معركة "ويكيليكس" تضع أوزارها.. "أسانج" من المطاردة إلى الحرية

مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج ينظر من نافذة طائرة خاصة أثناء سفره من لندن إلى سايبان في جزر ماريانا الشمالية (صورة من مقطع فيديو). 25 يونيو 2024 - AFP
مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج ينظر من نافذة طائرة خاصة أثناء سفره من لندن إلى سايبان في جزر ماريانا الشمالية (صورة من مقطع فيديو). 25 يونيو 2024 - AFP
دبي -الشرق

بعدما قضى جوليان أسانج، مؤسس موقع "ويكيليكس" الذي سرّب أسراراً حكومية وعسكرية، أكثر من 10 سنوات محتجزاً أو متحصّناً داخل سفارة الإكوادور في لندن، توصل إلى عقد صفقة مع الادّعاء الأميركي يقر فيها بانتهاك قانون التجسس، في اتفاق يسمح له بالعودة إلى وطنه أستراليا مُنهياً معركة قانونية استمرت 14 عاماً.

ووفقاً لوثائق المحكمة، توصل أسانج إلى اتفاق مع وزارة العدل الأميركية، ينص على الإقرار بالذنب في تهمة واحدة، وهي التآمر للحصول على ونشر معلومات سرية مرتبطة بالدفاع الوطني الأميركي، وهو ما يصفه ممثلو الادعاء بأنه أحد أكبر عمليات تسريب للوثائق السرية في تاريخ البلاد.

تأتي اتفاقية الإقرار بالذنب بعد أشهر من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه يدرس طلباً من أستراليا بوقف الجهود الأميركية لمقاضاة أسانج.

ولم يكن البيت الأبيض شريكاً في قرار إنهاء قضية أسانج، وفقاً لتصريحات مسؤول أميركي غير مخول له بالحديث علناً عن القضية، لـ"أسوشيتد برس".

وأفاد موقع "ويكيليكس" عبر منصة "إكس"، الثلاثاء إن أسانج أُطلق سراحه من بلمارش، وهو سجن شديد الحراسة في لندن، وغادر بريطانيا بالفعل بعد حصوله على الكفالة.

وأضاف أن الصفقة مع وزارة العدل "لم تنته رسمياً بعد"، ووعد بتقديم المزيد من المعلومات عندما "يعود أسانج إلى أستراليا".

وأكد الموقع أن "جوليان أسانج حر"، مشيراً إلى أنه "دفع ثمناً باهظاً" لنشره قصصاً عن "فساد الحكومة وانتهاكات حقوق الإنسان".

قنبلة "ويكيليكس"

في عام 2006، أطلق أسانج موقع "ويكيليكس" على شبكة الإنترنت عن طريقة "البريد الميت" (آلية تعتمد على تسليم واستلام دون أن يرى أحد الطرفين الآخر، وتعتمد على تكنولوجيا شديدة التأمين بالدرجة الأولى).

واكتسب الموقع شهرة كبيرة في أبريل 2010، عندما نشر مقطع فيديو سرياً يظهر هجوماً بطائرة هليكوبتر أميركية في العاصمة العراقية بغداد عام 2007 أودى بحياة 10 أشخاص، بينهم 2 من الصحافيين التابعين لوكالة "رويترز".

وخلال عام 2010، نشر الموقع أكثر من 90 ألف وثيقة عسكرية أميركية سرية عن الحرب في أفغانستان، ونحو 400 ألف ملف أميركي سري عن حرب العراق، وهي أكبر خروقات أمنية من نوعها في تاريخ الجيش الأميركي.

ونشر الموقع 250 ألف برقية دبلوماسية سرية من سفارات الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم عام 2011، ثم نشرت بعضها في صحف مثل "نيويورك تايمز" الأميركية، و"الجارديان" البريطانية.

وأثارت التسريبات غضب وإحراج المسؤولين العسكريين والسياسيين الأميركيين أيضاً، الذين قالوا إنها عرضت حياة أشخاص للخطر.

وقضت محللة الاستخبارات العسكرية السابقة، تشيلسي مانينج، 7 سنوات في سجن عسكري بتهمة تسريب نحو 750 ألف وثيقة سرية أو غير سرية، ولكن حساسة من الوثائق العسكرية والدبلوماسية إلى موقع "ويكيليكس"، قبل أن يطلق سراحها الرئيس باراك أوباما قبيل نهاية ولايته الثانية.

وعاد الموقع إلى دائرة الضوء قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 عندما نشر عشرات الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني التي تخص رئيس حملة المرشحة الرئاسية الديمقراطية في ذلك الوقت، هيلاري كلينتون.

وأفاد تقرير لمجلس الشيوخ الأميركي عام 2020، بأن روسيا استخدمت "ويكيليكس" لمساعدة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب، على الفوز في الانتخابات، لكن ترمب نفى التقرير ووصفه بأنه خدعة، كما نفت موسكو أيضاً التدخل في الانتخابات.

