"لقد كانت قمة ناجحة، والآن يعترف الاتحاد الأوروبي بدور إيطاليا".. بهذه الكلمات اختتمت رئيس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قمة مجموعة السبع، السبت، التي احتضنتها بلادها، مشيدة بالدور الذي لعبته حكومتها في نجاح هذه القمة.
وقادت ميلوني اجتماعات مجموعة السبع وهي منتشية بما حققته في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، إذ تمكن حزبها "إخوة إيطاليا" (فراتيلي ديتاليا) اليميني المتطرف، من تصدر النتائج في إيطاليا، ليعزز مركزه في البرلمان الأوروبي.
ومنذ أن تولت منصبها في عام 2022، أثيرت الشكوك أوروبياً بشأن دور ميلوني، التي بدأت حياتها المهنية صحافية، خصوصاً وأن "إخوة إيطاليا" بنى حملته الانتخابية قبل وصوله إلى السلطة، على انتقاد التكتل الأوروبي ودوره السلبي في مواجهة الهجرة، الملف الذي يعتبر من أبرز التحديات في إيطاليا.
وأظهرت ميلوني أنها شريكة "جديرة بالثقة" بسبب مواقفها القريبة من الاتحاد الأوروبي، على غرار دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ومشاركتها في المبادرات الأوروبية، رغم استمرار الخلافات بشأن عدد من القضايا، على غرار مسألة الإجهاض والهجرة، وهي أفكار تتوافق مع توجه التحالف اليميني الذي تشكله.
" الاعتراف بدور إيطاليا"
قالت ميلوني خلال مؤتمر صحافي، السبت، إنه "كان شرفاً لي رئاسة هذه القمة.. كان من المهم إظهار وحدة قادة مجموعة السبع".
وأضافت ميلوني: "بشأن قمم الاتحاد الأوروبي المقبلة، فإن اهتمامي الأول هو أن يتم الاعتراف بدور إيطاليا الذي تستحقه، وأن تتفهم أوروبا الرسالة التي وصلت من (المواطنين) الأوروبيين الذين يطالبون بالبراغماتية، ونهج أقل إيديولوجية في العديد من القضايا الرئيسية"، وذلك في إشارة إلى نتائج الانتخابات الأوروبية، وفق ما أوردت صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية.
تبنت ميلوني دائماً مبدأ "إيطاليا أولاً" في الحملات الانتخابية، إلا أنها مؤيدة لأوروبا، ولكنها تتشارك مع زعيم حزب "الرابطة الإيطالية" ماتيو سالفيني (اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين) الرؤية بشأن أن يكون الاتحاد الأوروبي "أكثر انسجاماً، وأن لا يحل محل السياسات الإيطالية".
وكانت النتائج التي توصل إليها قادة مجموعة السبع واضحة وملموسة، ولعبت ميلوني في صياغتها دوراً بارزاً، ما جعلها تظهر بثقة نفس كبيرة.
وأسفر الاجتماع عن "اتفاق تاريخي" بشأن قروض جديدة لأوكرانيا بقيمة 50 مليار دولار ممولة من عائدات الأصول الروسية المجمدة، كما كانت هناك تحذيرات جديدة بشأن التهديد الاقتصادي للصين، ودعم مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف إطلاق النار في غزة، وحض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تجنب الاجتياح الواسع النطاق لمدينة رفح.
وأشادت ميلوني بالنتائج المحققة في القمة، خلال وقوفها أمام الصحافيين في المؤتمر الصحافي، وكانت تلمح في كل مرة إلى النتائج التي حققتها في الانتخابات الأوروبية.
وجعلت ميلوني انتخابات البرلمان الأوروبي استفتاً على شخصها، من خلال مطالبة الناخبين بأن يكتبوا اسم "جورجيا" على بطاقات اقتراعهم.
خلافات ميلوني مع ماكرون وشولتز
قمة مجموعة السبع التي انعقدت بين 13 و15 يونيو الجاري، شهدت بروز خلاف بين ميلوني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بسبب عدم الإشارة إلى موضوع "الحق في الإجهاض" بالبيان الختامي للقمة، بالإضافة إلى انتقادات المستشار الألماني أولاف شولتز.
