الأمن القومي في مركز أبحاث Policy Exchange بلندن. 13 مايو 2024 - REUTERS
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يدلي بخطاب حول الأمن القومي في مركز أبحاث Policy Exchange بلندن. 13 مايو 2024 - REUTERS
لندن -بهاء جهاد

حذّر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك من "أخطر الأوقات"، التي تعيشها بريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قائلاً إن ما يحدث في آسيا وإفريقيا وأوروبا يحمل "خطراً مباشراً" على الأمن القومي لبلاده، ولا بديل عن الاستعداد لمواجهته خلال السنوات المقبلة، ليس على الصعيد الاستراتيجي فحسب، وإنما المالي أيضاً.

ودعا البريطانيين خلال خطاب ألقاه، الاثنين، بمركز Policy Exchange للأبحاث إلى "الاختيار الدقيق في الانتخابات المقبلة بين حزبه القادر على اتخاذ قرارات صعبة لحماية أمن البلاد، و"العمال" الذين لا يملكون رؤية واضحة في هذا الشأن"، لافتاً إلى عدة خطوات حاسمة اتخذها المحافظون، لتحصين البلاد على مستويات مختلفة داخلية وخارجية.

خطاب سوناك أعلن بشكل غير مباشر العنوان العريض لحملة حزب المحافظين الانتخابية في الاستحقاق البرلماني المقبل، الذي أكد رئيس الحكومة على أنه سيلتئم في النصف الثاني من العام الجاري. ولكن المنافسة فيه برأيه، لن تكون على متى وكيف ستتم، وإنما "ماذا يحمل كل حزب وزعيم في جعبته لضمان مستقبل البريطانيين وأمنهم".

أولوية الأمن القومي

رئيس وزراء بريطانيا حذّر من تداعيات "تحالف الأنظمة الاستبدادية" على أمن المملكة المتحدة والغرب عامة. وقال إن حكومات الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، "تهدد أمن واقتصاد العالم" في آسيا وإفريقيا وأوروبا، وما تفعله هناك يمس بلاده، والقيم الديمقراطية والحقوقية بشكل مباشر، حتى ولو وقع على بعد آلاف الأميال عن الحدود.

كما استعرض سوناك ما يحدث من توتر في الشرق الأوسط، والغزو الروسي لأوكرانيا، واضطرابات في 18دولة إفريقية، على سبيل التهديد المباشر لأمن المملكة المتحدة.

ووافق المسؤول السابق في الجيش البريطاني الجنرال تشيب شارمان، على هذا الطرح من حيث مضمونه، معرباً عن اعتقاده بأن تعزيز قدرة حلف شمال الأطلسي "الناتو" الدفاعية، هي أولى الخطوات التي ينبغي العمل عليها.

وقال الجنرال شارمان، إنه يؤمن بضرورة أخذ الأزمات التي تحدث في قارات العالم القديم على محمل الجد، عندما ينظر إلى أمن المملكة المتحدة على مستوى استراتيجي، لكن ذلك لا يلغي تفضيله لاحتواء التوترات حول العالم بدلاً من تفجيرها، وتصعيدها بشكل غير مباشر. فانزلاق الأزمات نحو كوارث وحروب غير قابلة للاحتواء احتمال وارد دائماً.

ولفت شارمان في حديث مع صحيفة "تلجراف" البريطانية إلى أن الاستعداد لتداعيات الحروب حول العالم أمر واقعي، ولكن لا بد أيضاً من الإعداد لمواجهة ذلك التهديد، الذي تحمله التكنولوجيا على الأمن القومي، منوهاً إلى تقدم أدوات التجسس وتطور استخدامات التقنية في صناعة الأسلحة، هي مخاطر تستحق التمعن فيها كما الصراعات المباشرة.

قائمة مخاطر طويلة

لم يغفل سوناك المخاطر التقنية في عرضه لقائمة التهديدات التي تواجه المملكة المتحدة، وتضعها أمام مفترق طرق خلال السنوات القليلة المقبلة. فبالإضافة إلى النزاعات حول العالم، حذّر رئيس الوزراء من "التجسس الصيني، وتسميم روسيا لأشخاص يعيشون على أراضٍ بريطانية".

