تونس.. مناخ انتخابي "ضبابي" وسط تعهد رئاسي بـ"محاربة الفساد"

أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد خلال تظاهرة في العاصمة تونس. 19 مايو 2024 - Reuters
أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد خلال تظاهرة في العاصمة تونس. 19 مايو 2024 - Reuters
تونس -نضال عازم

مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة في تونس، المقررة في السادس من أكتوبر المقبل، يتزايد الجدل بشأن مناخ سياسي ملبد بـ"غيوم الترهيب والقمع"، حسبما يصفه معارضون، فيما يصر الرئيس قيس سعيد الذي يسعى لولاية ثانية على "محاربة الفساد ومواصلة مسيرة النضال في معركة التحرير الوطني"، حسبما أعلن في بيان ترشحه، وسط انتقادات أخرى بـ"احتكار القرار، والهيمنة على السلطة التنفيذية".

وتزايدت المخاوف لدى معارضين بعد قرار محكمة تونسية، في يوليو الماضي، بسجن لطفي المرايحي زعيم حزب "الاتحاد الشعبي الجمهوري" المعارض، والمرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة، بتهمة شراء أصوات، وفق محاميه.

وفي وقت سابق من الشهر ذاته، أصدر قاض تونسي، قراراً بمنع عبد اللطيف المكي، المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية، من السفر والظهور في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ومغادرة منطقته السكنية، وذلك في إجراء وصفه حزبه بأنه محاولة لإقصاء مرشح جدي من السباق.

كما تقبع عبير موسى، زعيمة الحزب الدستوري الحر والمرشحة البارزة بحسب استطلاعات الرأي، في السجن منذ العام الماضي بشبهة الإضرار بالأمن العام، بينما يقول حزبها إنها سُجنت في محاولة لإخراجها من السباق الانتخابي، وإبعادها باعتبار أنها "مرشحة قوية للغاية".

ويعتبر معارضو الرئيس التونسي، أن إعلان الجدول الزمني للانتخابات، جاء متأخراً ورافقته "ضبابية وغموض شديدين"، منذ بداية العام الانتخابي، الأمر الذي أربك عمل القوى السياسية وأكد "وصاية السلطة القائمة" على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والتي أرجأتها إلى حين صدور الأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين في الثاني من يوليو الماضي، "ما ضيّق مجال العمل والتنسيق"، وفق تعبيرهم.

شروط ترشح مثيرة للجدل

وأعلنت أحزاب ومنظمات تونسية، في مؤتمر صحافي مشترك، رفضها "الترهيب والتضييقات والشروط المجحفة" التي صاحبت دخول تونس في الفترة الانتخابية، بعد أيام قليلة من انطلاق فترة قبول الترشحات للانتخابات الرئاسية المقبلة.

واعتبرت أن "ما تضمّنته تنقيحات قانون الانتخابات الجديد، حتى يتلاءم ودستور 2022، بمثابة عقبات أمام المنافسين لإفساح المجال لولاية ثانية للرئيس قيس سعيد".

وانتقد المتحدث باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير في تصريحات لـ"الشرق"، أداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فيما يتعلق بحيادِها تجاه مختلف المتنافسين.

واعتبر الصغير، أن "صمت (الهيئة العليا للانتخابات) أمام إخلالات الرئيس قيس سعيد الانتخابية، مقابل صرامتها في مراقبة وسائل الإعلام والبرامج الحوارية وتوجيهها إنذارات لمؤسسات صحافية بموجب تحليل سياسي أو تقييم لوضع معين، لتوبيخهم وكأنهم تلاميذ صغار".

وأشار إلى أن "العديد من السياسيين اليوم في السجون، وصدرت في حقهم أحكام بالسجن بموجب دعاوى قضائية رفعتها هيئة الانتخابات"، على حد قوله.

محتجون يحملون لافتة خلال تظاهرة تطالب بالإفراج عن صحافيين ونشطاء وشخصيات معارضة مسجونين وإجراء انتخابات رئاسية نزيهة في تونس. 12 مايو 2024
محتجون يحملون لافتة خلال تظاهرة تطالب بالإفراج عن صحافيين ونشطاء وشخصيات معارضة وإجراء انتخابات رئاسية نزيهة في تونس. 12 مايو 2024 - Reuters

ومن جهته، قال نائب أمين عام حزب التيار الديمقراطي زياد الغناي في تصريحات لـ"الشرق"، إن "هذه الانتخابات يمكن عنْونتها في إجراء (بطاقة السوابق العدلية عدد 3)، وهو بمثابة عودة وزارة الداخلية لتنظيم الانتخابات من النافذة".

ولفت البرلماني السابق، إلى أنه "صرنا اليوم ننتظر قائمة الحاصلين على (بطاقة عدد 3) بدلاً من قائمة المترشحين"، معرباً عن استيائه من "شروط الترشُّح التي تحد من حرية المترشح في التحرك، وتمنعه من الظهور الإعلامي".

أعداد المرشحين المحتملين

وفي غضون ذلك، قالت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لـ"الشرق" إن عدد المترشحين المحتلمين بلغ 114 شخصاً سحبوا "استمارة التزكية"، بينما قدّم 3 منهم فقط طلبات الترشح، مشيرة إلى أنها ستُعلن العدد النهائي بعد انقضاء فترة قبول الترشحات التي بدأت في 29 يوليو الماضي، وتستمر حتى 6 أغسطس الجاري.

وأوضح عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أيمن بوغطاس لـ"الشرق"، أن "شرط بطاقة عدد 3 التي نص عليها دستور 2022، تقدمها وزارة الداخلية لكل المترشحين"، وهي البطاقة التي أثير بشأنها الجدل في الآونة الأخيرة.

