الحكومة البريطانية اتخذت تدابير عاجلة لحماية مجتمعات الأقليات

مسلمو بريطانيا في عين عاصفة اليمين المتطرف

متظاهرون في العاصمة البريطانية لندن خلال احتجاجات مضادة لليمين المتطرف- 7 أغسطس 2024 - Reuters
متظاهرون في العاصمة البريطانية لندن خلال احتجاجات مضادة لليمين المتطرف- 7 أغسطس 2024 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

"لم نعد نشعر بالأمان"، جملة ترددت على لسان المسلمين في عدة مدن بريطانية خلال الأيام القليلة الماضية، حيث باتت الجالية في عين عاصفة العنف التي أثارها اليمين المتطرف ضد المهاجرين، بعد جريمة قتل ارتكبها يافع من أصل رواندي بحق 3 فتيات صغيرات بمدينة ساوثبورت شمال غرب البلاد قبل 10 أيام. 

وكانت قد انتشرت أخبار زائفة تلت الحادثة مباشرة، زعمت أن قاتل الأطفال في ساوثبورت مسلم مهاجر جاء إلى البلاد على ظهر زورق العام الماضي، ورغم أن الشرطة دحضت هذه الرواية بعد 3 أيام، مؤكدة أن المتهم ولد في بريطانيا لعائلة مسيحية مهاجرة، إلا أن تيار اليمين المتطرف وضع الجالية المسلمة نصب عينيه وركز خصومته عليها.

وبسبب استهداف الشعبويين لمنشآتهم ودور عبادتهم، وضعت شرطة بريطانيا حماية المسلمين على رأس أولوياتها، ودفعت بتعزيزات أمنية لتولي المهمة، وسارعت منظمات الجالية ومساجدها للدعوة إلى الهدوء وعدم الانجرار خلف تصعيد اليمين المتطرف، كما دعوا للمشاركة في احتجاجات سلمية مضادة، تؤكد على وحدة وأمن البلاد.

ولم ينشأ عداء اليمين المتطرف للجالية المسلمة بين ليلة وضحاها، كما لم يُولد من رحم جريمة ساوثبورت، بل ثمة أسباب اجتماعية وثقافية وسياسية سبقت ذلك بأعوام، فضلاً عن مشكلات اقتصادية يؤمن الشعبويون، أنها طالت بريطانيا بسبب المهاجرين الذين يُشكل المسلمون كتلة كبيرة منهم وفق الإحصائيات. 

تهديدات وجرائم

قالت منظمة Tell MAMA التي ترصد الحوادث المعادية للمسلمين في المملكة المتحدة، إن تصاعد نشاط اليمين المتطرف في بريطانيا خلال الأسبوع الماضي رفع التهديدات الموجهة للمسلمين، مثل الاغتصاب والموت، بـ5 أضعاف، وزاد من جرائم الكراهية الموجهة للجالية بمقدار 3 أضعاف، وذلك مقارنة بالفترة ذاتها خلال العام الماضي، منوهة إلى أن البيانات جمعت من الواقعين الحقيقي والافتراضي.

وأشارت إيمان أبوعطا مديرة المنظمة المعنية بتوثيق جرائم الكراهية لـ"الشرق"، إلى أن خطاب اليمين الشعبوي يُظهر منذ سنوات طويلة الخصومة للمهاجرين عموماً، والمسلمين في مقدمتهم، منوهة إلى أن الرسائل المتبادلة بين أنصار هذا التيار لطالما استهدفت الجالية، لكن بلغة تتجنب المساءلة القانونية والملاحقة الشرطية.

وأوضحت المنظمة أن 10 مساجد واجهت هجمات أو تهديدات من اليمين المتطرف في مدن عدة، مثل ساوثبورت وليفربول وهارتلبول، كما شعر أبناء الجالية في تلك المناطق بخوف شديد من مغادرة منازلهم وخاصة النساء اللواتي يرتدين الحجاب، مشددة على أن "المخاوف من الهجرة لا تمنح لأحد الحق بالاعتداء على الأخرين".