كما لفت إلى توسع رقعة التطرّف في بلاده، وتصاعد معاداة السامية والإسلاموفوبيا، كذلك مخاطر الهجرة غير الشرعية من الشواطئ الفرنسية عبر بحر المانش، ناهيك عن الاستخدامات المقلقة للذكاء الاصطناعي في مجالات مدينة وعسكرية مختلفة.

هذه القائمة الطويلة من التهديدات تضع البريطانيين وفق سوناك، أمام سؤال مصيري عند فتح صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة المقبلة، من يدرك كل هذه المخاطر، ومن يستطيع اتخاذ القرارات الحاسمة والجريئة التي تحتاجها البلاد لمواجهتها، متهما حزب العمال بـ"الافتقار للخطة المجدية والرؤية الواضحة في هذا المجال"، وفق تعبيره.

في المقابل، رد زعيم المعارضة كير ستارمر، بالقول إن "ريشي سوناك مخطئ في القول إن المملكة المتحدة أقل أمناً في عهدة حزبه". 

ولكن الباحث في الشأن البريطاني جوناثان ليز، أشار إلى أن المحافظين استغلوا ثغرات في تاريخ "العمال"، وممارساته الراهنة في هذا المجال، ليحولوا معركة الانتخابات المقبلة إلى عنوان واحد رئيسي هو "حماية الأمن القومي".

وقال ليز لـ"الشرق"، إن "الزعيم السابق لحزب العمال المعارض جيرمي كوربين، أراد الانسحاب من حلف الناتو. كما أن وزير خارجية حكومة الظل الحالية ديفيد لامي، زار واشنطن مؤخراً ليتودد إلى الجمهوريين، ويظهر تفهمه لانتقادات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للحلف الدفاعي. وهذا يوحي باستعداد العمال لقبول أي اتفاق سلام يبرمه ترمب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حساب أوكرانيا".

خطوات وقرارات جذرية

ويعد التمسك بحلف الناتو، ورفع الإنفاق الدفاعي البريطاني إلى نسبة 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 20230، من أبرز ملامح خطة سوناك لمواجهة الخطر الذي ينتظر المملكة المتحدة في السنوات المقبلة. وهو يرى أن بريطانيا ستكون الدولة "القائدة" في تعزيز أمن أوروبا، عبر هذا الإنفاق، وزيادة تعاونها العسكري مع دول القارة العجوز.

ومن الخطوات التي أعلنها سوناك أيضاً أمام وسائل إعلام محلية، هو مضيه في خطة ترحيل المهاجرين إلى رواندا، حتى ولو على حساب عضوية بلاده في اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، لافتاً إلى استعداده للانسحاب من هذه الاتفاقية لوقف "قوارب الموت"، التي تأتي بالمهاجرين غير النظاميين، وضبط الحدود كما يتعهد "المحافظون" منذ أعوام.

والمشكلة الجديدة التي تواجه المحافظين في هذا الشأن، هي قرار محكمة بلفاست العليا بعدم جواز تطبيق "خطة رواندا" في إيرلندا الشمالية، بسبب احتمال تأثيرها على اتفاق "الجمعة العظيمة" بين بلفاست ودبلن. وهذا الحكم يزيد من التحديات أمام مشروع ترحيل المهاجرين، الذي يقول سوناك إن كلفته ليست كبيرة في مقابل "حماية الأمن القومي للبلاد".

ووصف سوناك قراراته لحماية البلاد بـ"الصلبة"، وقال إن الردع، الذي يتطلع إليه ليس محصوراً بالقوة العسكرية، وإنما يمتد إلى تحصين الجبهة الداخلية بنظام تعليمي رائد عالمياً، وتطوير تقنية الذكاء الصناعي بما يضمن تحقيق مكاسبه وتجنب تداعياته السلبية. إضافة لدعم خدمات الصحة والبنية التحتية بالأموال، والمضي في مشاريع الطاقة النظيفة بشكل لا يرهق الشركات والأفراد، إلى جانب خطط تحسين المعاشات وتقليص قيمة الضرائب.

