أثار إعلان النرويج وإيرلندا وإسبانيا نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية تساؤلات بشأن التداعيات السياسية والدبلوماسية المحتملة لهذه الخطوة التي أثارت غضب إسرائيل على نحو يُنذر بحرب سياسية ودبلوماسية لا يُعرف كيف ستكون خاتمتها.
وأعلنت الدول الأوروبية الثلاث، الأربعاء، أن قرارات بالاعتراف بالدولة الفلسطينية رسمياً ستدخل حيز التنفيذ في 28 مايو الجاري، وهو الأمر الذي لقي ترحيباً فلسطينياً وعربياً، لكن الولايات المتحدة شددت على وجوب أن تتحقق الدولة الفلسطينية من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وليس عبر الاعتراف بها من أطراف منفردة.
وقد لا يفضي القرار إلى تغييرات فورية للأوضاع على الأرض في غزة أو الضفة الغربية، لكنه يضاعف الجهود من أجل استئناف الجهود المتوقفة منذ فترة طويلة للتوصل إلى تسوية سياسية على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل وفقاً لـ"رويترز".
واستضافت النرويج عملية أوسلو للسلام قبل 30 عاماً، والتي كانت تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967، وتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، لكن أحدث جولة مفاوضات انهارت قبل 10 سنوات.
وقد يولد اعتراف الدول الأوروبية الثلاث بالدولة الفلسطينية زخماً باتجاه اعتراف دول أوروبية أخرى بفلسطين، كما يمكن أن يكون حافزاً من أجل تنفيذ مزيد من الخطوات بالأمم المتحدة، ما يزيد عزلة إسرائيل، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" التي أشارت إلى اعتراف 7 دول بالتكتل الأوروبي المكون من 27 دولة رسمياً بالدولة الفلسطينية.
ومن المتوقع أن يكون لقرار الدول الأوروبية "تداعيات دبلوماسية"، بحسب شبكة CNN الأميركية التي رجحت أن يضغط القرار على حلفائها في القارة لاتخاذ موقف "أكثر حزماً" بشأن الصراع بين إسرائيل و"حماس" المستمر منذ أكثر من 7 أشهر.
وفي السياق، قالت النرويج، إنها "سترفع مستوى مكتب تمثيلها لدى فلسطين إلى سفارة"، بحسب ما نقلته "أسوشيتد برس" التي ذكرت أنه ليس من الواضح ما الذي ستفعله إسبانيا التي تملك قنصلية عامة بالقدس.
من جهته، قال إيمون رايان، رئيس أحد الأحزاب الثلاثة التي تشكل الحكومة الائتلافية الإيرلندية، إن بلاده تعتزم "رفع مستوى تمثيل مكتبها في الضفة الغربية إلى سفارة كاملة"، كما "ستمنح البعثة الفلسطينية على أراضيها وضع سفارة كاملة".
وأضاف رايان أن هذه المسألة ستحدث "بسرعة شديدة" في إيرلندا، بحسب ما نقلته "رويترز".
غضب إسرائيلي
في المقابل، رفضت إسرائيل القرارات، كما استدعت سفراءها من دول النرويج وإيرلندا وإسبانيا للتشاور، فضلاً عن استدعاء سفراء الدول الثلاث لديها لـ"التوبيخ".
وندد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإعلان الدول الثلاثة، ووصفه بأنه "مكافأة للإرهاب"، وقال إن "إسرائيل لن تتراجع عن تحقيق النصر في حرب غزة".
وأضاف نتنياهو في بيان: "هذه ستكون دولة إرهابية. ستحاول تنفيذ مذبحة السابع من أكتوبر مراراً وتكراراً، وهذا لن نوافق عليه".
كما أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، بأن وزير الدفاع يوآف جالانت أعلن إلغاء قانون "فك الارتباط" بالكامل في شمال الضفة الغربية، وهو ما يعني إعادة المستوطنات التي جرى تفكيكها في عام 2005 شمال الضفة.
وقال جالانت: "بعد إقرار قانون إلغاء الانفصال في الكنيست (البرلمان)، تمكنا من استكمال الخطوة التاريخية، والسيطرة اليهودية على يهودا والسامرة (الضفة الغربية) تضمن الأمن، وتطبيق قانون فك الارتباط سيؤدي إلى تطوير المستوطنات وتوفير الأمن لسكان المنطقة".
