إسبانيا.. المعارضة تهاجم الحكومة بعد فرار زعيم الانفصاليين

زعيم الانفصاليين الكتالونيين كارليس بويجديمونت يعود إلى إسبانيا بعد 7 سنوات من المنفى الاختياري، 8 أغسطس 2024 - Reuters
زعيم الانفصاليين الكتالونيين كارليس بويجديمونت يعود إلى إسبانيا بعد 7 سنوات من المنفى الاختياري، 8 أغسطس 2024 - Reuters
دبي-الشرق

هاجمت المعارضة في إسبانيا، الحكومة، وصبّت غضبها على رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، بعد فرار زعيم الانفصاليين في كتالونيا كارليس بويجديمونت، والذي سجل عودة قصيرة إلى برشلونة، في أعقاب 7 سنوات قضاها في المنفى، وسط اتهامات للسلطات بالعجز عن اعتقاله، وتوقيفه.

وذكرت صحيفة "بوليتيكو" أن السلطات الحكومية لم تبذل جهوداً كبيرة للقبض على بويجديمونت، بعد ظهوره في تجمع حاشد في برشلونة بالقرب من قوس النصر، كما لم تتحرك سلطات بلدة بوتبو، على الحدود بين كاتالونيا، وفرنسا لتوقيفه. 

وكان توقيت زيارة بويجديمونت المفاجئة إلى برشلونة "حساساً" بالنسبة لسانشيز، لأنه كاد يعرض انتخاب سلفادور إيلا، الاشتراكي والحليف المقرب لسانشيز، كرئيس جديد لإقليم كتالونيا للخطر، وفق الصحيفة.

وفضّل رئيس الوزراء مواصلة عطلته والسماح لبويجديمونت بالعودة إلى بلجيكا، بدلاً من اعتقاله، لأنه لا يزال بحاجة إلى أصوات حزب جونتس التابع لزعيم الانفصاليين، إذا كان يريد تمرير ميزانية العام المقبل، وفق الصحيفة.

وانتخب برلمان كاتالونيا إيلا رئيساً جديداً للإقليم، الخميس، كما كان مخططاً، بموجب اتفاق بين الاشتراكيين التابعين لرئيس الوزراء وحزب اليسار الانفصالي الجمهوري الكتالوني، وستمنح هذه الصفقة المنطقة التي يبلغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة، وهي قوة اقتصادية أكبر من البرتغال وفنلندا، الاستقلال في الشؤون المالية، إذ لم تعد مدريد تجمع الضرائب على الأراضي الكتالونية.

وقال سانشيز في بيان بعد تنصيب إيلا: "كتالونيا تفوز، وإسبانيا تتقدم للأمام"، بينما لم يذكر بويجديمونت.

تنصيب إيلا وفرار بوجديمونت

وقال خوسيه إجناسيو توريبلانكا، مدير مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في مدريد: "من الواضح أن لا أحد هنا كان مهتماً كثيراً باعتقال بوجديمونت".

وأضاف: "بالنسبة لسانشيز، كان الشيء المهم هو عدم تعريض تنصيب إيلا للخطر، وينطبق الشيء نفسه على المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في كتالونيا.. لا أعتقد أن أي شخص كان مهتماً بظهور بوجديمونت أكثر من اهتمامه بهذا الهروب البائس".

وكان زعيم الانفصاليين من يمين الوسط يأمل أن يصبح رئيساً جديداً لكتالونيا بنفسه، بعد أن تفاوض على قانون عفو ​​مع سانشيز.

كما كان بويجديمونت يأمل أن يسمح له بالعودة إلى إسبانيا دون مواجهة الاعتقال بعد أن نظم استفتاء استقلال غير دستوري، لكن القضاة يرفضون تطبيق العفو بالكامل على بوجديمونت، الذي لا يزال يواجه اتهامات بإساءة استخدام الأموال العامة.

ويمثل تنصيب إيلا، هزيمة أخرى للكتالوني المنفي اختيارياً، والذي تفوق عليه سانشيز مراراً وتكراراً، وفق "بوليتيكو".

وقال توريبلانكا، في إشارة إلى النواب السبعة الأساسيين من حزب جونتس الذين ينتمون إلى تحالف سانشيز، والذين احتاج إليهم ليصبح رئيساً للوزراء: "لقد جعل بويجديمونت سانشيز رئيساً لوزراء إسبانيا في مقابل عفو لا ينطبق عليه".

وأضاف: "الآن، خسر بويجديمونت أيضاً حكومة كاتالونيا.. وسيتعين عليه أن يقيس الأمر جيداً إذا استمر في دعم سانشيز، لأن النتيجة هي 2-0".

وقال زعيم المعارضة ألبرتو نونيز فيجو، إن سانشيز مسؤول عن "الإذلال الذي لا يطاق" الذي لحق ببوجديمونت في فضيحة هروبه، ودعا رئيس الوزراء إلى إقالة وزير داخليته فرناندو جراندي مارلاسكا، ورئيسة الاستخبارات مارجريتا روبليس.

وقال فيجو: "في مواجهة هذه المهزلة، لا تستطيع الحكومة أن تستمر في الإجازة وهي تضحك على الشعب الإسباني".

واستدرك توريبلانكا: "إنه إذلال لإسبانيا، ولكن في نهاية المطاف، سانشيز هو الرئيس، وإيلا هو الرئيس، وبوجديمونت ليس كذلك.. وهذا، على الرغم من قسوته وسخريته، هو الواقع".

