بريطانيا.. "بلطجة" اليمين المتطرف تؤرق الحكومة وتهدد المسلمين

عناصر من الشرطة البريطانية خلال احتجاج لليمين المتطرف ضد المهاجرين في العاصمة لندن. 31 يوليو 2024 - Reuters
عناصر من الشرطة البريطانية خلال احتجاج لليمين المتطرف ضد المهاجرين في العاصمة لندن. 31 يوليو 2024 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

يواصل اليمين المتطرف، احتجاجاته في عدد من مناطق بريطانيا، كرد فعل على جريمة ارتكبها شخص من أصول مهاجرة، وهو ما بات يقلق الحكومة العمالية الجديدة، ويدفعها نحو تعزيز قوات الشرطة وتسليحها بأدوات جديدة ودعم استخباراتي، كي "تضرب بيد من حديد" كل من يتجاوز حدود القانون في التظاهر السلمي، ويعتدي على الناس أو الممتلكات العامة والخاصة.

الاحتجاجات تفجرت بعد عملية طعن وقعت في مدينة ساوثبورت شمال غرب بريطانيا، ارتكبها شاب يبلغ من العمر 17 عاماً، بعدما اقتحم مركزاً لتعليم الأطفال الرقص، وقتل 3 فتيات وجرح 6 أطفال آخرين، إضافة إلى رجل وامرأة حاولا حماية الصغار فلقيا نصيبهما من طعنات الشخص الذي ينحدر من أصول رواندية، اسمه أكسل موجانوا روداكوبانا.

ولم تفصح الشرطة في البداية عن هوية القاتل، ما أشعل غضب الشارع بعدما انتشرت شائعات أنه مهاجر مسلم جاء بزورق عام 2023، وهي معلومة كاذبة لكنها وجدت طريقها إلى الانتشار، ما جعل اليمين الشعبوي يستغلها في التحريض ضد المهاجرين، وسرعان ما تعرّض مسجد ساوثبورت لهجوم من ملثمين اشتبكوا مع قوات الشرطة عندما حاولت حماية المصلين.

ولم ينته الأمر هنا، فقد اتسعت دائرة الاحتجاجات إلى مدن ومناطق عدة، وباتت تُنظّم كل يوم. واجتمع رئيس الوزراء كير ستارمر مع قادة الشرطة وطالبهم بضرب "المشاغبين" بيد من حديد، فيما تصاعدت مخاوف المسلمين بعد رسائل تهديد، استدعت من مساجد كثيرة زيادة إجراءات الأمن، ودعوة أبناء الجالية إلى الحرص والحذر.

تعزيزات أمنية لمواجهة أعمال الشغب

واستغلت الأصوات المؤثرة في اليمين المتطرف وعلى رأسها الناشط المعروف تومي روبنسون، جريمة ساوثبورت للدعوة إلى التظاهرات بدعوى ما وصفته بـ"حماية الدولة للمهاجرين على حساب أبناء البلاد"، وأُطلقت دعوات للاحتجاج عبر منصات التواصل الاجتماعي تحت عناوين مثل "كفى يعني كفى"، و"علينا استعادة بلادنا"، و"لنحمي أطفالنا".

وأصيب أكثر من 50 شرطي خلال مظاهرات اليمين المتطرف في مدينة "ساوثبورت"، وفي اليوم التالي تجمع أنصار الحراك أمام مقر الحكومة وسط لندن، واعتقلت الشرطة 100 متظاهر اشتبكوا مع عناصرها وتعرضوا للمباني والشوارع بالتكسير والتخريب، ما حدا برئيس الوزراء إلى عقد اجتماع مع قوات الأمن لبحث تداعيات مشكلة تتمدد.

وأعلن ستارمر توسيع صلاحيات الشرطة، وتشكيل وحدات جديدة لمكافحة أعمال الشغب، التي يُمارسها اليمين المتطرف، وقال إنه لن يسمح بانهيار القانون والنظام في بريطانيا من قبل "بلطجية يفتقرون إلى العقل، ويستغلون معاناة عائلات ضحايا ساوثبورت، لذا يتوجب وضع حد للكراهية وأعمال العنف التي يرتكبها هؤلاء في مناطق مختلفة".

