الحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى.. إسرائيل تستغل حرب غزة في "تهويد صامت"

فلسطينيون يعبرون الحاجز إلى الحرم الإبراهيمي لحضور صلاة الجمعة خلال شهر رمضان في البلدة القديمة بالخليل في الضفة الغربية المحتلة. 29 مارس 2024 - REUTERS
فلسطينيون يعبرون الحاجز إلى الحرم الإبراهيمي لحضور صلاة الجمعة خلال شهر رمضان في البلدة القديمة بالخليل في الضفة الغربية المحتلة. 29 مارس 2024 - REUTERS
الخليل-AWP

بينما كان صلاح في طريقه للصلاة في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، فوجئ وغيره ممن كانوا يعتزمون الصلاة باتخاذ الجانب الإسرائيلي خطوات من شأنها تغيير البناء الأصلي للحرم.

يقول صلاح "فوجئنا بإقدام الإسرائيليين على إجراء عمليات صب للخرسانة في صحن الحرم الإبراهيمي. هذه محاولة لوضع اليد على المكان وتهويده".

فمع استمرار دوران رحى الحرب الدامية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، باتت كل الأعين متجهة إلى القطاع وتفاصيل حربه الطاحنة وأعداد ضحاياه المتصاعدة، بينما تدور في بقاع أخرى من الأراضي الفلسطينية أحداث يراها الفلسطينيون محاولات "لتهويد" الأماكن المقدسة.

وأعادت واقعة تسقيف صحن الحرم الإبراهيمي منذ يومين تسليط الأضواء على واقع الأماكن المقدسة بمنطقة لا يكاد يهدأ فيها صراع حتى يشتعل من جديد. فالحرم المسجل على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) كتراث ديني وثقافي فلسطيني وإنساني عالمي أصبح هو الآخر محور "صراع صامت".

وتتصدى في هذا الصراع الأصوات المدافعة عن التراث لما تعتبره تعديات متكررة لمحاولة طمس الهوية وتغيير المعالم.

ويقول صلاح لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "إنها معركة ذات أبعاد روحية ووجودية هدفها الحفاظ على قدسية أرض الأنبياء وسط محاولات الاحتلال المحمومة لتهويد الأماكن المقدسة وسلبها من جذورها العربية والإسلامية".

إحباط تعديل الحرم الإبراهيمي

واعترت الفلسطينيين حالة من الغضب إزاء محاولة تسقيف صحن الحرم الإبراهيمي واحتشدوا عنده، وأدوا فيه صلوات حاشدة في صلاتي الفجر والجمعة بهدف توجيه رسائل للإسرائيليين تؤكد على هويته الإسلامية وإزالة التغييرات الأخيرة فيه.

ودفع هذا الإسرائيليين لإزالة كل التغييرات التي أجروها بعد أقل من 24 ساعة من عملية صب الإسمنت وفق ما أكده محافظ الخليل خالد دودين في بيان صحفي.

وقال دودين "تم إزالة التعديات التي حاولت سلطات الاحتلال من خلالها تغيير معالم الحرم الإبراهيمي الشريف بسقف صحن الحرم بالحديد والإسمنت"، مشدداً على أن المكان سيحافظ على هويته الإسلامية الخالصة.

ولم تعلق السلطات الإسرائيلية أو أي جهة معنية من الجانب الإسرائيلي سواء على تسقيف الصحن أو على إزالة هذا التسقيف والتزمت "الصمت".

تضييقات وانتهاكات

يجد الفلسطينيون صعوبات متكررة في الوصول إلى الحرم الإبراهيمي والصلاة فيه، وزادت حدة الإجراءات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر وفق ما أكده شهود عيان لوكالة أنباء العالم العربي.

ويؤكد مدير عام وزارة الأوقاف في محافظة الخليل غسان الرجبي أن إسرائيل تسعى منذ أكثر من 30 عاماً لتسقيف منطقة صحن الحرم الإبراهيمي لمنح المستوطنين مساحة أكبر للوجود في منطقة الحرم والتضييق على الفلسطينيين والحد من وجودهم فيه.

وأشار الرجبي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إلى أن الحرم الإبراهيمي يتعرض لانتهاكات مستمرة من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين سواء بإغلاقه ومنع الوصول إليه أو بمحاولة إجراء تغييرات في المكان.

