"القيود الدبلوماسية" محور جديد للاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين

علم صيني معلق بين الأعلام الأميركية في الحي الصيني بمدينة نيويورك، 17 فبراير 2021 - AFP
علم صيني معلق بين الأعلام الأميركية في الحي الصيني بمدينة نيويورك، 17 فبراير 2021 - AFP
دبي -الشرق

اتهم السفير الأميركي لدى الصين، نيكولاس بيرنز، بكين بـ"تقويض النشاط الدبلوماسي الأميركي من خلال استجواب وتخويف المواطنين الذين يشاركون في فعاليات السفارة، وتشديد القيود على منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتأجيج المشاعر المعادية لأميركا"، بينما اشتكت الصين في السنوات الأخيرة من أن واشنطن "قيدت تحركات دبلوماسييها"، إذ طلبت منهم على سبيل المثال "الحصول على موافقة مسبقة للقيام ببعض الأسفار".  

وأضاف بيرنز في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال": "إنهم يقولون (الصينيين) بأنهم يعملون من أجل إعادة التواصل بين شعبينا، ولكنهم يتخذون خطوات جادة لجعل ذلك ضرباً من المستحيل". 

وفي نوفمبر من العام الماضي، اتفق الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينج على تعزيز التواصل بين المواطنين الصينيين والأميركيين، كجزء من جهود إصلاح العلاقات المتوترة قبل عام انتخابي ساخن في الولايات المتحدة.  

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن بيرنز، البالغ من العمر 68 عاماً، وهو دبلوماسي مخضرم شغل منصبه كسفير للولايات المتحدة لدى بكين في أبريل 2022، استخدم "لغة قوية على نحو غير عادي" لانتقاد ما وصفه بـ "جهود بكين لإضعاف موقف أميركا وعرقلة أنشطتها الدبلوماسية في الصين".  

وأضافت الصحيفة، أن تصريحات بيرنز تُظهر بجلاء أنه خلف "الانفراج الهش" الذي حققته قمة نوفمبر من العام الماضي في سان فرانسيسكو بين الرئيسين الأميركي والصيني، يكمن "قلق متزايد" لدى المسؤولين الأميركيين بشأن مصداقية بكين في تحسين العلاقات.

"إثارة المشاعر المعادية" 

وانتقد بيرنز، الذي تحدث إلى "وول ستريت جورنال" من مكتبه بالسفارة الأميركية في العاصمة الصينية بكين، بقوة ما وصفه بـ"جهود إثارة المشاعر المعادية للولايات المتحدة في الداخل"، مشيراً إلى أنه يشعر بالقلق بشكل خاص إزاء حادثة الطعن التي تعرض لها مؤخراً 4 مدرسين في كلية أيوا في شمال شرق الصين. 

وخلال المقابلة، قال بيرنز، إن بكين كثفت "عمليات القمع" ضد الأنشطة الدبلوماسية الأميركية في الصين. وأحصى السفير الأميركي "61 فعالية شعبية" منذ نوفمبر قامت خلالها وزارة أمن الدولة الصينية، أو جهات حكومية أخرى، بـ"الضغط على المواطنين الصينيين لعدم الحضور"، أو "محاولة تخويف مَن حضروا".   

كما خضع بعض الحضور في الفعاليات التي نظمتها السفارة الأميركية، والتي شملت محادثات أجراها متخصصون في الصحة العقلية وحلقات نقاش بشأن ريادة المرأة وعروض وثائقية وثقافية، للاستجواب من قبل مسؤولين "أحياناً في منازلهم في وقت متأخر من الليل".

وأشار بيرنز إلى أن بكين "صعبت أيضاً على الطلاب الصينيين الالتحاق بالجامعات الأميركية"، مشيراً إلى أن المعارض الجامعية في جميع أنحاء الصين ألغت الدعوات الموجهة إلى الموظفين الدبلوماسيين الأميركيين للترويج للكليات الأميركية في أوساط طلاب المدارس الثانوية وأولياء أمورهم، على خلفية "مخاوف أيديولوجية أو هواجس متعلقة بالأمن القومي".  

ولفت الدبلوماسي الأميركي، إلى أن ما يقرب من نصف الطلاب الذين تم اختيارهم لحضور برامج التبادل الممولة من قبل الولايات المتحدة "انسحبوا" خلال العامين الماضيين، عى خلفية "ضغوط من قبل السلطات والمدارس وأصحاب العمل".  

وتابع: "ما أخبرونا وأخبروا العالم به هو أنهم يريدون التواصل بين الشعوب، رغم ذلك فإن ما يقومون به ليس حدثاً عرضياً، وإنما روتين يحدث مع كل فعالية شعبية تقريباً".

ووصف بيرنز ما تقوم به السلطات الصينية، بأنه "انتهاك خطير"، معرباً عن أمله في أن "تعيد جمهورية الصين الشعبية النظر في الأمر".

وقال إنه في إحدى الحالات، قام المسؤولون في إحدى القاعات بمنع حفل تنظمه السفارة الأميركية "دون تفسير"، متذرعين بأنه "لن يكون هناك كهرباء في يوم الفعالية"، ما أدى إلى إلغائها فعلياً.  

