بريطانيا.. سوناك يواجه أكبر انسحاب لأعضاء حزبه من الانتخابات منذ 1997

رئيس الوزراء البريطاني وزعيم حزب المحافظين ريشي سوناك ووزير إيرلندا الشمالية البريطاني كريس هيتون هاريس خلال زيارة مركز التكنولوجيا البحرية  في بلفاست كجزء من حملته قبل الانتخابات العامة- 24 مايو 2024 - Reuters
رئيس الوزراء البريطاني وزعيم حزب المحافظين ريشي سوناك ووزير إيرلندا الشمالية البريطاني كريس هيتون هاريس خلال زيارة مركز التكنولوجيا البحرية في بلفاست كجزء من حملته قبل الانتخابات العامة- 24 مايو 2024 - Reuters
لندن- بدر العتيبيالشرق

بينما تستعد بريطانيا لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، يواجه رئيس الوزراء ريشي سوناك أزمة داخل حزب المحافظين الذي يتزعمه، إذ انسحب عدد كبير من الأعضاء الفاعلين في دوائر انتخابية مختلفة من الترشح للانتخابات، في أكبر انسحاب منذ 1997، ما يُهدد حظوظ الحزب المستمر على رأس السلطة منذ 14 عاماً.

وتخطى عدد النواب المنسحبين من الحزب الرقم القياسي وقت "حقبة الخروج التاريخي"، عندما انسحب 75 عضواً من المحافظين في الانتخابات البرلمانية البريطانية عام 1997، والتي أعقبها فوز حزب العمال بقيادة توني بلير حينها.

وحتى الآن، أعلن 119 نائباً عن الحزب انسحابهم وعدم خوض الانتخابات المقبلة، منذ إعلان سوناك الأربعاء، الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة في 4 يوليو.

ويتيح القانون للنواب المنسحبين، حتى 7 يونيو المقبل، للعدول عن قرارهم والترشح عن دوائرهم.

وأعلن السير جون ريدوود الذي يُمثّل دائرة ووكينجهام في البرلمان البريطاني منذ عام 1987، عدم رغبته في الترشح للانتخابات العامة المقبل، وقال الرجل البالغ من العمر 72 عاماً، والذي أخفق مرتين خلال التسعينات في الترشح لقيادة حزب المحافظين "لقد قررت عدم طرح اسمي في الانتخابات المقبلة. لدي أشياء أخرى أود القيام بها".

وأكد النائب عن دائرة تونبريدج ويلز جريج كلارك عدم ترشحه للانتخابات التشريعية في يوليو، حيث أعلن ذلك في رسالة إلى رئيس دائرته الانتخابية، والتي تم نشرها أيضاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي في وقت سابق الجمعة.

وفي تغريدة عبر حسابه في منصة "إكس"، كتب كلارك الذي كان وزيراً سابقاً "لقد شعرت بالفخر والامتنان، لأنني تمكنت من التحدث والقتال في مجلس العموم من أجل شعب هذا المكان الجميل. أشعر أننا أنجزنا الأمور".

وتزيد الانسحابات المتتالية من النواب المحافظين الضغوط على رئيس الوزراء ريشي سوناك ذو الـ44 عاماً، والذي يعد أغنى رئيس وزراء في تاريخ بريطانيا بعد أن دخل مع زوجته قائمة أثرياء البلاد بثروة تزيد على 650 مليون جنيه إسترليني، إذ سيواجه صعوبات في إيجاد مرشحين جدد لديهم قبول كبير لدى الناخب البريطاني.

"لا تحالفات مع أحزاب أخرى"

وفي وقت تُظهر المؤشرات أن حزب المحافظين ليس في أفضل حالاته، بعدما فقد قرابة 500 مقعد محلي، ويشهد استقالات بين نوابه، إلا أن سوناك استبعد أن يعقد أي تحالفات مع الأحزاب الأخرى، إذ يصرُّ على أن "الشعب سيُحدد ما إذا كان سيختاره رئيساً للحكومة أم سيختار زعيم المعارضة كير ستارمر".

ورغم المصاعب التي تواجه حزب المحافظين في الوقت الحالي، هناك مشهد آخر أكثر تفاؤلاً، يتمثّل في رحلات سوناك المكوكية في أنحاء بريطانيا، والترويج لوعوده المتمثلة في تنمية الاقتصاد، وخفض التضخم والدين العام، ووقف الهجرة غير الشرعية، إضافة إلى العديد من القضايا الداخلية، كتحسين النظام الصحي، وخفض فواتير الطاقة، إلى جانب الإعلانات الاقتصادية المتتالية التي تساعده على إقناع الناخبين بنجاح خططه الاقتصادية.