كما أفاد بيان لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بأنه تقدم بطلب إلى نتنياهو لوقف تحويل أموال المقاصة الفلسطينية للنرويج، مطالباً بسلسلة خطوات فورية بعد إعلان الدول الأوروبية الثلاث عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
كما دعا سموتريتش، إلى عقد اجتماع فوري لمجلس التخطيط الاستيطاني في الضفة للمصادقة على 10 آلاف وحدة سكنية في المنطقة المصنفة E1، مطالباً بإقامة 3 مستوطنات جديدة في الضفة الغربية.
وقال: "أبلغكم أنني وجهت مديرية الاستيطان بإعداد نص قرار بشأن 3 مستوطنات استراتيجية، وأطالب بالموافقة عليه في أقرب وقت".
وأشار سموتريتش، إلى أن "هناك قراراً آخر سيُعرض على مجلس الوزراء غداً (الخميس) بشأن إلغاء المخطط النرويجي الذي أقره مجلس الوزراء قبل بضعة أشهر".
وأردف: "كانت النرويج أول من اعترف اليوم بالدولة الفلسطينية من جانب واحد، ولا يمكنها أن تكون شريكاً في أي شيء يتعلق بالضفة الغربية، أنوي التوقف عن تحويل الأموال إليها والمطالبة بإعادة جميع الأموال المحولة".
في الوقت ذاته، قرر الوزير الإسرائيلي وقف تحويل أي أموال للسلطة الفلسطينية حتى إشعار آخر، داعياً إلى إلغاء جميع تصاريح الدخول إلى إسرائيل لكبار الشخصيات لمسؤولي السلطة الفلسطينيّة بشكل دائم، وفرض عقوبات مالية إضافية على مسؤولي السلطة الفلسطينية وعائلاتهم.
وقال شهود عيان لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)، إن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير اقتحم المسجد الأقصى مع عدد من مرافقيه بُعيد إعلان النرويج وإيرلندا وإسبانيا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فيما فرضت الشرطة الإسرائيلية طوقاً أمنياً في المكان.
وخلال اقتحامه الأقصى، قال بن جفير، إن الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية "تُعطي مكافأة" للقتلة وفقاً لمقطع فيديو نُشر عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإسرائيلية.
كما دعا الوزير إلى "إبادة" حركة "حماس" بشكل كامل، فيما أشار موقع "واي نت" الإسرائيلي، إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها بن جفير الحرم القدسي منذ السابع من أكتوبر الماضي.
"لحظات تاريخية"
وبينما ينظر الفلسطينيون بإيجابية إلى هذه التطورات، علها تكون خطوات فعالة باتجاه إقامة دولة فلسطينية حقيقية، يرى الإسرائيليون أنها لا يُمكن أن تُساند إقامة دولة فلسطينية، بل ستؤدي إلى تعنت وإصرار على تعزيز الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية التي يطالب الفلسطينيون بأن تكون عاصمة لدولتهم.
ووصف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ في بيان إعلانات الدول الأوروبية الثلاث المتزامنة، بأنها "لحظات تاريخية ينتصر فيها العالم الحر للحق والعدل بعد عقود طويلة من الكفاح الوطني الفلسطيني والمعاناة والألم والاحتلال والعنصرية والقتل والبطش والتنكيل والتدمير الذي تعرض له شعب فلسطين".
لكن وزارة الخارجية الإسرائيلية شنت هجوماً على الدول الأوروبية الثلاث، وقالت في بيان قبيل إعلان إسبانيا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، إن إيرلندا والنرويج "تعتزمان إرسال رسالة اليوم إلى الفلسطينيين والعالم أجمع بأن الإرهاب يؤتي ثماره".
ووصفت الخارجية الإسرائيلية ما حدث بأنه "خطوة ملتوية اتخذتها هذه الدول، وتعدّ ظلماً لذكرى ضحايا السابع من أكتوبر، كما أنها تشكل ضرراً للجهود الرامية إلى إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين (في قطاع غزة)".