أثارت التقارير عن رفع عَلَم أميركي مقلوب وآخر مرتبط بمثيري الشغب في أحداث السادس من يناير 2021، أمام منازل قاضي المحكمة العليا في الولايات المتحدة صامويل أليتو عاصفة سياسية في واشنطن، وأعادت التركيز على الممارسات الأخلاقية في المحكمة.
ويدفع الديمقراطيون بتشريع يُلزم المحكمة العليا بتبني مدونة سلوك، فضلاً عن مطالبتهم القاضي بالتنحي عن نظر القضايا المتعلقة بالرئيس السابق دونالد ترمب وهجوم الكابيتول في 6 يناير 2021.
وطلب اثنان من كبار الديمقراطيين في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، هما رئيس اللجنة ديك ديربين، والعضو شيلدون وايتهاوس، عقد اجتماع مع رئيس المحكمة العليا جون روبرتس "في أقرب وقت ممكن" بعد التقارير الواردة بشأن العلمين، حسبما أفادت مجلة "بوليتيكو" الأميركية.
وكتب ديربين ووايتهاوس في رسالة، الجمعة، إلى روبرتس: "نحضكم على اتخاذ الخطوات المناسبة على الفور لضمان تنحي القاضي أليتو عن نظر أي قضية تتعلق بالانتخابات الرئاسية لعام 2020 وهجوم السادس من يناير على مبنى الكابيتول".
وتعهد ديربين ووايتهاوس بمواصلة السعي لإقرار التشريع الذي يسن مدونة سلوك قابلة للتنفيذ للمحكمة "ما لم تتخذ الأخيرة إجراءات ذات مغزى لمعالجة هذه الأزمة الأخلاقية المستمرة". ولكن ديربين يقاوم الجهود الرامية إلى استدعاء أليتو وروبرتس لعقد جلسة استماع رسمية أمام لجنته.
أعلام مقلوبة ومرتبطة بهجوم الكابيتول
وجاءت الانتقادات الموجهة لأليتو، في أعقاب تقريرين نشرتهما صحيفة "نيويورك تايمز" كشفا عن وضع عَلَم أميركي مقلوب خارج منزل أليتو في فيرجينيا في منتصف يناير 2021، فيما تم وضع عَلَم "نداء إلى السماء" خارج منزل آخر يملكه في نيو جيرسي في يوليو وسبتمبر 2023، وهي الأعلام التي كان يحملها مثيرو الشغب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير 2021، مما دفع الديمقراطيين إلى إدانة وجودهما خارج منازل القاضي.
وقال أليتو لـ "نيويورك تايمز" إنه لم يكن له أي دور على الإطلاق في رفع العَلَم خارج منزله في فيرجينيا، مشيراً إلى أن زوجته مارثا آن أليتو، هي مَن وضعته على عمود خارج المنزل بعد خلاف مع أحد الجيران؛ بسبب وضعه لافتة على حديقته تنتقد الرئيس الجمهوري آنذاك، ولكن المحكمة العليا لم ترد على طلب الحصول على تعليق بشأن العَلَم الآخر.
ولطالما اُستخدام العلم الأميركي المقلوب للإشارة إلى الاستغاثة، ووفقاً لقانون الولايات المتحدة فإنه لا ينبغي أبداً وضعه بهذا الشكل "إلا كإشارة إلى حالات الاستغاثة في حالات الخطر الشديد على الحياة أو الممتلكات"، فيما يعود تاريخ عَلَم "نداء إلى السماء"، والذي يُطلق عليه أيضاً عَلَم شجرة الصنوبر، إلى الثورة الأميركية ويرمز إلى مقاومة الاستعمار البريطاني، وقد أصبح في السنوات الأخيرة مرتبطاً بالقومية المسيحية، بحسب شبكة "CBS" الأميركية.
مطالب بالتنحي عن قضايا ترمب
وانتقد السيناتور ديك ديربين القاضي أليتو ودعاه إلى التنحي عن نظر القضايا المعروضة على المحكمة العليا والمرتبطة بترمب وأحداث 6 يناير، قائلاً إنه يأمل أن يتبنى مجلس الشيوخ التشريع الذي تقدمت به اللجنة القضائية العام الماضي، والذي يطلب من المحكمة العليا اعتماد مدونة سلوك مُلزِمة وتبني بعض الإجراءات للتعامل مع ادعاءات سوء السلوك القضائي، مضيفاً: "حان الوقت لكي تتخلى المحكمة العليا في البلاد عن هذا المستوى الأخلاقي المتدني".
وكانت المحكمة العليا قد أصدرت مدونة سلوك، وقَع عليها جميع القضاة التسعة، في نوفمبر الماضي، لكنها لا تتضمن آلية للتنفيذ.
كما دعا خمسة وأربعون عضواً ديمقراطياً في مجلس النواب الأميركي أليتو إلى التنحي عن القضايا المتعلقة بهجوم 6 يناير أو انتخابات 2020، وأرسلوا له رسالة، الثلاثاء، قائلين إنه حتى لو لم يكن له أي دور في وضع العَلَم بهذا الشكل، فإن "حقيقة إظهار مثل هذا الرأي السياسي في منزله يكشف، على الأقل، عن شكل من أشكال التحيز غير اللائق".
وبينما دافع الجمهوريون إلى حد كبير عن أليتو، فقد تساءل آخرون عن سبب سماحه برفع العَلَم الأميركي المقلوب، وقال السيناتور ليندسي جراهام، وهو أكبر جمهوري في اللجنة القضائية، في وقت سابق من هذا الأسبوع: "ليس من الحكمة القيام بذلك، وصحيح أنه يقول إن الأمر كان نتيجة لتعرض زوجته للإهانة وشعورها بالغضب، لكنه يظل قاضياً في المحكمة العليا".
وقال السناتور الجمهوري توم تيليس إنه "ربما يكون من غير الحكمة أن يتم وضع عَلَم ذو مغزى سياسي، ولكن هناك أعضاء آخرين في المحكمة العليا اتخذوا مواقف لا أتفق معها أيضاً"، وأضاف: "إذا أردنا أن نكون صادقين فكرياً بشأن هذا الأمر، فعلينا أن نلقي نظرة على كل الحالات التي يوجد فيها هذا النوع من الدوافع السياسية أو الأيديولوجية".
"المحكمة تتعرض للهجوم"
لكن زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل اعتبر أن "المحكمة العليا تتعرض لهجمات متواصلة"، مضيفاً: "نحن بحاجة إلى ترك المحكمة وشأنها، وحماية القضاة من الأشخاص الذين دخلوا الأحياء التي يسكنون بها، وحاولوا إلحاق الأذى بهم".
وقالت "CBS" إن تقارير العَلَم المقلوب هذه تأتي مع دخول المحكمة العليا الأسابيع الأخيرة من الفصل القضائي الحالي، فضلاً عن استعداد القضاة لإصدار قرارات بشأن عدد كبير من القضايا المشحونة سياسياً، بما في ذلك الإجهاض والأسلحة، وقد يكون لأحكامهم في قضيتين أخريين أيضاً تداعيات كبيرة على ترمب.
ورأت الشبكة الأميركية أنه من غير المرجح أن يتنحى أليتو عن القضايا المتعلقة بترمب أو أحداث 6 يناير، ولكن إذا فعل ذلك، وتم البت فيهما بنتيجة 5 مقابل 4 بمشاركته، فإن المحكمة ستصل إلى طريق مسدود، وفي تلك الحالات، تظل أحكام المحاكم الأدنى قائمة، وفي قضية أحداث 6 يناير، فإن ذلك يعني صدور حُكم لصالح وزارة العدل من محكمة الاستئناف الأميركية.
وفي حال رفض أليتو الدعوات المطالبة بتنحيه عن القضايا، فإنه سيكون بإمكانه اختيار تفسير السبب، كما فعل في سبتمبر الماضي عندما رفض مطالب الديمقراطيين بالتنحي عن قضية تتعلق بالضرائب تمت مناقشتها في ديسمبر الماضي، وكتب أليتو في بيان من أربع صفحات في ذلك الوقت: "لا يوجد سبب وجيه، لأن أتنحى من هذه القضية".