وقالت وزيرة الداخلية البريطانية، إيفت كوبر، إن حكومة لندن تدرس حظر جماعة "رابطة الدفاع الإنجليزية" المتهمة بالوقوف وراء الاحتجاجات، وهي حركة سياسية أنشأها نشطاء يمينيون، من بينهم روبنسون في يونيو عام 2009، لكنها ترفض وصفها بالعنصرية، وتقول إن هدفها المعلن هو محاربة "أسلمة إنجلترا".

خلفيات الأزمة

ما فاقم من تداعيات حادثة ساوثبورت تصريحات للنائب وزعيم حزب "الإصلاح" نايجل فاراج، تساءل فيها عن سبب إخفاء الشرطة لاسم المجرم طوال 3 أيام، كما شكّك في جدية الحكومة بوقف الهجرة غير الشرعية، مما دفع بنائبة رئيس الوزراء أنجيلا راينر لانتقاد فاراج، وتذكيره بضرورة مناقشة هذه القضية تحت قبة البرلمان وليس خارجه.

وكان نشاط اليمين قد تصاعد قبل جريمة ساوثبورت بأيام، مستغلاً سلسلة حوادث وقعت الشهر الماضي، حتى أن قيادات هذا التيار حشدوا لأجلها تظاهرة ضمت أكثر من 100 ألف شخص وسط لندن يوم 27 يوليو الفائت، وفي اليوم التالي هرب روبنسون خارج الدولة قبل ساعات قليلة من إصدار الشرطة مذكرة اعتقال جديدة بحقه.

وفي 18 يوليو، تعرض عناصر للشرطة في مدينة ليدز شمال البلاد إلى الاعتداء وحرق سيارتهم من قبل مهاجرين أصولهم غجرية، وفي 25 من الشهر ذاته تعرض جندي بريطاني لـ12 طعنة في مدينة كِنت شرق البلاد، نفذها مهاجر من أصل إفريقي يدعى أنتوني إيسان، لكن الشرطة لم تصنف الحادثة كعملية إرهابية.

ولأنها سابقة في بريطانيا، أثار قتل الجندي ضجة كبيرة في الشارع، وقبل أن يهدأ الأمر أُوقف شرطي عن العمل لأنه ضرب شاباً باكستاني الأصل على رأسه في مدينة مانشستر، فاحتج اليمينيون على عقوبة الشرطي بحجة أنه دافع عن 4 عناصر شرطة في مطار المدينة ضربهم الشاب وشقيقه حتى نقلوا إلى المستشفى ومن بينهم شرطية كُسر أنفها.

هل هناك يد خارجية؟

يعتقد ريتشارد ديرلوف، الرئيس السابق للاستخبارات البريطانية الخارجية، أن الخبر المفبرك الذي انتشر عبر مواقع التواصل بشأن هوية مرتكب جريمة ساوثبورت وتسبب في تفجير الأزمة الراهنة، قد يكون مصدره الكرملين، لافتاً في حديث مع إذاعة LBC، إلى أنه لن يتفاجأ إذا كانت أعمال الشغب التي وقعت في المدينة حدثت بتحريض من موسكو، وفق قوله.

وشدّد ديرلوف، على أن الواقع الافتراضي بات ساحة صراع بين روسيا والغرب الذي يدعم أوكرانيا، ويواجه الرئيس فلاديمير بوتين، لكن الناس لا يدركون خطورة "حرب الإنترنت"، على حد قوله، وتداعيات تضليل المعلومات، ولذلك، يجب على الحكومة أن تكون "يقظة وحاضرة"، وتكافح هذا الخطر كما تواجه أي اعتداء عسكري مباشر على الدولة وشعبها، وفق قوله.