مكافحة إجراءات التسليم

ولفترة طويلة، اعتبر أسانج أن القضية المقامة ضده ذات دوافع سياسية، وأنه لن يواجه محاكمة عادلة، وأن تسليمه من شأنه أن ينتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

وأدان المدافعون عن حرية التعبير، محاولة التسليم، معتبرين أنها ستؤثر بشكل "مخيف" على حرية الصحافة.

وفي أغسطس 2010، اتُهم أسانج بالاعتداء الجنسي في السويد، وواجه مذكرة اعتقال دولية، لكنه نفى الاتهامات ووصفها بأنها "حملة تشهير" ورفض الذهاب إلى ستوكهولم للخضوع لاستجواب.

وسلم أسانج نفسه إلى السلطات البريطانية، ولكن أثناء إطلاق سراحه بكفالة عام 2012 خلال استئنافه إجراءات تسليمه إلى السويد، فرّ أسانج إلى السفارة الإكوادورية طالباً اللجوء السياسي.

وخلال فترة تواجده في السفارة، واصل موقع "ويكيليكس" نشر بياناته، لكن بمرور الوقت، توترت علاقته بالسفارة، وتعرضت الإكوادور حينها لضغوط من الولايات المتحدة لطرده من "ملاذه الدبلوماسي".

وفي عام 2019، تم توقيف أسانج من السفارة على يد شرطة لندن بموجب مذكرة تسليم من وزارة العدل الأميركية، وقضى السنوات الخمس التالية في زنزانة ضيقة بسجن بلمارش شديد الحراسة، والذي كان يتسع لأكثر من 900 سجين ومعروف بإيواء المشتبه بهم الإرهابيين والمجرمين الخطرين.

"ثمن باهظ"

وذكر موقع "ويكيليكس" بعد الإعلان عن إطلاق سراح أسانج، أنه "نشر قصصاً رائدة عن الفساد الحكومي وانتهاكات حقوق الإنسان"، مشيراً إلى أنه بصفته رئيس تحرير، دفع أسانج ثمناً باهظاً لهذه المبادئ، ولحق الناس في المعرفة.

وتلقى أسانج إشادة في جميع أنحاء العالم باعتباره بطلاً ألقى الضوء على الأخطاء العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان.

واتهم المدعون العامون، أسانج بإلحاق الضرر بالأمن القومي من خلال نشر وثائق أضرت بالولايات المتحدة وحلفائها وساعدت خصومها.

وقوبلت القضية بانتقادات شديدة من قبل المدافعين عن الصحافة وأنصار أسانج، فيما دافع المدعون الفيدراليون عنها باعتبارها سلوكاً يتجاوز بكثير سلوك الصحافي الذي يجمع المعلومات، ويرقى إلى محاولة طلب وسرقة ونشر وثائق حكومية سرية بشكل عشوائي، وجرى تحريك الدعوى القضائية على الرغم من أن وزارة العدل في إدارة أوباما تجاهلت محاكمته قبل سنوات.

أسانج "حُر"

استقل أسانج طائرة من مطار ستانستيد في لندن، الاثنين، بعد إطلاق سراحه بكفالة من السجن، وفقاً لبيان صادر عن موقع "ويكيليكس"، الثلاثاء.

وقال ويكيليكس: "جوليان أسانج حر. غادر سجن بلمارش شديد الحراسة صباح يوم 24 يونيو، بعد أن أمضى فيه 1901 يوماً".

ووصل أسانج إلى جزر ماريانا الشمالية التي تقع على بعد حوالي 6000 كيلومتر غرب هاواي في المحيط الهادي وهي جزر أميركية، بسبب رغبة أسانج في عدم التوجّه إلى الولايات المتحدة، وبسبب قرب الجزر من بلده أستراليا، وفق وثيقة للمحكمة.

وبموجب شروط الاتفاق، سيطالب ممثلو الادعاء في وزارة العدل الأميركية بالحكم عليه بالسجن لمدة 62 شهراً، وهو ما يعادل المدة التي قضاها في المملكة المتحدة أثناء محاولته مقاومة التسليم، وتحتسب صفقة الإقرار بالذنب المدة التي قضاها في السجن، ما يسمح له بالعودة فوراً إلى أستراليا، لكن لا يزال يتعين على القاضي الفيدرالي الموافقة على الصفقة.

المحطة الأخيرة

وصباح الأربعاء، أقرّ جوليان أسانج، بأنه مذنب في تهمة جنائية واحدة هي "نشر أسرار عسكرية أميركية"، مقدماً الإقرار بالذنب، أمام المحكمة الفيدرالية في سايبان، عاصمة جزر ماريانا الشمالية، وهي دولة تابعة للكومنولث الأميركي غرب هاواي في المحيط الهادئ.

وعلى الرغم من أن الاتفاق مع المدعين العامين بوزارة العدل الأميركية يتطلب منه الإقرار بالذنب في جريمة واحدة، إلى أنه يسمح له بالعودة إلى موطنه الأصلي أستراليا دون قضاء أي فترة عقوبة في أحد السجون الأميركية.

تصنيفات

قصص قد تهمك