"دراما المحاكمات".. هكذا تؤثر على بايدن وترمب في سباق الرئاسة الأميركية

أميركيان أحدهما يرتدي قناعاً يحمل صورة الرئيس السابق دونالد ترمب بينما يحمل آخر صورة جو بايدن أمام محكمة ألتو لي آدامز الأب بولاية فلوريدا الأميركية. 12 فبراير 2024 - AFP
أميركيان أحدهما يرتدي قناعاً يحمل صورة الرئيس السابق دونالد ترمب بينما يحمل آخر صورة جو بايدن أمام محكمة ألتو لي آدامز الأب بولاية فلوريدا الأميركية. 12 فبراير 2024 - AFP
واشنطن -رشا جدة

تشهد الساحة السياسية الأميركية تطورات قانونية مُثيرة تطال سمعة المرشحين للرئاسة، في توقيت حرج، إذ أدت الأخبار التي تلاحق محاكمات الرئيس السابق دونالد ترمب ونجل الرئيس الحالي جو بايدن، هانتر، إلى طرح تساؤلات بشأن كيفية ومدى تأثير تلك المحاكمات على فرص المرشحين في انتخابات 2024.

وأدانت هيئة محلفين في محكمة اتحادية بولاية ديلاوير الأميركية، الثلاثاء، هانتر، بالكذب بشأن تعاطيه المخدرات وشراء سلاح بشكل غير قانوني، وهو حكم ربما يستغله الديمقراطيون للرد على اتهامات ترمب بـ"تحويل النظام القضائي إلى سلاح سياسي" ضده.

بينما أدين ترمب في نيويورك، بكل التهم الـ34 الموجهة إليه في قضية دفع أموال خلافاً للقانون لـ"شراء صمت" ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز، ليصبح أول رئيس أميركي سابق، يُدان بارتكاب جرائم، وأول مرشح للحزب الجمهوري يخوض السباق الرئاسي، وهو مدان. 

واعتبر خبراء وسياسيون تحدثوا إلى "الشرق"، أن "دراما المحاكمات" الحالية قد تؤثر على نتائج الانتخابات، خاصة في سباق رئاسي متقارب، لكنها بالتأكيد وجهت ضربة كبيرة للمحكمة العليا والنظام القضائي فيما يتعلق بالأخلاق والسمعة.

الاختلاف بين ترمب وهانتر بايدن

تختلف القضايا المرفوعة ضد ترمب وهانتر بشكل ملحوظ، ويختلف تأثيرها على اعتبار أن أحد المتهمين رئيس سابق يسعى للرئاسة مرة أخرى والآخر ليس له علاقة بالسياسة.

وفي حين أن ترمب مدان بتزوير سجلات، لإخفاء مخطط غير قانوني للتأثير على انتخابات عام 2016، فإن هانتر بايدن، يواجه اتهامات بالكذب في استمارة فيدرالية لشراء أسلحة، مدعياً أنه لا يتعاطى المخدرات، ومع ذلك فهو نجل رئيس طامح لولاية ثانية في البيت الأبيض.

واعتبر أستاذ القانون والسياسة العامة ومدير استطلاع كلية الحقوق في جامعة ماركيت، تشارلز فرانكلين، في حديثه لـ"الشرق"، أن المحاكمات الحالية تؤثر على الصورة المرسومة للمرشح.

وأضاف فرانكلين، أن هناك عاملاً مؤثراً إلى جانب "التأثير السلبي على صورة المرشح"، وهي القضايا والانتماءات الحزبية، إذ تؤثر معاً على "تصويت واختيارات الناخبين، لذلك تعتبر المحاكمات جزءاً من عملية اتخاذ القرار لدى الناخبين".

واتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية كاليفورنيا، ريتشارد جروبر، مع فرانكلين، قائلاً في حديثه لـ"الشرق"، إن هذه المحاكمات "يمكن أن تحدث فارقاً أو تأثيراً هامشياً للغاية، وفي انتخابات متقاربة للغاية يمكن أن يُحدث التأثير الهامشي، فارقاً".

من جانبه، ذكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة ويبستر، وليام هال، أنه "في الماضي كانت القضايا القانونية غير المحسومة والمحاكمات التي تتعلق بالمرشحين للمناصب السياسية، وخاصة تلك التي تتضمن اتهامات جنائية، لها تأثير كبير جداً على وضع المرشحين، وكذلك القدرة المحتملة على التأثير بشكل كبير على نتائج الانتخابات".

لكن هال قال في تصريحات لـ"الشرق"، إن "الوضع قد تغير في البيئة السياسية الحالية، إلى جانب التغطية الإعلامية الواسعة التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي وقدرة الخبراء الإعلاميين والمستشارين المهرة على توجيه وإعادة تفسير الأخبار لصالحهم، قد لا يكون هذا هو الحال بعد الآن".

