ترحيب فلسطيني عربي بـ"انتصار العدالة".. وتل أبيب تستنكر "قرار خاطئ في لاهاي

العدل الدولية: احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية يجب أن ينتهي

فلسطيني يلوح بعلم بلاده خلال احتجاجات ضد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية - 25 أغسطس 2021 - REUTERS
فلسطيني يلوح بعلم بلاده خلال احتجاجات ضد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية - 25 أغسطس 2021 - REUTERS
لاهاي-رويترزالشرق

أعلنت محكمة العدل الدولية، الجمعة، أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "غير قانونية"، ويتعين على إسرائيل إنهاء وجودها في تلك الأراضي في أسرع وقت ممكن، وهو ما انتقدته تل أبيب، ورحبت به فلسطين، والجامعة العربية.

قال رئيس المحكمة نواف سلام، خلال الإعلان عن نتائج رأي لجنة مكونة من 15 قاضياً، وهو رأي استشاري غير ملزم: "المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والنظام المرتبط بها، أُنشئت ويجري الإبقاء عليها، في مخالفة للقانون الدولي".

وأصدرت المحكمة رأيها الاستشاري بناء على طلب قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2022، قبل الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة.

وطلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من المحكمة تقييم العواقب القانونية المترتبة على "الاحتلال طويل الأمد، والاستيطان والضم" من جانب إسرائيل للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، والسياسات الحكومية الإسرائيلية المرتبطة بتلك الممارسات.

والنتائج التي خلص إليها قضاة محكمة العدل الدولية، وهي أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، ليست ملزمة، ولكن لها ثقلها بموجب القانون الدولي.

إسرائيل ترفض قرار محكمة العدل 

من جانبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الجمعة، إن "الشعب اليهودي لا يمكن اعتباره محتلاً لوطنه التاريخي".

وأضاف نتنياهو:"لن يشوه أي قرار خاطئ في لاهاي هذه الحقيقة التاريخية، وكذلك لا يمكن الطعن في مشروعية المستوطنات الإسرائيلية في جميع أراضي وطننا".

وأعربت وزارة الخارجية، في بيان، عن رفضها لرأي المحكمة، واعتبرته "منفصلاً تماماً عن واقع الشرق الأوسط"، واصفةً رأي المحكمة بأنه "خاطئ تماماً، ويخلط بين السياسة والقانون".

وأثار رأي المحكمة، غضب المستوطنين بالضفة الغربية ولا سيما السياسيين، ومنهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يعتبر حزبه الديني القومي قريباً من حركة المستوطنين، ويقيم هو نفسه في مستوطنة بالضفة الغربية.

وقال سموتريتش في منشور على منصة"إكس": "الرد على لاهاي - السيادة الآن"، في إشارة على ما يبدو إلى ضم الضفة الغربية رسمياً.

واعتبر يسرائيل جانتس، رئيس مجلس بنيامين الإقليمي، وهو من أكبر مجالس المستوطنين، أن رأي المحكمة "يتعارض مع الكتاب المقدس، والأخلاق والقانون الدولي"

وكان البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) أصدر هذا الأسبوع قراراً برفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، واعتبار ذلك "خطراً وجودياً على إسرائيل"، ما أثار إدانات عربية وأجنبية رأت في القرار "إمعاناً في تحدي المجتمع الدولي، وقرارات الشرعية الدولية".

"انتصار للعدالة"

في المقابل، وصفت الرئاسة الفلسطينية في بيان، الجمعة، قرار المحكمة بأنه "انتصار للعدالة"، وقالت: "أكد القرار أن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي، وأن على إسرائيل وقف احتلالها، وإنهاء وجودها بالأراضي الفلسطينية، والوقف الفوري لأي نشاط استيطاني، وإخلاء المستوطنين، وتعويض الخسائر المادية والمعنوية للأشخاص في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).

ودعت الرئاسة المجتمع الدولي إلى "إلزام إسرائيل، بإنهاء احتلالها ومشروعها الاستعماري بشكل كامل وفوري، دون قيد أو شرط".