مؤشرات اقتصاد "إيجابية"

وأوضح سوناك أن قراراته تضمنت أيضاً تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تشجيع الإبداع والاستثمارات، وضخ الأموال لتنشيط الصناعة والتجارة في جميع الاتجاهات، التي أتاحها الخروج من الاتحاد الأوروبي، لافتاً إلى أن مؤشرات الاقتصاد في عهده الممتد إلى 18 شهراً حتى الآن، تقول إن "رؤيته واقعية، ووعوده ذات جدوى وقابلة للتنفيذ"، على حد تعبيره.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن بلاده قفزت إلى المرتبة الرابعة على قائمة أكبر المصدرين بعد "بريكست".

لكن المحلل الاقتصادي أسلم بوسلان قال إن المملكة المتحدة احتلت هذه المرتبة بعد الصين وأميركا وألمانيا في 2014، ثم انتزعتها منها اليابان في عام 2016، وهو نفس العام، الذي صوّت فيه البريطانيون لصالح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. ثم عادت لندن إلى المركز الرابع عام 2019، وبقيت فيه منذ ذلك الحين دون تغيير يذكر.

وأشار بوسلان لـ"الشرق"، إلى أن المملكة المتحدة احتلت المرتبة الرابعة في التصدير عالمياً تحت راية "العمال" برئاسة توني بلير قبل النمو السريع للصين عام 2004. ومنذ ذلك الحين تتبادل المملكة المتحدة، واليابان الجلوس على هذه المرتبة كل بضع سنوات. وبالتالي لا يستطيع سوناك نسب هذا الإنجاز لنفسه، كما أن حديثه عن معدلات نمو الاقتصاد "ليست دقيقة".

وأوضح أن الاقتصاد نما في الربع الأول بنسبة 0.6٪، وهذا فعلاً أسرع من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وحتى أميركا، لكن هذا الربع "القوي" جاء بعد عام من الركود وعدم النمو. وإذا قورن الربع الأول 2024 مع الفترة نفسها من العام الماضي، يتبين أن اقتصاد المملكة المتحدة كان أبطأ من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة.

أداء المحافظين ومستقبلهم

وبعيداً عن مواطن الضعف الاقتصادية في خطاب رئيس الوزراء، بات من الواضح أنه حصر المنافسة الانتخابية المقبلة بين المحافظين والعمال في "حماية الأمن القومي"، وربما تكون تحذيراته صحيحة، إلا أن الوزير في حكومة الظل العمالية جوناثان أشوورث، اعتبر الأمر مجرد "محاولة يائسة للهروب" من السجل السيء للحزب الحاكم منذ عام 2010.

وقال أشوورث في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، إن حزب المحافظين خسر الحق في الحديث عن الأمن بعد 14 عاماً من السلطة، التي تركت المملكة المتحدة "أقل أمناً في الداخل والخارج". 

أما توضيح ذلك فجاء على لسان زعيم الحزب كير ستارمر، عندما قال إن المحافظين "أهدروا المليارات على مشتريات عسكرية غير مجدية وغير ضرورية". كما أنهم قلّصوا القوات المسلحة، و"أفرغوا" الجيش من مواطن قوة عديدة كان يمتاز بها سابقاً.

مع ذلك، اعترف سوناك بوقوع أخطاء منذ تولي حزب المحافظين للسلطة عام 2010، لكنه رفض وصف حكمهم بـ"الفاشل"، وطالب برؤية الإنجازات التي تحققت على مدار عقد ونصف. 

ودعا زعيم "العمال" إلى مناظرة تدور حول تصورات المعارضة، لمواجهة التهديدات المحتملة للدولة، وخططها لحل أزمات مثل الهجرة غير الشرعية، ودعم الاقتصاد وغيرها.

في المحصلة، تباينت وسائل الإعلام المحلية في وصف خطاب رئيس الوزراء، وجدوى ربطه الانتخابات المقبلة بالأمن القومي للمملكة المتحدة، لكن الجميع اتفق على مضمون رسالة واحدة حاول سوناك تمريرها في خطابه، وفحواها "انتهاء كل محاولات التمرد" على زعامته للمحافظين، وحسم معركة قيادته للحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة.

تصنيفات

قصص قد تهمك