أصبحت الأجندة المحلية الواسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في خطر، وذلك بعد أن فشل حزبه في الفوز بأغلبية مطلقة في البرلمان لأول مرة منذ عقد من الزمان، مما أجبره على العمل مع ائتلاف من الأحزاب، حسبما أوردت "بلومبرغ".
وعلى مدى العقد الماضي الذي حكم فيه حزب "بهاراتيا جاناتا" بزعامة مودي بأغلبية مطلقة، دافع عن القوانين التي يقول النقاد إنها عززت "أهدافه الهندوسية" المثيرة للانقسام.
وفي عام 2019، ألغت الحكومة وضع الحكم شبه المستقل لولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة، وأقرت تعديلاً لقانون الجنسية يميز ضد المسلمين.
وفي يناير، افتتح مودي معبداً بني على أنقاض مسجد هدم في أيوديا. وأدى تدمير المسجد إلى أعمال شغب في جميع أنحاء الهند قبل ثلاثة عقود وساعد في دفع حزب "بهاراتيا جاناتا" إلى المسرح الوطني.
وبينما يتوقع المحللون والاقتصاديون، وفق "بلومبرغ"، أن يواصل مودي تنفيذ الأهداف الاقتصادية التي شكلت عقده الأول في السلطة، فإنهم يقولون إنه قد يُجبر على التخلي عن العديد من السياسات الاجتماعية الأكثر إثارة للجدل التي كان حزبه يدعو إليها قبل نكساته الانتخابية.
و قد يعطي البرلمان الجديد، الذي بدأ عمله، الاثنين الماضي، بعض التلميحات بشأن ما إذا كانت هذه السياسات الداخلية الآن محل شك، أو بحاجة إلى إعادة صياغة تحت حكومة ائتلافية.
القانون المدني الموحد
وعلى مدار سنوات، دعا حزب "بهاراتيا جاناتا" إلى استبدال القوانين القائمة على الدين في الهند، بقانون مدني موحد.
وهذا يعني مجموعة من القواعد غير الدينية التي تحكم قضايا مثل الزواج والميراث والطلاق. ودافع مودي وحزبه منذ فترة طويلة عن قانون موحد، حيث يعتبران أن النظام الحالي يسمح للطوائف غير الهندوسية، وخاصة المسلمين، بالعمل وفقاً لشروطهم الخاصة، ومن المحتمل أن يحظر القانون الجديد العديد من الممارسات الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق.
وفي مثال على ذلك، أقرت ولاية أوتارانتشال في شمال الهند التي يديرها حزب "بهاراتيا جاناتا" القانون في مجلس الولاية في وقت سابق من هذا العام. وقد امتنعت الحكومات المتعاقبة عن تعديل هذه القوانين خوفاً من إغضاب الناخبين من جميع الأديان. ومن المرجح أن يحجم حلفاء مودي الإقليميون الرئيسيون، وجميعهم لديهم عدد كبير من السكان المسلمين في ولاياتهم، عن الوقوف إلى جانب حزب "بهاراتيا جاناتا" إذا حاولوا تقديم الإجراء في البرلمان الحالي.
السجل الوطني للمواطنين
وقبل شهر من انطلاق الانتخابات في الهند في أبريل الماضي، نفذت الحكومة قانوناً قائماً على الدين، وهو قانون تعديل المواطنة، الذي يسرع حقوق المواطنة للمهاجرين من الدول المجاورة، باستثناء أولئك الذين يعرّفون أنفسهم كمسلمين. وقد اعتُبر القانون بمثابة مقدمة لسجل وطني مقترح للمواطنين، والذي سيتطلب من الهنود، إثبات مواطنتهم.
ووعد أميت شاه، الذي احتفظ بمنصب وزير الداخلية في حكومة مودي الجديدة، في وقت سابق بإجراء عملية على مستوى البلاد لاستئصال المهاجرين غير الشرعيين من دول مجاورة مثل بنجلاديش، والعديد منهم مسلمون.
وفي بلد يعاني من ضعف في معدلات التعليم وارتفاع في معدلات الفقر، يصعب على العديد من الهنود الحصول على الوثائق وبالتالي يصعب إثبات المواطنة.
وقد خشي النقاد، أنه إذا فاز حزب "بهاراتيا جاناتا" بأغلبية كبيرة، كما توقع الكثيرون قبل الانتخابات، فمن المرجح أن تسعى الحكومة إلى تنفيذ سجل السكان الوطني. ومع ذلك، من المرجح أن تجبر حكومة ائتلافية، بالشراكة مع قادة الولايات الآخرين، مودي إلى التفاوض مع شركائه بشأن أي اتفاق.
مخطط الالتحاق بالجيش
في عام 2022، حولت حكومة مودي سياسة التجنيد في الجيش الهندي، إلى مهام التحاق قصيرة الأجل بدون مزايا معاشات تقاعدية.
وأدى الإعلان عن الخطة إلى احتجاجات في جميع أنحاء البلاد، إذ أنها "حدت من خيارات التوظيف في بلد يعاني بالفعل من أزمة وظائف حادة".