هروب زعيم الانفصاليين

وفي بلدة بورتبو الحدودية الهادئة، الواقعة بين سفوح جبال البرانس والبحر الأبيض المتوسط​، كان من الواضح أن الشرطة لم تكن تبحث عن بويجديمونت منذ الجمعة، وفق "بوليتيكو".

وتتمتع البلدة بتاريخ طويل كنقطة عبور للمهربين واللاجئين، وكانت محطة توقف شهيرة للجمهوريين الإسبان الفارين من قوات فرانسيسكو فرانكو، وبعد فترة وجيزة، لليهود والمثقفين الفارين من ألمانيا النازية.

ولا يُعرف ما إذا كان بويجديمونت، قد عبر الحدود هنا أو إلى الداخل، وتقول الشرطة إنها فقدت أثره في برشلونة.

وذكرت الصحيفة أنه خلال عطلة نهاية الأسبوع يتم إغلاق مكاتب الشرطة الإقليمية، والوطنية دون وجود أي ضباط احتياط، أما بالنسبة للسكان المحليين، كان من الواضح أن لا أحد يريد العثور على بويجديمونت.

وقالت مونتسي، التي تعمل في محطة وقود الحدود، إنها كانت هناك طوال الجمعة، والسبت ولم تر ضابط شرطة واحد.

وأضافت: "لقد رأيتهم يقيمون نقاط تفتيش في مناسبات أخرى، شرطة المنطقة وأحياناً الحرس المدني.. لكنهم لم يفعلوا ذلك في الأيام الماضية، لم يكن هناك أحد".

من هو كارليس بويجديمونت؟

بدأ بويجديمونت، المولود في آميري، إحدى بلدات مقاطعة جيرونا عام 1962، حياته العملية صحافياً في مجلة "إل بونت" المؤيدة للاستقلال في كتالونيا، وظل خلال هذه التجربة يجاهر بدعوته إلى الانفصال عن مدريد.

وبينما نال نجاحاً في مهنته، وترقى في صفوف "إل بونت" ليصبح رئيس تحريرها ثم أسس وكالة الأنباء الكتالونية، جاءت أول مشكلة له مع مدريد، خلال دورة الألعاب الأولمبية في برشلونة عام 1992، عندما ألقي القبض عليه لمشاركته في منظمة تدعم القوميين الكتالونيين.

وشهدت أولى محاولاته في السياسة انضمامه إلى التحالف القومي الكتالوني "التقارب والاتحاد"، ونجح في الطعن في نتائج الانتخابات لدخول البرلمان الإقليمي من جيرونا.

دخل بويجديمونت السياسة رسمياً في عام 2006 عندما تم تعيينه مستشاراً لمجلس مدينة جيرونا، وهو المنصب الذي شغله لمدة عشر سنوات. وفي الوقت نفسه، شغل من عام 2011 إلى عام 2016 منصب المحافظ في مدينة جيرونا، وبين عامي 2015 و2016 رئيساً لجمعية بلديات كتالونيا من أجل الاستقلال.

كرّس بويجديمونت حياته المهنية لهدف إنشاء دولة جديدة في شمال شرق إسبانيا، وأدى نهجه المتشدد إلى صراع سياسي مع أحزاب انفصالية أخرى، وكذلك مع الحكومة المركزية في إسبانيا.

وبعد استفتاء رمزي في نوفمبر 2014، حظرته إسبانيا، فاز الانفصاليون، بزعامة بويجديمونت، بالانتخابات الإقليمية لعام 2015، ثم مضى زعماء الاستقلال في كتالونيا قدماً في استفتاء كامل في الأول من أكتوبر 2017، والذي اعتبرته المحكمة الدستورية الإسبانية غير قانوني بموجب الدستور الإسباني. 

واستناداً إلى السلطة القضائية، أرسلت مدريد إلى كتالونيا آلافاً من رجال الشرطة قبل التصويت، واستولى الضباط على ملايين أوراق الاقتراع وأغلقوا المدارس والمباني الأخرى، لمنع استخدامها كمراكز اقتراع.

لعب بويجديمونت دوراً هاماً في تسريع عملية الاستفتاء، إذ وافق على قوانين تسمح بإجراء استفتاء على الاستقلال والانتقال القانوني وتأسيس جمهورية.

وفي جو محموم، أعلنت الأغلبية الانفصالية في البرلمان الكتالوني الاستقلال في 27 أكتوبر 2017، وباستخدام سلطات الطوارئ المنصوص عليها في المادة 155 من الدستور الإسباني، حلت مدريد البرلمان الكاتلاني، وأقالت قادته ودعت إلى انتخابات مبكرة.

وفرضت مدريد الحكم المباشر على المنطقة بعد فترة وجيزة، وأقالت بويجديمونت والحكومة الكتالونية. وبعد حل البرلمان الكتالوني، أُجريت انتخابات إقليمية جديدة، فيما وُجِّهت اتهامات بالتمرد والفتنة وإساءة استخدام الأموال العامة إلى بويجديمونت، وأعضاء آخرين في حكومته.

وبعد فترة وجيزة من تلك الحادثة، فر بويجديمونت خارج البلاد في صندوق سيارة لتجنب الاعتقال، وأقام في بروكسل بينما سعت الحكومات الإسبانية المتعاقبة إلى تسليمه للمحاكمة.

تصنيفات

قصص قد تهمك