ولم يعرف عن سوناك طيلة مسيرته في عالم المال والسياسة، صفة المجازفة والمغامرة، وذلك على عكس ما يبدو عليه قراره إجراء انتخابات مبكرة، رغم المخاطر التي تحيط بحظوظ حزبه.

وأصبح خطاب سوناك الذي أعلن خلاله عن الانتخابات المبكرة في يوليو، محل تندّر وسخرية بين البريطانيين على مواقع التواصل، إذ ظهر أمام "داونينج ستريت" في العاصمة لندن بملابس مبللة نتيجة الأمطار، وأكمل خطابه من دون أن يستخدم مظلة.

كما جاءت كلمته على أنغام غير متوقعة وضعها أحد المتظاهرين المعارضين لـ"بريكست" على مقربة من مقر الحكومة، وهي أغنية شهيرة في بريطانيا، كان قد اختارها رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب العمال توني بلير للإعلان عن ترشحه، وتقول كلماتها "الأمور لا يمكن إلا أن تتحسن".

وجاء إعلان سوناك عن الانتخابات المبكرة، بالتزامن مع قرار وزراء الخارجية، والدفاع، والمالية في حكومته، إلغاء ارتباطاتهم ورحلاتهم بسبب اجتماع وزاري يُعقد على غير وقته المعتاد.

ويعتمد زعيم حزب المحافظين في حظوظه بالفوز على البيانات الاقتصادية، كانخفاض التضخم إلى 2.3%، وانخفاض فاتورة الطاقة اعتباراً من يوليو القادم، بنحو 7%، وظهور مؤشرات على نمو الاقتصاد 0.5% العام الماضي، وجميعها مفاتيح أساسية في وعوده الخمس.

وفي حديث لـ"الشرق"، رأى محلل أسواق الطاقة جرّاف شارما أنه من المرجح جداً أن تُهيمن القضايا الاقتصادية على الانتخابات البريطانية لعام 2024، لاسيما ما يتعلق بـ"التضخم، وأسعار الفائدة، وأسعار الطاقة".

وقال شارما "سيحاول رئيس الوزراء ريشي سوناك إقناع الجمهور البريطاني بأن سياساته ستؤدي في نهاية المطاف إلى مستقبل اقتصادي أفضل".

وبحسب استطلاع حديث أجرته مؤسسة "Yougov" البريطانية للأبحاث، يعتقد 55% من البريطانيين أن الخطة الاقتصادية للحكومة لا تجدي نفعاً، بينما يرى 24% عكس ذلك.

ودفع تخلّف الحزب الحاكم في استطلاعات الرأي العام لمزاج الناخب البريطاني بفارق 20 نقطة عن حزب المعارضة، سوناك للسفر إلى عدد من مدن البلاد عبر طائرة خاصة، بعد أقل من 24 ساعة على إعلان موعد الانتخابات، بهدف الترويج لحملته الانتخابية.

تحديات "العمال"

ورغم نتائج استطلاعات الرأي ومؤشرات الانتخابات المحلية الجيدة، لكن حزب العمال المعارض يُواجه تحديات عديدة، تتمثّل في فقدان بعض الأعضاء الذين يتصدرون السباق في دوائرهم الانتخابية، كزعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربين، الذي أعلن ترشحه لدائرته مستقلاً عن حزبه.

وتراجعت شعبية الحزب في بريطانيا لعدة أسباب، منها موقفه من الحرب الإسرائيلية على غزة أثناء الانتخابات المحلية التي جرت مطلع الشهر الجاري، إذ اعترف حزب العمال بخسارته لمنطقة أولد هام في الشمال الإنجليزي التي تقطنها جالية مسلمة كبيرة.

وأشارت أوساط حزبية بريطانية لـ"الشرق" إلى أن نسبة نجاح حزب العمال في الانتخابات المقبلة تصل إلى 70%، نظراً لزيادة إقبال الناخبين على الأحزاب الأخرى كالأحرار الديمقراطيين والمستقلين، وذلك رغم أن الوقت ما زال مبكراً لمعرفة المرشحين والخطط الدقيقة للحملات الانتخابية.

ويجوب زعيم العمال السير كير ستارمر هو الآخر أنحاء بريطانيا لحشد الأصوات لحزبه، وقال إنه يريد "إنهاء الفوضى" التي جلبها الحزب المحافظ للبلاد على مدار 14 عاماً، وهي فترة توليهم الحكومة حتى الآن.

واعتبر ستارمر أنه "آن الأوان لأن تتغير بريطانيا إلى الأفضل"، موضحاً خططه طويلة المدى لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، من خلال قواعد الإنفاق الصارمة، وخفض قوائم الانتظار في هيئة الخدمات الصحية الوطنية عبر تفعيل المناوبات الأسبوعية لتقديم 40 ألف موعد إضافي.

