اندلعت أعمال عنف دامية في كاليدونيا الجديدة، الإقليم الفرنسي ما وراء البحار، بعد موافقة باريس على تعديل دستوري يسمح للوافدين الجدد للإقليم، بالتصويت في الانتخابات الإقليمية.
وخلفت الاحتجاجات العنيفة ضد قواعد التصويت الجديدة التي فرضتها فرنسا، والتي أعقبتها أعمال النهب والحرق، سقوط 6 أشخاص على الأقل وإصابة مئات آخرين في اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وانفجر الوضع في الأرخبيل بالمحيط الهادئ، المتوتر منذ أشهر، منذ يوم الاثنين 13 مايو، عندما أعلن البرلمان الفرنسي الموافقة على إجراء تعديلات في دستور كاليدونيا الجديدة، من شأنها أن تسمح لعدد أكبر من السكان الفرنسيين بالتصويت في انتخابات كاليدونيا الجديدة، التي يخشى أنصار الاستقلال أن تضعف أصوات السكان الأصليين.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، الأحد، تنفيذ "عملية كبيرة تضم أكثر من 600 رجل أمن" في كاليدونيا الجديدة، لاستعادة السيطرة على الطريق بين العاصمة نوميا ومطارها الدولي.
متى أصبحت كاليدونيا الجديدة فرنسية؟
تقع كاليدونيا الجديدة في جنوب غرب المحيط الهادئ، على بعد حوالي 1300 كيلومتر من الساحل الأسترالي، وتضم المنطقة الجزيرة الرئيسية كاليدونيا الجديدة، والعديد من الجزر الصغيرة، وكان المستكشف البريطاني جيمس كوك أول أوروبي تطأ قدمه هناك في عام 1774.
وفي العقود التالية، وصل البحارة والمبشرون المسيحيون من بريطانيا وفرنسا، واستقروا في كاليدونيا الجديدة، وفي عام 1853، في عهد نابليون الثالث، استولت فرنسا رسمياً على الجزيرة، والتي استخدمتها في البداية كمستعمرة جزائية، وبعد اكتشاف النيكل، بدأ التعدين بشكل جدي، وسرعان ما توسعت الصناعة لتشمل استخراج النحاس أيضاً.
في عام 1887، تم تطبيق "قانون السكان الأصليين" الفرنسي على كاليدونيا الجديدة، وأخضعت هذه المجموعة من القوانين السكان الأصليين في المستعمرات الفرنسية لقواعد صارمة، وحرمتهم من بعض الحقوق المدنية.
منذ البداية، قام شعب الكاناك بعدة محاولات فاشلة لتخليص أنفسهم من القوة الاستعمارية، وعندما أصبح الأرخبيل إقليما فرنسياً وراء البحار بعد الحرب العالمية الثانية، حصل الكاناك في كاليدونيا الجديدة على الجنسية الفرنسية، ومُنحوا تدريجياً حق التصويت.
من هم سكان كاليدونيا الجديدة؟
يضم الأرخبيل شعب الكاناك، وهم أحفاد السكان الأولين قبل الاستعمار الفرنسي، ويمثلون 40% من سكان الإقليم البالغ عددهم 270 ألف نسمة، وفقاً للمعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية (INSEE).
وينقسم الأوروبيون، الذين يمثلون ربع السكان، إلى فئتين: أولاً، سكان كاليدونيا الجديدة من أصل أوروبي، وهم أحفاد المستعمرين البيض الذين احتلوا الإقليم منذ القرن التاسع عشر، والذين يطلق عليهم اسم "الكالدوش"، من قبل السكان الأصليين للأرخبيل.
ثم هناك الأشخاص الذين جاؤوا مؤخراً من فرنسا، والذين يعيشون عادةً في الإقليم على أساس مؤقت، والذين يشار إليهم أحياناً بشكل انتقاصي باسم "مترو" أو "زورييل".
المطالبات المستمرة بالاستقلال
منذ السبعينيات، كانت هناك مطالبات مستمرة بالاستقلال في كاليدونيا الجديدة، وقد حظيت هذه المطالبات بدعم الكثير من مجتمع الكاناك، كما دعمت الأمم المتحدة هذه المطالب، وفي عام 1986 أعادت الجمعية العامة إدراج كاليدونيا الجديدة في قائمتها "للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، وفي عام 1988، وافقت فرنسا على منح كاليدونيا الجديدة المزيد من الحكم الذاتي.
لكن غالبية السكان، وخاصة أولئك الذين ينحدرون من المستعمرين الفرنسيين، يريدون أن تظل كاليدونيا الجديدة جزءاً من فرنسا.
وفي استفتائي الاستقلال اللذين أجريا عامي 2018، و2020، صوت لصالحه 43.6% و46.7% فقط من المشاركين، وفقاً لصحيفة "لوموند"، تمت مقاطعة استفتاء عام 2021 من قبل أحزاب الاستقلال؛ والذي دعم فيه السكان خيار البقاء تحت حكم فرنسا بنسبة 97%، وهي نتيجة اعتبرتها قوى المعارضة بأنها "مشوهة، ولا تعكس الواقع".
كيف بدأت أعمال الشغب؟
في 13 مايو، ناقشت الجمعية الوطنية (البرلمان) في باريس مشروع قانون لإصلاح شروط حقوق التصويت في الأرخبيل، ورداً على ذلك، دعا الانفصاليون في كاليدونيا، إلى النزول إلى الشوارع للتظاهر ضد التعديلات المقترحة.
وتريد فرنسا فتح حقوق التصويت للمهاجرين الذين عاشوا في كاليدونيا الجديدة لمدة 10 سنوات، ومن شأن ذلك أن يسمح لعدد أكبر من السكان الفرنسيين بالتصويت في انتخابات كاليدونيا الجديدة، التي يخشى أنصار الاستقلال أن تضعف أصوات الكاناك الأصليين.
ماذا يقدم هذا الإصلاح؟
ورغم الاحتجاجات المعارضة، تم التصويت على هذا التعديل الدستوري في 15 مايو، وهو تعديل يوسع حق التصويت في الانتخابات المحلية والاستفتاءات المحلية للمواطنين الفرنسيين الذين عاشوا في الأرخبيل لمدة 10 سنوات على الأقل، ولجميع أولئك الذين ولدوا هناك قبل أكثر من 10 سنوات.
ويمثل هذا التعديل الأول من نوعه، لأنه منذ "اتفاقات نوميا" عام 1998، كان للناخبين المسجلين في قوائم الاستفتاء في ذلك العام وأحفادهم وحدهم الحق في التصويت.
ولم يكن يحق لعدد كبير من السكان التصويت في الانتخابات المحلية، بسبب الشروط الصارمة، على سبيل المثال، يجب أن تكون قد عشت في كاليدونيا الجديدة بين عامي 1988 و1998، أو ولدت لأبوين يستوفيان هذا الشرط.
وبفضل هذه التعديلات، يستطيع 25 ألف شخص إضافي التصويت في الانتخابات العامة المرتقبة الشهر الجاري، وفق منصة "slate" الفرنسية.
ولا يحظى هذا بالقبول لدى الانفصاليين، ومعظمهم من الكاناك، الذين يديرون المقاطعات الشمالية والجزر على وجه الخصوص، ومع هذا الإصلاح، سيكون عددهم أقل نسبياً للتصويت، ويخاطرون بفقدان السيطرة على هذه المقاطعات في المستقبل.
وكان تمثيل شعب الكاناك لفترة طويلة موضوعاً للتوتر في كاليدونيا الجديدة، وقد تسبب بالفعل في اشتباكات في الثمانينيات.