تخمين دون سوابق تاريخية

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ستيفين كريج، فوصف ما يحدث بأنه "غير مسبوق"، معتبراً أن كل محاولات التنبؤ بالنتيجة هي "مجرد تخمين، دون أي سوابق تاريخية حقيقية".

وقال كريج لـ"الشرق"، إن "مستوى الاستقطاب الحزبي في السياسة الأميركية اليوم مرتفع إلى حد خطير، ما يفسر عدم تأثر العديد من الجمهوريين بإدانة ترمب".

ورأى المتخصص في  الحملات الانتخابية ودارسة الرأي العام والسلوك السياسي، أن الاستقطاب يجعل تأثير المحاكمات على المستقلين وغيرهم من الناخبين المتأرجحين المحتملين "غير مؤكد"، وكذلك تأثير تقدم بايدن في العمر، وعوامل أخرى على الديمقراطيين، "ببساطة، نحن في منطقة مجهولة". 

بدوره، اعتبر الباحث السياسي في مركز الدراسات السياسية التابع لجامعة فيرجينيا، جي مايلز كولمان، أن "التعاقب السريع للمحاكمتين، قبل 5 أشهر من الانتخابات الرئاسية، من شأنه إعادة تشكيل ملامح السباق الرئاسي بطرق غير متوقعة".

وقال كولمان، في حديثه لـ"الشرق"، إن "السباق الرئاسي المتقارب يشهد كل الأشياء غير المنطقية، مرشحين لا يريدهم الأميركيين، أحدهما مدان والآخر على رأس ائتلاف منقسم". 

وقد يواجه نجل بايدن، الذي أدين، في وقت سابق، الأربعاء، عقوبة تصل إلى السجن 25 عاماً، وغرامة تصل إلى 750 ألف دولار عند إصدار الحكم، على الرغم من أنه من المحتمل أن يحصل على عقوبة أقل بكثير من الحد الأقصى، باعتبار أنه متهم بدون سوابق جنائية، بحسب شبكة CNN الأميركية.

كما يواجه هانتر، تهماً ضريبية منفصلة تتعلق بتهربه من دفع ضرائب بقيمة 1.4 مليون دولار في كاليفورنيا، من المتوقع أن تبدأ فيها محاكمته في سبتمبر المقبل.

على غرار هانتر، دفع ترمب، أيضاً، بأنه غير مذنب في التهم الـ 34 الجنائية التي أُدين بها، في قضية دفع أموال خلافاً للقانون، من أجل شراء صمت ممثلة أفلام إباحية، بالإضافة إلى تزوير سجلات تجارية لمحاولة التأثير بشكل غير قانوني على الانتخابات الرئاسية لعام 2016.

وعلى عكس التوقعات المبكرة، بأن حكم إدانة ترمب سيكون مدمراً له ويصب في مصلحة بايدن، جاءت استطلاعات الرأي بعد الحكم لتثبت خطأ التوقعات السابقة.

وفي أكتوبر الماضي، وجد استطلاع للرأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الحكم بالإدانة من شأنه أن يرجح كفة الانتخابات لصالح بايدن، وتوقع الاستطلاع هامشاً لفوز الرئيس الحالي بمقدار 10 نقاط.

لكن بعد الحكم، جاء تأثير الإدانة طفيفاً على ترمب، إذ كشف استطلاع رأي أجرته الصحيفة في 5 يونيو الجاري، صعود بايدن بنقطتين، مما جعل السباق 47% مقابل 46% لصالح ترمب، مع الأخذ في الاعتبار أن العديد من الناخبين غير الملتزمين قد يتأرجحون خلال الأشهر المقبلة.

"أهمية أكبر" لإدانة ترمب

جروبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية كاليفورنيا، ذكر أنه في حالة ترمب، لم يغير أغلب الناخبين آراؤهم، حين أجريت تلك الاستطلاعات، مضيفاً أن "هناك عدداً قليلاً من الناخبين المستقلين ذوي المعلومات المنخفضة تأثروا سلباً بإدانة ترمب وتحولوا إلى بايدن"، وتابع: "شهدنا تغيراً أقل من نقطة مئوية في متوسطات الاقتراع منذ الإدانة، وهي زيادة طفيفة لبايدن.. وفي غضون أسبوع أو أسبوعين، ينبغي أن تكون لدينا فكرة أفضل عن تأثير الإدانة".

في الوقت نفسه، يستبعد جروبر، أي تأثير لمحاكمة هانتر بايدن على حظوظ الرئيس الأميركي في الانتخابات المقبلة، إذ قال إنه "حتى لو تمت إدانة هانتر، لن يؤثر ذلك على فرص بايدن في الانتخابات، أولاً وقبل كل شيء، هانتر ليس الرئيس، بل نجله".