وشهدت الأشهر الأخيرة خلافات بين روما وباريس وبرلين بشأن الحرب الأوكرانية وطريقة إدارتها، ما دفع وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، للتصريح بداية يونيو الجاري، أن إيطاليا "ليست خاضعة لفرنسا أو إيطاليا بشأن الحرب في أوكرانيا"، وأضاف أن هناك "ضرورة عدم الانحياز إلى جانب أية جهة.. على غرار ما نفعل مع الولايات المتحدة.
وخلال قمة مجموعة السبع، أثار ماكرون الجدل بعدما قال إن البرلمان الفرنسي صوّت في وقت سابق من هذا العام على "تكريس حق الإجهاض في الدستور الفرنسي"، مضيفاً: "هذا لا يمثل حساسية في بلدنا، على عكس بلدكم اليوم.. يؤسفني ذلك ولكنني أحترمه، لأنه قرار سيادي لشعبكم".
وأثارت هذه التصريحات غضب ميلوني، التي اتهمت ماكرون بأنه يدير"حملة انتخابية" خلال قمة مجموعة السبع، كما خصصت له استقبالاً "بارداً" خلال عشاء أقيم على شرف قادة مجموعة السبع، ليل الخميس إلى الجمعة.
ولم يخف المستشار الألماني أولاف شوتلز، الذي تلقى تحالفه ضربة قوية من اليمين المتطرف، عن وجود خالافات مع رئيسة وزراء إيطاليا، وقال في تصريحات أوردتها صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، إنه "ليس سراً أن ميلوني تنتمي إلى طيف سياسي من أقصى اليمين، وهناك اختلافات سياسية واضحة تماماً، ونحن نعمل داخل مجموعات حزبية مختلفة تماماً في أوروبا".
وباعتبارها الزعيمة الوحيدة بين الحاضرين التي كانت تحظى بالثقة بفضل الانتخابات الأوروبية، فإن ميلوني لم تكترث كثيراً لتصريحات شولتز، إذ اكتسبت قدراً أكبر من النفوذ السياسي، وربما تسعى الآن للتمتع بدور أكبر في تحديد مقاعد المفوضية الأوروبية، واتجاه الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ألمحت إليه في مؤتمرها الصحافي، السبت.
ميلوني والاهتمام بالجنوب العالمي
وأظهرت رئيسة الوزراء الإيطالية اهتماماً أكبر خلال قمة مجموعة السبع، بقادة الجنوب العالمي، إذ ظهرت متحمسة للغاية أثناء لقاءها بالرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي، إذ تبادل الاثنان النكات والضحك، إلا أن ذلك لم يكن مفاجئاً، نظراً لمدى توافقهما في بعض القضايا الاستقطابية، مثل الإجهاض.
وظهرت أيضاً وهي تتبادل الحديث والنكات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إذ أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشهد تطوراً كبيراً، إذ أصبحت إيطاليا أكبر شريك تجاري للجزائر العام الماضي، بحجم تجارة تجاوز 20 مليار دولار.
كما جعلت ميلوني رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتوسط الصورة الجماعية للقمة التي شاركت فيها دول من خارج مجموعة السبع، ونشرت لاحقاً مقطعاً مصوراً لهما وهما يضحكان وكتبت عليه: "مرحباً من فريق ميلودي" (قامت بدمج لقبيهما).
وسعت ميلوني أيضاً إلى تعميق علاقتها مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي تربطها به علاقة شخصية، وهو ما يرجع جزئياً إلى كونهما كاثوليكيين، كما أنها فاجأت الولايات المتحدة بكونها شريكاً قوياً ضد الصين وروسيا، وفق "بلومبرغ".
ومنذ وصولها إلى رئاسة الوزراء في أكتوبر 2022، تمكنت ميلوني من الحفاظ على إجماع بشأن شخصها، خصوصاً بفضل الانقسامات بين معارضيها.