وتشمل خطته أيضاً إلغاء قرار ترحيل اللاجئين إلى رواندا، وإنشاء قيادة جديدة لأمن الحدود تضم محققين متخصصين، وسلطات "مكافحة الإرهاب" لوقف عصابات تهريب المهاجرين، وإنشاء شركة طاقة بريطانية لخفض فواتير الطاقة.

وفي تعليقه على سياسة العمال وحظوظهم في الانتخابات، قال المحلل البريطاني جرّاف شارما "سيُسلط حزب العمال المعارض الضوء على العديد من المشاكل التي واجهها اقتصاد المملكة المتحدة على مدى العامين الماضيين. ومع ذلك، في نهاية المطاف، فإن العمال متقدمون حتى الآن في استطلاعات الرأي، وتبدو هزيمة الحكومة الحالية مرجحة جداً."

وعود اقتصادية

وتتخذ الانتخابات العامة البريطانية طابع الوعود الاقتصادية عادة، على الأقل لدى الحزبين الأكبر (المحافظين والعمال)، في حين تسعى الأحزاب الأخرى إلى التخلص من سيطرة المحافظين والعمال على السلطة في بريطانيا.

وتعتقد تلك الأحزاب أن البريطانيين سئموا من سوناك وستارمر ووعودهم، إذ قال زعيم حزب "إعادة تشكيل بريطانيا" ريتشارد تايس خلال إطلاق حملة حزبه إن "تلك الأحزاب هي أشكال مختلفة من الاشتراكية. البلد مكسور، والناس غاضبون، ولا يريدون تلك الأحزاب، ولهذا السبب سنُفاجئ الجميع، سنحصل على ملايين الأصوات".

وخلال إطلاق حملته الانتخابية قال زعيم حزب "الأحرار الديمقراطيين" المرشح للتنافس على عدد كبير من الدوائر الانتخابية إد ديفي "عبر أنحاء متفرقة من البلاد، رأينا كيف يصوت الناخبون للأحرار الديمقراطيين في الانتخابات المحلية للخلاص من المحافظين".

ويطغى الجانب السياسي وخاصة قضايا الشرق الأوسط على "حزب عمال بريطانيا العظمى"، الذي تأسس حديثاً بقيادة النائب جورج جالاوي، ويترشح من خلاله عدد من الداعمين للقضية الفلسطينية.

النظام الانتخابي 

وتستمر أعمال مجلس العموم حتى 30 مايو الحالي، على أن يتم حله بعد هذا التاريخ، بحيث لن يكون هناك نواب يمثلون دوائرهم إلى حين إعادة الانتخابات في 4 يوليو بأعضاء جدد لمدة 5  سنوات.

وفي بريطانيا يُعد دور الوزير مستقلاً عن دور النائب، ولذلك الحكومة والبرلمان مؤسستان منفصلتان، فلا تستقيل الحكومة عند حل البرلمان.

في المقابل لا يتأثر أعضاء مجلس اللوردات أو ما يعرف بالنبلاء بحل البرلمان، نظراً إلى أن تعيينهم يتم من قبل الملك بتوصية من رئيس مجلس الوزراء.

ويتنافس المرشحون من نواب الأحزاب السياسية والمستقلين على حصد أصوات الناخبين في 650 دائرة انتخابية في عموم البلاد.

وتحوي بريطانيا على 7 أحزاب بارزة منها "العمال"،  و"المحافظين"، و"الأحرار الديمقراطيين"، و"الخضر"، والحزب الوطني الاسكتلندي، والويلزي".

ويُدلي الناخب البريطاني الذي يتجاوز عمره 16 عاماً بصوته لشخص واحد فقط، بينما في اسكتلندا يمكن لمن هم فوق الـ14 المشاركة في الاقتراع لاختيار مرشح دوائرهم ليكون صوتهم في مجلس العموم البريطاني.

وبعد فرز الأصوات، يطلب الملك تشارلز الثالث من زعيم الحزب الذي حصد أغلبية الأصوات في النواب لتشكيل الحكومة.

وإن لم تكن هناك أغلبية، فيصبح البرلمان معلقاً، ويعتمد على حكومة ائتلافية أو أخرى أقلية تعتمد على أصوات الآخرين لتمرير قوانينها.

وبعد نهاية السبعينات، شهدت بريطانيا تعليق عمل عدد من البرلمانات، على غرار ما حدث عام 2010 عندما شكّل حزب المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون حكومة ائتلافية مع الأحرار الديمقراطيين بعد فشله بالحصول على الأغلبية، كما عاد الحزب المحافظ مرة أخرى عام 2017 للدخول في اتفاقية ثقة مع الحزب الوحدوي الديمقراطي لضمان الأغلبية المحدودة.

تصنيفات

قصص قد تهمك