وذكرت الرئاسة، أن قرار المحكمة جاء ليؤكد على حق الشعب الفلسطيني في "تقرير مصيره وحقه في أرضه ودولته، ورفضاً للاحتلال وقرار الكنيست الأخير، والسياسات الأميركية التي تدعم إسرائيل في احتلالها والرافضة لإقامة الدولة الفلسطينية".

وأشارت الرئاسة إلى أن القرار يأتي في وقت يتعرض فيه "الشعب الفلسطيني في غزة، والضفة الغربية بما فيها القدس، لعدوان شامل وإبادة جماعية، ليجدد الأمل لدى الشعب في مستقبل خال من الاستعمار، على طريق نيل حقه المطلق، وغير القابل للتفاوض في تقرير المصير والتحرر".

وجددت الرئاسة التأكيد على ضرورة "إنهاء سياسة الإفلات من العقاب، التي سمحت لإسرائيل بإنكار حق شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيره لأكثر من 76 عاماً"، وتجذر سياسات الفصل العنصري والاضطهاد، وارتكاب جريمة الإبادة الجماعية التي تتكشف الآن أمام العالم في غزة، وفي جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.

ووصفت وزارة الخارجية الفلسطينية رأي المحكمة بأنه "فتوى قانونية تاريخية"، وحثت الدول على الالتزام به.

وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي خارج المحكمة في لاهاي: "يجب على جميع الدول الآن الوفاء بالتزاماتها الواضحة: لا مساعدات، لا تواطؤ، لا أموال، لا أسلحة، لا تجارة، لا شيء، وأن كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملزمة قانوناً بإنهاء الوجود الإسرائيلي على أراضي فلسطين"، حسبما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).

إشادة عربية

وأشادت جامعة الدول العربية، برأي المحكمة، وقال أمين عام الجامعة، أحمد أبو الغيط، إن "الحكم، وإن كان يبدو لجميع مناصري القضية الفلسطينية منطقياً وطبيعياً، إلا أنه يمثل ركناً قانونياً هاماً على طريق تثبيت الرواية الفلسطينية واكسابها مشروعية ومصداقية قانونية تحتاج إليها في ظل مساعي قوة الاحتلال المستمرة للتشويش على طبيعة الصراع وأصله بهدف إحكام قبضتها علي الأراضي الفلسطينية المحتلة".

وأضاف، في بيان: "ممارسات إسرائيل العنصرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا تحتاج لبيان للتدليل على فظاعتها وخروجها التام على قيم حقوق الإنسان، ولكن الحكم دليل دامغ من الناحية القانونية لإسكات كافة الحجج الإسرائيلية الفارغة".

وأشار أبو الغيط إلى أن الرأي الاستشاري للمحكمة له وزن قانوني وأخلاقي كبير، مشدداً على ما انطوى عليه من توصيف السياسات الاسرائيلية بالعنصرية، وما ذكره من التبعات الخطيرة الأخرى لاستمرار الاحتلال، وضرورة إنهاؤه في أسرع وقت.

ورحبت السعودية برأي المحكمة، مؤكدة على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وذات مصداقية للوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه الأصيل في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

كما رحبت مصر بالرأي نفسه، مشيرة على أنه يؤكد على عناصر عدة، أهمها عدم قانونية استمرار الاحتلال الإسرائيلي لما يمثله من انتهاك لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ولخرقه مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الإقليم الواقع تحت الاحتلال بالقوة، مشددة على ضرورة أن تنهي إسرائيل هذا الاحتلال في أقرب وقت ممكن، والوقف الفوري لأي نشاط استيطاني جديد، وإخلاء كافة المستوطنات من الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية الناتجة عن سياساتها وممارساتها غير القانونية.

جريمة حرب

وفي مارس الماضي، أشار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، إلى أن المستوطنات الإسرائيلية، توسعت على نحو غير مسبوق، وتهدد بالقضاء على أي احتمال عملي لقيام دولة فلسطينية، مؤكداً أن التوسع في المستوطنات الإسرائيلية، يُعد "تهجيراً للسكان من قبل إسرائيل"، وهو ما وصفه بـ"جريمة حرب".

وقال: "بلغ عنف المستوطنين والانتهاكات المتعلقة بالاستيطان مستويات جديدة صادمة، وهذا يهدد بالقضاء على أي إمكانية عملية لإقامة دولة فلسطينية لديها مقومات البقاء".

وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، قالت في فبراير، إن توسع إسرائيل في المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة، لا يتسق مع القانون الدولي، في إشارة إلى العودة لسياسة أميركية راسخة معارضة للاستيطان، لكن واشنطن حثت المحكمة على الحد مما يمكن أن يتناوله أي "رأي استشاري".

وأشارت واشنطن إلى أهمية عدم  إصدار أمر ينص على "الانسحاب غير المشروط للقوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية"، وألا تصدر أي قرار من شأنه الإضرار بمفاوضات حل الدولتين بناء على مبدأ "الأرض مقابل السلام".

وشهدت جلسات الاستماع في حينها، إحجام إسرائيلي، لكنها قدمت بياناً مكتوباً للمحكمة، اعتبرت فيه أن إصدار أي رأي استشاري من شأنه "الإضرار" بمحاولات حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وقوبل قرار إسرائيلي ببناء نحو 3500 وحدة استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، بانتقادات دولية واسعة، تتزامن مع دعوات متصاعدة لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وقالت وزيرة الاستيطان الإسرائيلية أوريت ستروك، إن هذه المستوطنات الإضافية، حظيت بمصادقة من قبل الحكومة على إقامتها في يهودا والسامرة (الضفة الغربية). وكتبت في منشور على منصة إكس: "لقد وعدنا، ونحن نفي".

وكانت المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، أدانت في مارس، استمرار إسرائيل على مدى 56 عاماً في "بناء مستوطنات غير قانونية".

وأكدت ألبانيز عبر منصة "إكس"، أن "كلمات الإدانة وحدها لا يمكن أن تمحو عقوداً من التحدي والإفلات من العقاب"، مشيرة إلى أن "التدابير الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية قد تكون أقل فعالية".

وأفاد تقرير يستند إلى إحصائيات رسمية للحكومة الإسرائيلية، بأن عدد المستوطنين الإسرائيليين، ارتفع في الضفة الغربية المُحتلة بنسبة 3%، عام 2023، ليتجاوز عتبة النصف مليون.

وذكر التقرير الذي نشرته مجموعة "إحصاءات السكان اليهود في الضفة الغربية" (West Bank Jewish Population Stats) المؤيدة للاستيطان، أن عدد المستوطنين قفز إلى 517 ألفاً و407 في عام 2023، مقارنة بـ502 ألفاً و991 مستوطناً، العام الماضي، بزيادة 14 ألفاً و416 مستوطناً، بحسب وكالة "أسوشيتد برس"، الأميركية.

تبرير إسرائيلي للاحتلال 

واحتلت إسرائيل الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية، وهي مناطق تابعة لفلسطين التاريخية، التي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولة عليها، في حرب عام 1967، وبنت منذ ذلك الحين مستوطنات في الضفة الغربية ووسعتها على نحو مطرد.

ويزعم قادة إسرائيليون أن تلك المناطق "ليست محتلة من الناحية القانونية؛ لأنها تقع في نطاق أراض محل نزاع"، لكن الأمم المتحدة ومعظم المجتمع الدولي يعتبرونها "أراض محتلة من إسرائيل".

وفي عام 2004 أصدرت محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً مفاده أن "الجدار العازل الإسرائيلي المحيط بمعظم أراضي الضفة الغربية غير قانوني، وأن المستوطنات الإسرائيلية أنشئت على نحو ينتهك القانون الدولي". ورفضت إسرائيل هذا الرأي.

تصنيفات

قصص قد تهمك