الشيخ جرَّاح وقانون أملاك الغائبين.. معركة تاريخية وقضائية في القدس

فتاة فلسطينية تنظر إلى منزل رفع فوقه علم إسرائيلي في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة 5 مايو 2021 - AFP
فتاة فلسطينية تنظر إلى منزل رفع فوقه علم إسرائيلي في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة 5 مايو 2021 - AFP
دبي -الشرق

تشهد القدس مواجهات متصاعدة منذ أيام عنوانها الأبرز حي الشيخ جرَّاح، الذي تسعى جهات استيطانية إسرائيلية إلى إخراج سكانه الفلسطينيين من منازلهم.

وانطلقت من الحي شرارة احتجاجات شهدت إصابة المئات من الفلسطينيين برصاص القوات الإسرائيلية واعتقال العشرات، وأثارت ردود فعل إقليمية ودولية واسعة، كما تدور معركة قانونية بشأن ما يعرف بقانون "أملاك الغائبين" الذي يسمح للمستوطنين اليهود بالاستيلاء على أملاك فلسطينية في القدس الشرقية.

حي الشيخ جرَّاح

حي الشيخ جرَّاح هو أحد الأحياء التاريخية في القدس المبني خارج أسوارها، واستمد اسمه، من الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي طبيب القائد صلاح الدين الأيوبي.

ويتميز بموقع جغرافي يسيطر على كل التحركات من الساحل إلى الداخل، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).

يقع الشيخ جراح في قلب مدينة القدس، إلى الشمال من البلدة القديمة، وتحده من الشمال أرض السمار وشعفاط، ومن الجنوب أحياء باب الساهرة وسعد وسعيد، ومن الشرق حي واد الجوز، ومن الغرب ضواحي غربي القدس، وأراضي قرية لفتا المهجرة عام 1948.

من أبرز معالم حي الشيخ جراح، مدرسة الطفل العربي، التي أنشأتها هند الحسيني عام 1948، بهدف إيواء 55 طفلاً يتيماً من أطفال قرية دير ياسين، وقد توسعت مع السنين وأصبحت من المدارس الثانوية في مدينة القدس.

رجل أمن إسرائيلي يتحدث مع أحد المستوطنين الإسرائيليين خارج منزل أخذ من عائلة فلسطينية في 2009، في حي الشيخ جراح بالقدس 6 مايو 2021 - AFP
إسرائيلي يتحدث مع أحد المستوطنين الإسرائيليين خارج منزل أخذ من عائلة فلسطينية في 2009، في حي الشيخ جراح بالقدس 6 مايو 2021 - AFP

كما يعيش في الحي لاجئون فلسطينيون جاؤوا إليه بعد تهجيرهم في حرب 1948 (النكبة)، وكانوا يقيمون بداية في خيام.

وقد كانت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، حينها جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية. 

وفي العام 1956 توصلت الحكومة الأردنية إلى اتفاق مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) نص على إسكان 28 عائلة فلسطينية من هؤلاء اللاجئين في حي الشيخ جراح، وبناء منازل لهم، على قطعة أرض تابعة للسلطات الأردنية مساحتها 18 ألف متر مربع، على أن يتم نقل ملكية العقارات تلقائياً إلى أسمائهم بعد موافقتهم على التخلي عن صفة اللاجئين، بحيث أصبح السكان، في عام 1959، مالكين لهذه العقارات، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية. 

واحتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، وبعد ذلك التاريخ بخمسة أعوام، قالت منظمات استيطانية يهودية إنها حصلت على وثائق تتحدث عن ملكية أشخاص يهود لأرض في منطقة كرم الجاعوني في حي الشيخ جراح، بموجب عقود شراء عثمانية صدرت في نهاية القرن التاسع عشر. وطالبت هذه المنظمات بإخلاء عائلات فلسطينية تسكن الحي. 

معركة قضائية

وبناء على ذلك، سجلت الحكومة الإسرائيلية أراضي في الشيخ جراح لصالح "لجنة تراث اليهود الشرقيين" و"لجنة تراث اليهود الغربيين"، من دون إعلام السكان الفلسطينيين.

وعندما علم السكان بذلك رفعوا دعاوى أمام القضاء الإسرائيلي، وخلال المحاكمات أبرز مقدسي يدعى سليمان درويش حجازي وثائق الوقف الأصلية العائدة لعام 1814، وخاض معركة قضائية على مدى عقد ونصف، لكنها انتهت برفض المحكمة الإسرائيلية الحكم له بموجب الوثائق التي قدمها.