وأيّد ستيفن ماكبارتلاند، وزير الدولة لشؤون الأمن في عهد رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، ما أدلى به ديرلوف، وقال للإذاعة ذاتها إن "دولاً معادية تستخدم جريمة ساوثبورت للتحريض على العنف في بريطانيا، وتتصدر روسيا قائمة المشتبه بهم، مذكراً أنه في مايو الماضي طردت الحكومة ملحقاً دفاعياً روسياً، واتهمت "الأمن الفيدرالي الروسي" بارتكاب هجمات إلكترونية خبيثة منهجية تهدف إلى تقويض الديمقراطية.

من جهتها، شددت وزيرة الداخلية، على تحمل مواقع التواصل، جزءاً من مسؤولية المعلومات المغلوطة التي انتشرت عبرها حول جريمة ساوثبورت، لكن المشكلة أن قانون "سلامة تصفح الإنترنت"، الذي أقره البرلمان السابق "لم تكتمل تعليماته التنفيذية بعد"، ولا زالت هيئة "أوفكوم" المسؤولة عن ضبط المحتوى الإلكتروني تحاول إتمام اللائحة التي يمكن من خلالها محاسبة الناشرين الإلكترونيين على أي محتوى مخالف للقانون.

وأجرت منظمة Tell MAMA المعنية بتوثيق ومكافحة جرائم الكراهية في بريطانيا، بحثاً استقصائياً حول المعلومات التي أثيرت بعد جريمة ساوثبورت، واكتشفت أن "حسابات مزيفة من خارج البلاد"، ساهمت في شحن الرأي العام البريطاني، سواء عبر تمجيد الفعل الإجرامي الذي وقع أو بالتحريض ضد الجالية المسلمة في عموم مدن المملكة المتحدة.

"موجة كراهية" تجاه مسلمي بريطانيا 

وقالت مديرة المنظمة إيمان أبو عطا، إنهم تلقوا رسائل قلق كثيرة من أبناء الجالية المسلمة إزاء احتجاجات اليمين الشعبوي، حيث قامت المنظمة بنقلها إلى الشرطة من أجل المساعدة في ضبط الأمن، وطمأنة المسلمين. كما طالبت السلطات بالضغط على منصات التواصل للعب دور أكبر في ضبط محتوى ورسائل اليمين المتطرف.

وفي حديث مع "الشرق"، لفت الباحث في الشؤون الرقمية، جراهام بارو، إلى أن الواقع الافتراضي هو ساحة التجمع والتحريض الرئيسية للشعبويين، معتبراً أن المشكلة تكمن في أن كثيرين من غير اليمين المتشدد يُشاركون شعارات حراك الشعبويين، لكن تغريداتهم ومنشوراتهم لا يمكن تصنيفها كمحتوى مخالف للقوانين أو محرضة على الكراهية.

ونقلت صحيفة "الجارديان" عن شوكت واريش مدير منظمة تُعنى بأمن المساجد في بريطانيا، قوله إن مؤسسته تلقت طلب مساعدة من أكثر من 100 مسجد بعد احتجاجات الشعبويين، فيما أوضح للصحيفة ذاتها إمام مسجد في مدينة جلوستر يدعى عبد الله، أنه تلقى رسائل بشأن مساجد تدعو المسلمين إلى مرافقة بعضهم البعض في الشوارع والأماكن العامة، وحمل مسؤولية ما يجري إلى اليمين المتطرف وبعض الساسة والنواب.

وحثّ الحزب الليبرالي الديمقراطي، الشرطة البريطانية، على توفير مزيد من الحماية للمساجد ومنشآت المسلمين، بعد اتساع رقعة احتجاجات اليمين المتطرف، فيما قال المجلس الإسلامي البريطاني إن مئات المساجد اتخذت إجراءات وقائية كتدعيم النوافذ والأبواب، واستدعاء موظفين أمنيين إضافيين قبل نهاية الأسبوع.

ودعا الأمين العام للمجلس، زارا أحمد، إلى الوقوف في وجه موجة الكراهية التي تمر، لأنها لا تعبر عن التنوع الثقافي في المملكة المتحدة، مطالباً الحكومة في بيان رسمي ببذل المزيد من الجهد في سبيل محاربة "الإسلاموفوبيا".

تصنيفات

قصص قد تهمك