ويؤكد سكان بالخليل هذا، ويقول أحدهم "أكثر من مرة تم إغلاق الحرم الإبراهيمي خلال الأشهر الماضية، لا أذكر العدد بالتحديد لكننا حُرمنا مراراً من أداء الصلاة فيه".

وتشير إحصائية لوزارة الأوقاف الفلسطينية إلى أن السلطات الإسرائيلية منعت رفع الأذان في الحرم 54 مرة خلال الشهر الماضي.

وأكدت الوزارة، في بيان، أن الهدف من منع الأذان هو فرض تقسيم زماني ومكاني على الحرم الإبراهيمي بحيث تكون به مناطق مخصصة لليهود في أوقات زمنية محددة يُمنع الفلسطينيون فيها من رفع الأذان أو الصلاة.

ورصدت الوزارة الشهر الماضي تعديات أخرى منها رفع الأعلام الإسرائيلية على جدران الحرم ونصب منصات ومدرجات خشبية في ساحته وتركيب كاميرات في ممراته.

وفي المسجد الأقصى وثَّقت وزارة الأوقاف 18 عملية اقتحام نفذها المستوطنون لساحات المسجد، إضافة إلى انتهاكات أخرى في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية طالت كذلك أماكن دينية مسيحية.

 الصراع الصامت

في حديث لوكالة أنباء العالم العربي، أكد محمود الهباش مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية أن إسرائيل تسعى لتهويد كل ما هو فلسطيني، مشيراً إلى زيادة واضحة في حجم الانتهاكات بحق المقدسات في القدس والخليل وكل أنحاء الضفة الغربية.

قال الهباش إن "الحرم الإبراهيمي ذو قدسية عند المسلمين، فهو رابع أقدس مسجد إسلامي على وجه الأرض بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى"، مشدداً على أن أي محاولة إسرائيلية لتهويده "باطلة".

واتهم الهباش إسرائيل بمحاولة فرض وقائع على الأرض من شأنها تهويد الأماكن الدينية المقدسة لدى المسلمين، مشيراً إلى أن أكبر هذه الحملات تجري في المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي.

وقال: "إسرائيل تسعى لاستغلال تسلط الأضواء على الحرب ضد الفلسطينيين في غزة لتنفيذ علميات التهويد في الضفة الغربية"، داعياً دول العالم إلى الالتفات لما يجري بحق المقدسات الفلسطينية.

وتقوم الرواية الدينية لليهود على وجود حق ديني لهم في الحرم الإبراهيمي الذي يطلقون عليه اسم (مغارة المكفيلا)، ويعتبرونه ثاني أقدس مكان بعد (جبل الهيكل) الذي هو نفسه منطقة المسجد الأقصى في القدس.

وبحسب الرواية اليهودية، فإن الحرم الإبراهيمي بُني فوق مغارة مدفونٌ فيه كل من النبي إبراهيم وزوجته سارة وولدهما إسحق وولده يعقوب.

وبالتزامن مع عيد الفصح اليهودي الماضي، في أبريل، أغلقت إسرائيل الحرم الإبراهيمي أمام المسلمين وفتحته أمام اليهود ليومين، في واقعة استنكرها مدير الحرم معتز أبو سنينة واعتبرها "تعدياً سافراً على حرمة الحرم واعتداء استفزازياً على حق المسلمين في الوصول إلى أماكن العبادة الخاصة بهم".

وأفاد شهود عيان بأن القوات الإسرائيلية كثفت وجودها عند جميع المداخل المؤدية إلى الحرم الإبراهيمي لتأمين وصول المستوطنين إلى مدينة الخليل والمناطق الأثرية، كما أغلقت بعض الأسواق في البلدة القديمة. وتزامن هذا مع اقتحام أكثر من 230 مستوطناً باحات المسجد الأقصى تحت حماية مشددة من الشرطة الإسرائيلية وقيامهم "بجولات استفزازية"، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية.

وشهد الحرم الإبراهيمي عملية قتل جماعية عام 1994 عندما أطلق المستوطن اليهودي باروخ جولدشتاين النار على المصلين المسلمين في أثناء أدائهم صلاة الفجر، فقتل 29 منهم وأصاب نحو 150 آخرين.

تصنيفات

قصص قد تهمك