وأوضح موظفو السفارة لـ "وول ستريت جورنال"، أن القاعة كانت قد استضافت بالفعل فعالية أخرى في الليلة السابقة وغيرها في الليلة التالية على الفعالية الأميركية "دون أي مشكلة واضحة".  

ووصف بيرنز ما يحدث بأنه "لا يدل على وجود حكومة واثقة".  

تقييد تحركات الدبلوماسيين

من جانبها، اشتكت الصين في السنوات الأخيرة من أن واشنطن "قيدت تحركات دبلوماسييها في الولايات المتحدة"، إذ طلبت منهم على سبيل المثال "الحصول على موافقة مسبقة للقيام ببعض الأسفار".  

وأضافت بكين أن مواطنيها يتعرضون لـ"العنصرية والتمييز على نحو منتظم" في الولايات المتحدة، فيما يخضع الطلاب الصينيون الذين يحملون تأشيرات أميركية "لعمليات استجواب قاسية" لدى وصولهم، ويتم رفض دخولهم في بعض الحالات، وفقاً لما أوردته "وول ستريت جورنال".   

ورفض بيرنز الشكاوى الصينية، مشيراً إلى أن "أكثر من 99% من حاملي تأشيرات الطلاب يجتازون إجراءات الهجرة دون مشكلات"، مؤكداً أن "كل ما عليك فعله هو أن تقول الحقيقة في طلب التأشيرة، وإذا لم تفعل فسيتم القبض عليك، مع احتمالية وقوع بعض الأخطاء العرضية من قبل المسؤولين الأميركيين".  

 وأصدرت الولايات المتحدة نحو 105 آلاف تأشيرة طلابية جديدة للمواطنين الصينيين في عام 2023، وهو أكبر عدد منذ تفشي وباء فيروس كورونا، وتم المصادقة على هذه التأشيرات بوتيرة أسرع في العام الجاري.

وقال بيرنز لـ "وول ستريت جورنال"، إن السفارة الأميركية في بكين، يمكن أن تصدر "عدداً أكبر من التأشيرات" إذا سُمح لها بتعيين موظفين صينيين للمساعدة في التعامل مع مئات الآلاف من طلبات التأشيرات التي يتم تقديمها كل عام.

وأضاف بيرنز أن الصين لم تمنح الإذن للسفارة الأميركية بتعيين أي موظف صيني منذ 3 سنوات، حتى بعد قمة سان فرانسيسكو، ما يعني توافر عدد أقل من العاملين المحليين للتعامل مع الكم المتزايد من طلبات التأشيرات، ما اعتبره بيرنز "دليلاً دامغاً على ما تتمتع به الولايات المتحدة من جاذبية قوية لدى المواطنين الصينيين".  

ورغم طلب المواطنين الصينيين المتزايد على التأشيرات الأميركية، قال بيرنز إنه يواجه تفاقماً في مشاعر "مناهضة أميركا"، التي أشار إلى أنها يتم تأجيجها جزئياً من قبل المسؤولين في بكين.

حادث طعن

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، طعن رجل صيني 4 مدرسين في جامعة أيوا في حديقة في إحدى المدن في شمال شرق الصين.  

وقالت الشرطة الصينية، إن المعتدي المشتبه به، وهو رجل صيني يبلغ من العمر 55 عاماً، اصطدم بواحد من الأجانب الأربعة، وكان ثلاثة منهم مواطنين أميركيين. وقالت السلطات الصينية إنها ألقت القبض على المشتبه به، ولكنها لم تكشف عن أي معلومات أخرى بشأن الحادث.  

وقال بيرنز: "لست مقتنعا بأننا حصلنا على معلومات كافية بشأن دوافع المعتدي".   

وأضاف أنه "على نطاق أوسع، كنت أشعر بقلق بالغ خلال ما يزيد عن عامين قضيتهما هنا حيال عدوانية الحكومة الصينية المتأججة (...) والجهود التي تبذلها لتشويه سمعة أميركا ونشر قصص مشوهة عن المجتمع الأميركي والتاريخ الأميركي والسياسة الأميركية"، مشيراً إلى أنه "يحدث ذلك كل يوم عبر جميع الشبكات المتاحة للحكومة هنا، كما تعج الإنترنت بمعاداة أميركا بدرجة عالية".

ولفت السفير الأميركي لدى بكين، إلى أنه "من الصعب مواجهة هذه الرسالة"، خاصة أن محاولات السفارة الأميركية للوصول إلى المواطنين الصينيين العاديين عبر حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي الصينية، تواجه عراقيل كثيرة من قبل الرقابة، حيث "يتم حظر الروابط والتعليقات، حتى على المنشورات العادية"، مثل أخبار الاجتماعات الثنائية مع النظراء الصينيين والنقاشات حول المحافظة على الحياة البرية.        

وقال بيرنز، إنه تحدى نظرائه الصينيين في اجتماعات الغرف المغلقة بشأن ما يراه "الفجوة الآخذة في الاتساع" بين التزامات بكين العامة وتصرفاتها. 

وأضاف: "أجرينا محادثات لا حصر لها مع حكومة الصين بهذا الشأن، ولم يتغير شيء، ولم يتم إصلاح أي شيء".  

تصنيفات

قصص قد تهمك