تشارلز فرانكلين، أستاذ القانون ومدير استطلاع كلية الحقوق في جامعة ماركيت، أشار إلى أن بايدن كان محور تحقيقات الجمهوريين في مجلس النواب بشأن تعاملات ابنه التجارية، قائلاً إن "استطلاعات الرأي أظهرت أن بعض هذه الانتقادات، وجدت صدى عند الناخبين الجمهوريين".

أما فيما يتعلق بإدانة ترمب، فاعتبر فرانكلين، أن إدانته تؤثر بشكل مباشر على الانتخابات لأنه مرشح، في حين تؤثر محاكمة هانتر بشكل غير مباشر فقط على الانتخابات من خلال أي تأثير لها على صورة جو بايدن، "لهذا السبب من المرجح أن تكون إدانة ترمب ذات أهمية أكبر، رغم أنه لا يزال يتعين معرفة مدى هذا التأثير".

من جانبه، يعتقد وليام هال، أنه رغم القضايا الجنائية الأخيرة لترمب ولوائح الاتهام والمحاكمة والإدانة، فإن "هؤلاء المؤيدين الذين دعموه سابقاً في الماضي، سيستمرون في القيام بذلك مستقبلاً"، وقال: "أنصار ترمب لديهم الدافع في المقام الأول لدعمه بناءً على دافع يشبه العبادة، مقابل أي دافع يعتمد على أي نوع من التقييم الموضوعي للقدرة على القيادة".

واتفق هال مع سابقيه في استبعاد أي تأثير لمحاكمة هانتر على فرص أبيه في شن حملة انتخابية ناجحة، قائلاً: "أعتقد أنه بالنسبة للأغلبية الساحقة من الناخبين، يبدو أنه لا توجد علاقة مهمة بين متاعب هانتر بايدن وأبيه".

لكن جي مايلز كولمان، لفت  في حديثه لـ"الشرق"، إلى أن محاكمة نجل الرئيس، "تقوض الرواية السائدة الآن بين أنصار ترمب عن وزارة العدل التي استخدمتها إدارة بايدن كسلاح لملاحقة ترمب، وقد تترك في الوقت نفسه أثراً سلبياً على الرئيس مع احتلالها عناوين الصحف الرئيسية".

"أسوأ حالات" النظام القضائي

واستغل ترمب محاكمته لتنشيط حملته الانتخابية وجمع التبرعات، مدعياً أن ما يحدث معه، جزء مما يسمى بـ"مطاردة الساحرات" من قِبل الدولة العميقة، وألقى بظلال من الشك على نظام العدالة الجنائية والقانونية. 

وفي هذا الصدد، قال ريتشارد جروبر، إن المحكمة العليا في الولايات المتحدة، تلقت ضربة كبيرة فيما يتعلق بالأخلاق والسمعة، واصفاً النظام القانوني ككل، حتى على كلا الجانبين الديمقراطي والجمهوري، "ربما يكون في أسوأ حالاته".

ومع ذلك، يرى جروبر، أن "عدم الثقة في النظام القضائي قد يكون أسوأ لدى الجمهوريين، وتحديداً أنصار ترمب، الذين لديهم انطباع سلبي عن نظامنا القانوني. يعتقدون أنهم خرجوا للقبض على رجلهم، ترمب".

وأكد جروبر، أنه حتى مع إدانة هانتر بايدن، فسيظل ترمب وأنصاره من جماعة "ماجا" يرددون ادعاءاته بأنه مستهدف سياسياً، وسيظل ترمب يتحدث عن نفسه ويتحدث عن كيفية استخدام ذلك كسلاح ضده. 

ولفت  أستاذ القانون والسياسة العامة ومدير استطلاع كلية الحقوق في جامعة ماركيت، تشارلز فرانكلين، إلى أن عدداً من المسؤولين الجمهوريين ينضمون إلى ترمب في انتقاداته الحادة للقضايا المرفوعة ضده، ومن المحتمل أن يصبح الناخبون الجمهوريون أكثر انتقاداً للمدعين العامين والمحاكم والهيئات القضائية، على حد قوله.

لكن أشار إلى أن الاستطلاعات الأولية تجد أن الأغلبية تقول إن ترمب حصل على محاكمة عادلة وكان مذنباً بالتهم الموجهة إليه، ما يجعل فرانكلين يرجح أن الأغلبية لن تصدق مزاعم ترمب، رغم أن أنصاره من المحتمل أن يفعلوا ذلك.

واعتبر فرانكلين، أن تأييد تلك الأقلية لمزاعم ترمب، "قد يثير صعوبات أمام القانون والنظام، ويزعزع الثقة في أن المجرمين المدانين هم مذنبون بالفعل".

تصنيفات

قصص قد تهمك