واستندت Tell MAMA في أرقامها على بيانات الشرطة والشكاوى التي تلقتها بين 26 يوليو إلى 2 أغسطس الماضيين، لافتة إلى أن موقف المسلمين من الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة وما تلاها من مشاركة مستمرة لهم في التظاهرات المطالبة بإنهائها كل سبت منذ شهور طويلة، تُعد من أبرز أسباب صعود كراهية اليمين المتطرف للجالية منذ العام الماضي. 

فئات وأسباب

ذكر معهد الحوار الاستراتيجي في دراسة حديثة أنه بين مارس 2021 والفترة ذاتها في 2022، كانت الجالية المسلمة أكبر هدف لجرائم الكراهية ذات الدافع الديني بنسبة 42% من الحوادث، كما تعرضت نحو 90% من مساجد بريطانيا لجرائم كراهية العام الماضي، بدءاً من رسائل التهديد، وصولاً لأعمال العنف والتخريب.

ويُميز المعهد بين فئتين من اليمين المتطرف "الكاره" للمسلمين في بريطانيا، الأولى تُناصبهم العداء خشية من "تأثيرهم الديني" على المجتمعات الغربية، والثانية تستند إلى دوافع عنصرية وقومية تعتبر الجالية تهديداً للعرق الأبيض، والفئتان ارتفع مستوى عدائهما بعد حرب إسرائيل على غزة، وتفجر غضبهما بعد الجريمة التي وقعت في مدينة ساوثبورت.

وتلفت الدراسة إلى 5 ادعاءات رئيسية لليمين المتطرف ضد المسلمين في بريطانيا، أولها حالات الاستغلال والاعتداء الجنسي التي طالت أكثر من 1400 طفل بين عامي 1997 و2013، وكان الجناة في الغالب رجالاً من أصول باكستانية، وفق تحقيق مستقل، أجري بتكليف من حكومة حزب المحافظين العام الماضي.

وثمة ادعاءات يمينية متطرفة أيضاً، تزعم أن المساجد تحل محل الكنائس، وأن المسلمين يحولون مناطقهم إلى تجمعات مغلقة محظورة على الحكومة، تسود فيها الشريعة بدل القانون، ونظرية ثالثة "مؤامراتية" الطابع، تُصور المسلمين كقوة "غزو" عنيفة وغير ليبرالية، ورابعة تُحذر من ارتفاع معدلات مواليد المجتمعات المسلمة في بريطانيا. 

منابر اليمين 

كما وجد استطلاع أجرته جامعة برمنجهام عام 2021 أن نحو 26% من الجمهور البريطاني يشعرون بالسلبية تجاه المسلمين، بينما توصل استبيان لشركة "سافانتا كومريس" في 2020، إلى أن واحداً من كل 5 شبان من غير المسلمين في المملكة المتحدة، يعتقدون أن "الثقافة البريطانية مهددة بغزو المهاجرين من هذه الجالية".

وتنشط المنظمات والشخصيات اليمينية التي تحمل الكراهية للمسلمين وتنتج نظريات المؤامرة حولهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بين أبرز المؤثرين في هذا المجال تومي روبنسون، الذي تمكن قبل أيام قليلة من جريمة ساوثبورت من حشد أكثر من 100 ألف ينتمون لليمين المتشدد في ساحة الحرية وسط العاصمة لندن.

وفر روبسنون من البلاد في اليوم التالي لتظاهرة ساحة الحرية، وقبل ساعات من إصدار مذكرة اعتقال بحقه، لكنه واصل في تحرض ضد المهاجرين عبر حساباته على مواقع التواصل وخاصة منصة "إكس"، التي أعادت تفعيل حسابه مؤخراً ويتابعه اليوم 950 ألف شخص، لكن منشوراته يتبادلها عشرات الملايين، وفق أرقام المشاهدات الظاهرة.