وأشار بوغطاس، إلى أن "وزارة الداخلية أصدرت (بطاقات السوابق العدلية عدد 3) لنحو 85% من إجمالي 114 مترشحاً محتملاً، منهم من استلمها بالفعل، وهناك من ينتظر"، لافتاً إلى أن "هناك 18 شخصاً، لهم أوضاع خاصة، إما أنهم محل تتبّع قضائي، أو أنهم مطالبون بالإدلاء بمآلات دعاوى قضائية أو أحكام صادرة في حقهم".

ومن بين الشروط التي اعتبرها سياسيون صعبة التحقق "التزكيات الشعبية"، وهو شرط كان معتمداً في قانون الانتخابات الرئاسية لعامي 2014 و2019.

وتنص المادة 41 من القانون الانتخابي، على ضرورة تزكية المترشح للانتخابات الرئاسية، من 10 آلاف من الناخبين الموزعين على 10 دوائر انتخابية، على ألا يقل عددهم عن 500 ناخب بكل دائرة منها، كما يحظر على أي شخص تزكية أكثر من مترشح، ويمكن للمترشح أيضاً الحصول على تزكية 10 نواب من مجلس نواب الشعب (البرلمان)، أو من 40 من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة.

مخالفات انتخابية

وشهدت الآونة الأخيرة، مخالفات انتخابية تتعلق بحملات تجميع التزكيات الشعبية لصالح مرشحين محتملين للرئاسة، حيث أصدرت المحكمة الابتدائية في محافظة جندوبة، شمال غرب البلاد، حكماً بالسجن بين عامين و4 أعوام بحق 4 سيدات، قمن بتجميع تزكيات بمقابل مادي، لصالح مغني الراب كريم الغربي المعروف باسم ''كادوريم" الذي أعلن ترشحه للانتخابات.

كما صدرت أحكام بالسجن في حق أعضاء بالحملة الانتخابية للمرشح  المحتمل نزار الشعري بشبهة تزوير تزكيات شعبية.

الرئيس التونسي، لا يفوت فرصة للتذكير بـ"حربه على الفساد، وضرورة تطهير البلاد من الفاسدين والمتآمرين".

واستهل خطاب ألقاه من برج الخضراء إحدى قرى معتمدية رمادة بولاية تطاوين، حيث أعلن ترشحه رسمياً لفترة رئاسية ثانية: "لو كنت خُيرت لما اخترت، ولكن حين يدعوك الواجب الوطني المقدس، فلا مجال للتردد، ولا مجال إلا أن تقول إنني استجبت ولبيت، ومن برج الخضراء، أعلن رسمياً ترشحي في الانتخابات الرئاسية لمواصلة مسيرة النضال في معركة التحرير الوطني".

وأضاف سعيد: "أدعو الجميع إلى الانتباه لكل أشكال الاندساس والمغالطة، البعض سقط عن وجوههم القناع، والبعض الآخر سيسقط عنه بالتأكيد خلال الأيام المقبلة، وأدعوهم ألا يقبلوا مليماً واحداً من أي جهة كانت، ومن يقبل مليماً واحداً فأنا منه براء إلى يوم الدين".

ويشدد الرئيس التونسي، منذ توليه الحكم في أواخر عام 2019، على أنه "لا مجال لخلاص تونس بغير تطهيرها من المفسدين، الذين يرتمون في أحضان الخارج".

وينتقد الرئيس التونسي، منظومة الحكم السابقة، إذ يتهمها بـ"الاعتماد على المال الفاسد، وتوظيف الإعلام لأغراض انتخابية، وشراء الأصوات، وتدليس التزكيات الشعبية".

وفي أواخر يونيو الماضي، قضت محكمة تونسية بالسجن 4 أشهر على الناشط السياسي الصافي سعيد، بعد دعوى رفعتها ضده الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بسبب شبهة تزويى التزكيات الخاصة بالانتخابات الرئاسية لسنة 2014"، وجاء ذلك بعد أن أعلن عزمه الترشح للانتخابات المقبلة.

الجدول الزمني للانتخابات

وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، أعلن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، اعتباراً من 29 يوليو الماضي و حتى 6 أغسطس الجاري.

وأضاف بوعسكر، خلال مؤتمر صحافي، أن "الهيئة ستبت في الترشحات في أجل أقصاه السبت 10 أغسطس، ثم يتم إعلام الأطراف بقرارات البت والإعلان عن قائمة المترشحين المقبولين أولياً في أجل أقصاه الأحد 11 أغسطس".

وأوضح أن "مطالب انسحاب المترشحين يتم قبولها يوم 2 سبتمبر لتتولى الهيئة الإعلان عن المترشحين المقبولين نهائياً في 3 سبتمبر".

وبخصوص الحملات الانتخابية، ينص القانون على إجرائها على مدار 21 يوماً في الداخل أو الخارج، على أن تجرى بين 14 سبتمبر و4 أكتوبر من المقبلَين، فيما يبدأ الصمت الانتخابي في الخامس من أكتوبر المقبل، على أن يبدأ التصويت في الانتخابات في اليوم التالي الموافق السادس من الشهر ذاته.

أما بالنسبة للناخبين في الخارج، فإن الانتخابات ستُجرى أيام 4 و5 و6 أكتوبر، فيما يبدأ الصمت الانتخابي قبلها بيوم، على أن تنطلق الحملة الانتخابية بداية من 12 سبتمبر وحتى 2 أكتوبر المقبلَين.

وذكر بوعسكر، أنه "سيتم اعتماد التسجيل الآلي لكل الناخبين في الداخل والخارج اعتباراً من 5 يوليو، كل من بلغ سن 18 عاماً في هذا التاريخ، وتتوفر فيه شروط القانون الانتخابي".

تصنيفات

قصص قد تهمك