وبموجب الخطة، سيتدرب المجندون لمدة ستة أشهر، ويخدمون في الجيش لمدة ثلاث سنوات ونصف، لكنهم لن يحق لهم الحصول على معاشات تقاعدية أو مزايا أخرى عند مغادرتهم.
وطالب قادة اثنين من شركاء حزب "بهاراتيا جاناتا" في ولاية بيهار شرقي البلاد، التي تعد أيضاً واحدة من أفقر الولايات في الهند، علناً بمراجعة السياسة. وخلال الحملة الانتخابية، كان إلغاء المخطط أحد الوعود الرئيسية للمعارضة.
أمة واحدة انتخابات واحدة
وتحرص حكومة مودي على تجديد النظام الانتخابي في البلاد، فهي تريد إجراء انتخابات وطنية وانتخابات ولايات متزامنة. وموقف الحكومة هو أن الانتخابات المتزامنة من شأنها خفض التكاليف وتحسين الكفاءة. وفي مارس، قدمت لجنة شكلتها الحكومة معنية بهذا الموضوع تقريرها وأوصت بأن تتحرك الحكومة لوضع استراتيجية "أمة واحدة وانتخابات واحدة".
وحاليا، تُجرى انتخابات الولايات في الدورة الانتخابية التي تمتد على مدار خمس سنوات في الهند. وعلى سبيل المثال، ستُجرى الانتخابات في الولايات الرئيسية مثل ماهاراشترا وهاريانا في وقت لاحق من هذا العام، بعد أشهر فقط من إجراء الانتخابات الوطنية.
ولتنفيذ الخطة، ستحتاج الحكومة إلى تعديل الدستور، وهي مهمة أصبحت أكثر صعوبة أثناء الحكم بائتلاف وضد معارضة ترفض بشدة الاقتراح. ويخشى معارضو مودي منذ فترة طويلة أن يستخدم حزب "بهاراتيا جاناتا" شعبيته الوطنية لاكتساح انتخابات الولاية التي تجرى في وقت واحد. وحالياً، تعني الانتخابات التي تُجرى خارج دورة الانتخابات الوطنية التي تمتد على خمس سنوات أن القضايا المحلية والأحزاب المحلية غالباً ما تسيطر على تفضيلات الناخبين.
التعداد السكاني وتحديد الحدود الانتخابية
أُجري آخر تعداد سكان في الهند عام 2011. وتم تأجيل التعداد التالي المقرر في عام 2021 بسبب جائحة كوفيد-19. وفي العام الماضي، أقر البرلمان قانوناً يتطلب إجراء تعداد سكان تليه ممارسة لتحديد الحدود الانتخابية بعد عام 2026.
وتم إجراء آخر ممارسة لتحديد الحدود الانتخابية، أو إعادة تقسيم الدوائر، في عام 2002، وأجلت الحكومات التالية هذه العملية لعدم إحداث توازن جديد في مقاعد البرلمان.
وتتوقع الولايات الجنوبية، التي كانت دائماً متخلفة من حيث توزيع المقاعد، نظراً لانخفاض عدد سكانها، أن يؤدي ترسيم الحدود إلى مزيد من خفض تمثيلها في مجلس النواب الهندي في البرلمان "لوك سابها". ومن شبه المؤكد أن الولايات الشمالية المكتظة بالسكان في البلاد، وكثير منها معاقل حزب "بهاراتيا جاناتا"، ستشهد زيادة في حصتها من البرلمانيين.
وسيفتح التعداد السكاني الجديد وإعادة تشكيل الدوائر السياسية الطريق أيضاً لمودي لتنفيذ مشروع قانون الحصة النسائية الذي يحجز ثلث مقاعد النواب للنساء.
العمل الإيجابي
وبموجب الدستور الهندي، فإن العمل الإيجابي مكرس للمجتمعات المتخلفة اجتماعياً واقتصادياً، بما في ذلك هنود الطبقات الدنيا. ويتم حجز حصة محددة من الوظائف الحكومية والأماكن في المؤسسات التعليمية التي تديرها الحكومة لأولئك الذين هم في أدنى درجات النظام الطبقي بموجب السياسة.
وخسر حزب "بهاراتيا جاناتا" الذي ينتمي إليه مودي الدعم بين الهندوس من الطبقات الدنيا في الانتخابات الأخيرة، إذ صوت الكثير منهم للأحزاب القائمة على الطبقات، خاصة في بعض الولايات الشمالية الرئيسية.
وفي مقابلات تلفزيونية وتجمعات انتخابية، ألقى مودي باللوم على المعارضة لاستغلالها الانقسامات حول النظام الطبقي للتأثير على الناخبين وأكد للبلاد مراراً أن حزب "بهاراتيا جاناتا" لن يلغي سياسات العمل الإيجابي. كما شدد على أن حزب "بهاراتيا جاناتا" لن يقدم أبداً عملاً إيجابياً على أساس الدين، وتحديداً للمسلمين.
ويستهدف حزب "تيلجو ديسام"، حليف مودي، بعض برامج العمل الإيجابي على أساس الدين في ولاية أندرا براديش بجنوب البلاد، التي يحكمها، مما يجعلها قضية من المرجح أن يكون فيها حزب بهاراتيا جاناتا" على خلاف مع حليف تشتد الحاجة إليه.