ومنذ أن تأسست عام 2009، تُمثل "رابطة الدفاع الإنجليزية" أيضاً منبراً مهماً لليمين الشعبوي البريطاني، وهي ترفض اتهامها بأي توجه سياسي أو وصفها بالعنصرية، وتقول إنها تحارب "أسلمة إنجلترا"، لكن ذلك لا يُلغي حقيقة أن روبنسون كان من مؤسسيها، وقد شارك أنصارها في الاحتجاجات الشعبية التي تلت حادثة مدينة ساوثبورت.

تحذيرات ودعوات 

وزارة الداخلية البريطانية تدرس حظر "رابطة الدفاع الإنجليزية"، إلا أن هناك تحديات قانونية تقف في هذا الطريق، خاصة أن الحسابات الإلكترونية الرسمية للمنظمة لا تنشر أي محتوى مخالف للقوانين، فيما تتحدث تقارير إعلامية محلية عن أسماء وحسابات مستعارة، ربما يثبت تتبعها تورط الرابطة في جرائم الكراهية الموجهة ضد المسلمين. 

وقدمت الداخلية البريطانية أيضاً حماية للمساجد، وذلك في إطار استجابتها السريعة للتعامل مع التهديدات بشن مزيد من الهجمات على أماكن العبادة في البلاد، في وقت شدد رئيس الوزراء كير ستارمر عدة مرات على أن كل من يشارك في العنف والأعمال العدائية ضد المسلمين وممتلكاتهم ودور عبادتهم سيواجه "القوة الكاملة للقانون".

من جانبه، أثنى "المجلس الإسلامي في بريطانيا" على الخطة الحكومية للدفاع عن الأقليات، والسماح للمجالس المحلية بطلب حماية عاجلة لدور العبادة والمدارس وممتلكات مجتمعات المهاجرين، كما قال المجلس في بيان رسمي إن "قوات الشرطة تبذل أقصى ما في وسعها كما يتعرض أفرادها للخطر في سبيل الدفاع عن مجتمعات المهاجرين".

ومن جهته، طالب النائب العمالي أفزال خان الحكومة بوضع تعريف رسمي لـ"الإسلاموفوبيا"، وصياغة إجراءات وقوانين صارمة لمواجهتها، لافتاً في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن "تجاهل هذا الأمر خلال الأعوام الماضية هو ما أوصل البلاد إلى هذا العداء الواضح للمسلمين الذي تستغله جماعات اليمين المتطرف اليوم".

واستخدم المسلمون مواقع التواصل في نشر رسائل التهدئة، والدعوات لعدم الانجرار وراء التصعيد في الشارع، كما نقل الأثير الافتراضي صوراً ومنشورات تفضح ما فعله الشعبويون للمساجد وممتلكات الجالية في مناطق مختلفة.

وعبر الفضاء الإلكتروني أيضاً أُطلقت خلال الأيام الماضية تحذيرات لأبناء الجالية ونصائح للتعامل مع الأزمة، وكذلك انتشرت دعوات التظاهر المضادة لليمين المتطرف، وخاصة في العاصمة.

وشكر عمدة لندن صادق الذين خرجوا في تظاهرات سلمية لإظهار أن "المدينة تقف موحدة ضد العنصرية والإسلاموفوبيا"، وشدد المسؤول العمالي المسلم في بيان رسمي على أنه "لا يوجد مكان للعنف والعنصرية وكراهية الإسلام ومعاداة السامية في العاصمة البريطانية، ولن يُسمح لأولئك الذين يسعون إلى تقسيم المجتمع بالفوز أبداً، فلندن مدينة فخورة بتنوعها، وبكونها منفتحة ومرحبة بالجميع، وستظل على هذا الحال دائماً".

تصنيفات

قصص قد تهمك