أكد ناشطون في روسيا أن السلطات تعاقب المعارضين لسياستها عبر إخضاعهم لظروف قاسية خلال فترة خدمتهم العسكرية الإلزامية، وفق ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
ويحتفظ روسلان شافيدينوف بذكرى مريرة من خدمته العسكرية، إذ أُرسل المعارض الروسي لمدة عام إلى أرخبيل نوفايا زيمليا في القطب الشمالي وسط الدببة القطبية.
وقال الصديق المقرب لأليكسي نافالني، أبرز معارضي الكرملين الذي أثارت مزاعم تسميمه من قبل السلطات الروسية ثم سجنه أزمة بين موسكو والغرب، "أرسلوني إلى أبعد مكان ممكن".
والعزاء الوحيد لشافيدينوف هو أنه تعلم خلال خدمته ألا يخاف من الدببة التي كانت تحوم حول المركز المعزول الذي يتمركز فيه مع 4 جنود، ولا يمكن الوصول إليه إلا بالمروحية.
وقال الناشط البالغ من العمر 25 عاماً "لاحقني مرّة دبّ. في نهاية المطاف، لم يكن عدوانياً لأنني كنت أطعمه".
في روسيا، يؤدي أكثر من 250 ألف رجل تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاماً كل سنة الخدمة العسكرية التي تم تخفيضها في 2008 إلى عام واحد بدل عامين، ما سمح بالحد من التصرفات المهينة أو العنيفة خلال طقوس استقبال المجندين الجدد، رغم أن أعمال عنف لا تزال تجري.
وينجح الكثير من الروس في التهرب من الخدمة العسكرية الإلزامية، متذرعين بأسباب طبية أو دراسية، وذلك عبر تجاهل الاستدعاء أو دفع رشاوى، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
أما بالنسبة للمعارضين، فيكون الأمر أكثر تعقيداً في أغلب الأحيان. خاصة أنهم يؤكدون أن الخدمة العسكرية باتت ضمن ترسانة السلطة لإسكاتهم.
"عقاب بدون جرم"
وتعرض شافيدينوف لضغوط ولعمليتي دهم نهاية 2019، بينما كان فريقه قد نسق تظاهرات في موسكو، ويعمل على إطلاق خطة للتصدي لحزب الرئيس فلاديمير بوتين "روسيا الموحدة" في الانتخابات المحلية.
وتم تجنيده في الجيش حينها على الرغم من "أسباب طبية" تحول دون ذلك، حسب قوله. ورفضت الطعون التي تقدم بها.
وفي 23 ديسمبر 2019، حطمت الشرطة باب شقته واقتادته مكبل اليدين إلى أقصى الشمال. وقال "لم أكن أتخيل أن روسيا ستعاود ممارسات نفي الشخصيات السياسية" مندداً بالرغبة في "ترهيب" الشباب.
ولم يكن مسموحاً للناشط الروسي خلال الخدمة بالحصول على هاتف محمول مطلقاً، واضطر إلى التواصل مع أقاربه عبر الرسائل التي كان يستغرق وصولها أسابيع.
وشافيدينوف هو أحد معاوني نافالني الثلاثة الذين أرسلوا رغماً عنهم إلى الجيش خلال السنوات الخمس الماضية.
وتمت ملاحقة 4 آخرين بتهمة "الإخلال" بالتزاماتهم العسكرية. وتم تجنيد المدافع عن حقوق الإنسان أوليغ كوزلوفسكي (36 عاماً)، في 2007 رغم وجود عذر طبي وتحصيله الدراسي.
وقال كوزلوفسكي، الموظف في منظمة العفو الدولية غير الحكومية، "كانت قضيتي تعد سابقة خطيرة. الآن تُستخدم هذه الأساليب بلا كلل".
وأشار كوزلوفسكي إلى "أنها عقوبة بلا جريمة، وسيلة نفي" موضحاً أن السلطات تلجأ إليها عندما "تصبح الإجراءات القانونية، أو إيجاد أسباب حقيقية، أمراً معقداً أو مستحيلاً".
واعتبر أن حالات ناشطين معروفين أرسلوا إلى الجيش ليست سوى "غيض من فيض". وبالتوازي، يخضع المتظاهرون المعتقلون بانتظام لـ "تدقيق" حول وضعهم العسكري.
وفي عام 2019، رصد محققون روس "134 حالة تهرب من الجيش" بين المتظاهرين الذين تم اعتقالهم في موسكو. وصدرت أوامر بتدقيق مماثل بعد التظاهرات المؤيدة لنافالني في يناير وفبراير. ورفضت وزارة الدفاع الروسية التعليق على ذلك رداً على طلب وكالة الصحافة الفرنسية.
مدرسة للعبودية
وفي مدينة "لوغا" التي تبعد حوالي مئة كيلومتر عن سانت بطرسبرغ، أعربت مارغريتا يودينا عن استيائها بسبب استدعاء ابنيها روبرت وروستيسلاف البالغين من العمر 24 و 20 عاماً. واعتبرت أن ذلك مرتبط بـ "أنشطتها السياسية".
وتعرضت يودينا المؤيدة لنافالني، للضرب على أيدي الشرطة في يناير خلال تجمع حاشد. وتداول الإعلام القضية بكثرة، ونددت علناً بالاعتداء عليها وقدمت شكوى.
وتؤكد يودينا (54 عاماً) "إنه ضغط وترهيب ومضايقة لأخفف الكلام" رافضة إرسال ولديها، وأحدهما مصاب بداء السكري، إلى الجيش الذي وصفته بأنه "مدرسة للعبودية".
ويقول مراقبون إنه حتى لو أصبح الجيش الروسي احترافياً بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة، إلا أن التجنيد الإجباري استمر لأسباب تتعلق بالميزانية، ولأسباب ثقافية أيضاً في بلد كان عسكرياً بشدة لفترة طويلة.
وفي ألتاي (سيبيريا)، لا يزال الناشط فسيفولود جونكوف البالغ من العمر 19 عاماً يريد التهرب. بعد تعرضه لضغوط بسبب انخراطه في المعارضة، وتم تجنيده الخريف الماضي، وتمكن من تجنب ذلك بصعوبة. وقال "طعنت على الفور في قرار اللجنة العسكرية" التي ألغت القرار.
واستؤنفت دعوة التجنيد في أبريل بعد العطلة الشتوية، وتم استدعاؤه مرة أخرى لإجراء الفحوصات. ولم يتم تعبئته رسمياً بعد، لكن بالنسبة له "المشاكل ستستمر" دون شك.