وخلال هذه الفترة، باعت اللجان الإسرائيلية تلك الأرض لجمعية استيطانية، ثم لشركة بهدف استحداث وقائع تحول دون بحث الملكية. 

وفي مطلع الألفية وتحديداً في العام 2001، حصلت أول عملية للاستيلاء على منازل فلسطينية في كرم الجاعوني، بعدما اقتحم مناصرون لليمين الإسرائيلي عدداً من المنازل ورفضوا مغادرتها. 

وتسعى الجمعيات اليهودية المطالبة بالأملاك حالياً، إلى إخلاء منازل 58 فلسطينياً آخرين، وفقاً لمنظمة "السلام الآن" الإسرائيلية غير الحكومية.

وفي العام 2008، صدر حكم من إحدى المحاكم الإسرائيلية، قضى بأن جزءاً من حي الشيخ جراح "كان مملوكاً ليهود شرقيين استقروا هناك خلال العهد العثماني".

وصادق "مجلس بلدية القدس" الإسرائيلي في فبراير 2010 على مشروع لبناء 16 وحدة سكنية للمستوطنين الإسرائيليين في الشيخ جراح.

قانون "أملاك الغائبين"

ويستند جانب من المعركة القضائية بشأن حي الشيخ جراح، إلى قانون إسرائيلي صدر عام 1970 وحمل اسم "قانون الشؤون القانونية والإدارية"، ويسمح لليهود بالسيطرة على أملاك فلسطينية في القدس الغربية إذا تمكنوا من "إثبات" أن عائلاتهم كانت تعيش في هذه المدينة قبل حرب 1948. 

كما مكن ما يعرف بقانون "أملاك الغائبين" الإسرائيلي الصادر عام 1950 والذي يتألف من 39 مادة والذي يعتبر قانوناً بديلاً لأنظمة الطوارئ، في حينه الحكومة الإسرائيلية من مصادرة ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين. وأطلقت إسرائيل في هذا القانون على اللاجئين اسم "الغائبين"، رغم منعهم من العودة.

ويسمح القانون بالاستيلاء على الأراضي والممتلكات التي تعود للفلسطينيين الذين هجِّروا منها ونزحوا عنها إلى مناطق ‏أخرى أو غابوا عن أملاكهم بعد العام 1948.

وهذا التعريف الشامل يجعل كل مالك فلسطيني غائباً إذا كان قد غادر قريته أو مدينته إلى إحدى البلاد المجاورة لأي سبب كان، في أي وقت منذ تاريخ إصدار قرار تقسيم فلسطين، وفق ما جاء في الموسوعة الفلسطينية.

كما يعتبر الفلسطيني غائباً إذا ترك قريته، وانتقل إلى إحدى المدن والقرى المجاورة. بل يجعل القانون المالك الفلسطيني غائباً إذا انتقل من حي إلى آخر ضمن إحدى المدن الكبيرة، أو إذا نقلته السلطات الإسرائيلية بالقوة من مكان إلى آخر.

وينص هذا القانون على وضع ممتلكات اللاجئين تحت ‏تصرف ما يعرف "بالقيّم على أموال الغائبين"، وهو موظف حكومي إسرائيلي يشرف على أملاك اللاجئين، وله صلاحيات واسعة في التصرف بها.

ومن خلال هذا القانون تم الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي وعشرات آلاف المساكن.

التوزيع الديموغرافي

وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني بلغ عدد الفلسطينيين في القدس في الأشهر الأولى من العام 2021، حوالي 471 ألف نسمة يتوزعون على عدد من الأحياء والمخيمات.

وتبلغ النسبة العليا من السكان في منطقة القدس "j1" والتي يبلغ عدد السكان فيها قرابة 304 آلاف نسمة، وتضم عدة مناطق بينها الشيخ حراج، وكذلك القدس "j2"، ويبلغ عدد سكانها قرابة 167 ألف نسمة.

أما عدد الفلسطينيين في الشيخ جراح، فيبلغ حوالي 2800 نسمة. 

ويعيش في القدس الشرقية أكثر من 200 ألف مستوطن على أراض الفلسطينيين، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

اقرأ أيضاً: