قال محللون إن سياسة نائبة الرئيس الأميركي كاملا هاريس، في الملفات الخارجية، ستكون بمثابة ولاية ثانية للرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قرر الانسحاب من السباق الرئاسي، الأحد الماضي، وخاصة في ملفات مثل "الصين وإيران وأوكرانيا"، متوقعين تبني لهجة أكثر صرامة مع إسرائيل بشأن حرب غزة.
ويأتي ذلك في حال حصلت هاريس رسمياً على ترشيح الحزب الديمقراطي أغسطس المقبل، وتمكنت من الفوز في انتخابات الخامس من نوفمبر.
وباعتبار هاريس المرشحة الأوفر حظاً لكسب ثقة الحزب بعد انسحاب بايدن، ستجلب الخبرات التي اكتسبتها أثناء العمل، والعلاقات الشخصية مع قادة حول العالم، إضافة إلى إلمامها بقضايا عالمية اكتسبتها خلال عضويتها في مجلس الشيوخ، وموقعها نائبة لبايدن حتى الآن.
وعند خوض هاريس الانتخابات ضد المرشح الجمهوري دونالد ترمب، سيكون لديها نقطة ضعف كبيرة، وهي الوضع "المضطرب على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك"، الذي أربك بايدن، وأصبح قضية رئيسية في حملته الانتخابية.
وجرى تكليف هاريس في بداية فترة ولاية بايدن بمعالجة الأسباب الجذرية، لارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية، إذ سعى الجمهوريون إلى تحميلها تبعات المشكلة.
وأوضح آرون ديفيد ميلر المفاوض السابق في الشرق الأوسط لإدارات ديمقراطية وجمهورية: "قد تكون لاعباً أكثر نشاطاً، لكن هناك شيئاً واحداً لا ينبغي أن تتوقعه، وهو أي تحولات كبيرة فورية في جوهر سياسة بايدن الخارجية".
وعلى سبيل المثال، أشارت هاريس إلى أنها لن تحيد عن دعم بايدن القوي لحلف شمال الأطلسي، وستواصل دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ويتناقض هذا بشكل حاد وسط تعهد الرئيس السابق ترمب بإجراء تغيير جذري في علاقة واشنطن مع التحالف والشكوك التي أثارها بشأن إمدادات الأسلحة المستقبلية إلى كييف.
الإبقاء على السياسات المتعلقة بالصين؟
واجهت هاريس، المحامية التي شغلت منصب المدعي العام السابق لولاية كاليفورنيا، في النصف الأول من رئاسة بايدن صعوبة في التأقلم مع واقعها الجديد، لكن لم يساعدها تحملها مسؤولية ملف الهجرة غير الشرعية القياسية بين المكسيك والولايات المتحدة منذ بداية ولاية بايدن.
وفشلت هاريس في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية في عام 2020، بعد حملة انتخابية اعتبرت على نطاق واسع بأنها "باهتة".
وإذا نجحت هاريس في الفوز بترشيح الحزب هذه المرة، يأمل الديمقراطيون أن تكون أكثر قدرة على الترويج لسياسات برنامجها الانتخابي الخارجية.
وفي النصف الثاني من رئاسة بايدن، عززت هاريس، وهي أول نائبة رئيس أميركي تنحدر من أصول إفريقية وآسيوية في البلاد، مكانتها في قضايا تتنوع من الصين وروسيا إلى غزة، وأصبحت شخصية معروفة لدى العديد من زعماء العالم.
وفي مؤتمر ميونيخ للأمن هذا العام ألقت خطاباً شديد اللهجة، انتقدت فيه روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، وتعهدت باحترام الولايات المتحدة "الصارم" لمتطلبات المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي المتعلقة بالدفاع المتبادل.
وقال الكرملين، الاثنين، إن هاريس لم تقدم أي مساهمة ملحوظة في العلاقات مع موسكو باستثناء تصريحات "غير ودية تجاه بلادنا"، واتهمت روسيا بشن حرب "همجية وغير إنسانية" في أوكرانيا.
وفيما يتعلق بالصين، أبقت هاريس نفسها منذ فترة طويلة ضمن التيار السائد بين الحزبين في واشنطن بشأن حاجة الولايات المتحدة لمواجهة نفوذ الصين، خاصة في آسيا.
ثبات في مواجهة بكين
ويقول محللون إنه من المرجح أن تحافظ هاريس على موقف بايدن المتمثل في مواجهة بكين عند الضرورة، بينما تسعى أيضاً إلى إيجاد مجالات التعاون.
وقامت هاريس بعدة رحلات تهدف إلى تعزيز العلاقات في منطقة آسيا المهمة اقتصادياً، منها رحلة إلى جاكرتا في سبتمبر، لتنوب عن بايدن في قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
وخلال الزيارة، اتهمت هاريس الصين بمحاولة إجبار جيرانها الأصغر على مزاعم سيادتها على مناطق في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.
وأرسل بايدن هاريس في زيارات لتعزيز تحالفات مع اليابان وكوريا الجنوبية، اللتين يساورهما القلق إزاء التزام ترمب بأمنهما.
وقال موراي هيبرت الباحث في برنامج جنوب شرق آسيا في مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية: "لقد أظهرت للمنطقة أنها متحمسة لتعزيز تركيز بايدن على منطقة المحيطين الهندي والهادي"، مضيفاً: "لم تكن قادرة على مضاهاة المهارات الدبلوماسية، التي اكتسبها بايدن على مدى عقود، لكنها قامت بعمل جيد".
الملف الإسرائيلي الفلسطيني
ومع ذلك، كان لهاريس مثلها مثل بايدن زلات لسان في بعض الأحيان. وقالت عبارة "التحالف الأميركي مع جمهورية كوريا الشمالية"، بينما كانت تؤكد دعم واشنطن لسول خلال جولة بالمنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين الجنوبية والشمالية في سبتمبر 2022، وهو ما صححه مساعدوها لاحقاً.
وإذا حملت هاريس لواء حزبها واستطاعت التغلب على تقدم ترمب في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، فسيحتل "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"مكانة متقدمة على جدول أعمالها، وخاصة إذا ظلت حرب غزة مستعرة.
ورغم أن هاريس أيدت بايدن، كونها نائبته، في دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بعدما شنت حركة "حماس"، هجوماً على إسرائيل في السابع من أكتوبر، فقد سبقت الرئيس في "انتقاد النهج العسكري لإسرائيل".
وقالت في مارس"إن إسرائيل لا تفعل ما يكفي لتخفيف الكارثة الإنسانية، التي وقعت خلال اجتياحها البري لغزة، ولم تستبعد في وقت لاحق من ذلك الشهر ما ستشهده إسرائيل من عواقب، إذا اجتاحت رفح المكتظة بالنازحين جنوب القطاع".
ويقول المحللون إن مثل هذه اللهجة أثارت احتمالاً بأن "أقل ما ستتبناه هاريس، هو لهجة أقوى من بايدن تجاه إسرائيل إذا تولت الرئاسة".
وعلى النقيض من بايدن الذي يتمتع بتاريخ طويل مع سلسلة من القادة الإسرائيليين، لدرجة أنه وصف نفسه بأنه "صهيوني"، تفتقر هاريس إلى هذا "الارتباط الشخصي الشديد بإسرائيل"، إذ تحافظ على علاقات أوثق مع التقدميين الديمقراطيين الذين ضغط بعضهم على بايدن لفرض شروط على شحنات الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل، بسبب القلق من ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين من المدنيين في صراع غزة.
لكن المحللين لا يتوقعون تحولاً كبيراً في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.
وقالت هالي سويفر، التي كانت مستشارة هاريس للأمن القومي من 2017 إلى 2018 عندما كانت في الكونجرس، إن هاريس "كانت تدعم إسرائيل بنفس قوة بايدن"، مضيفة: "لا يوجد فرق يذكر بين الاثنين".
ومن المتوقع أن تعقد هاريس خلال الأيام المقبلة اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارته لواشنطن، وهو أول لقاء لها مع زعيم أجنبي منذ انسحاب بايدن من السباق الرئاسي.
التهديد النووي الإيراني
من المتوقع أن تحافظ هاريس على ثباتها في مواجهة إيران، العدو اللدود لإسرائيل في المنطقة، والتي أثارت تطوراتها النووية الأخيرة إدانة أميركية متزايدة.
وقال جوناثان بانيكوف، النائب السابق لمسؤول المخابرات الوطنية لشؤون الشرق الأوسط، إن تهديد "التسليح" المتزايد المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ربما يمثل تحدياً كبيراً مبكراً لإدارة هاريس، لا سيما إذا قررت طهران اختبار الزعيمة الأميركية الجديدة.
وبعد سلسلة من المحاولات الفاشلة، لم يبد بايدن اهتماماً يذكر باستئناف المفاوضات مع طهران، بشأن الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي انسحب منه ترمب خلال فترة رئاسته.
ومن المستبعد، أن تقوم هاريس، كرئيسة، بأي مبادرات كبيرة بدون وجود إشارات جدية على أن إيران مستعدة لتقديم تنازلات.
وفي حال حدث ذلك، قال بانيكوف، الذي يعمل الآن في المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث في واشنطن "كل الأسباب تجعلنا نعتقد أن الرئيس القادم مضطر للتعامل مع إيران، من المؤكد أنها واحدة من أكبر المشكلات".