ماسك والاتحاد الأوروبي.. "خصومة سياسية" تهدد استقرار التكتل

متظاهرون يضرمون النار في حاوية للقمامة بالقرب من فندق في روثرهام ببريطانيا. 4 أغسطس 2024 - Reuters
متظاهرون يضرمون النار في حاوية للقمامة بالقرب من فندق في روثرهام ببريطانيا. 4 أغسطس 2024 - Reuters
لندن -بهاء جهاد

شكلت أحداث الشغب الأخيرة في بريطانيا، منعطفاً كبيراً في علاقة الأوروبيين مع منصة "إكس" ومالكها الملياردير الأميركي إيلون ماسك، إذ يبدو أن المستقبل القريب ينذر بخصومة فكرية وسياسية وقانونية بين ماسك وساسة القارة العجوز الذين يقودون السلطة في الوقت الراهن، أي المنتمين إلى تيارات اليسار والوسط بشكل عام.

واستخدم اليمين المتطرف في المملكة المتحدة، منصة "إكس"، في احتجاجاته ضد المهاجرين مطلع الشهر الجاري، فمرر من خلالها دعوات التظاهر والتجمع في مدن ومناطق مختلفة، كما وظفها في تبادل رسائل الحقد والتحريض على الأجانب من جهة، وعلى الشرطة التي يتهمها الشعبويون بالانحياز لصالح الأقليات في البلاد.

ولم يفعل ماسك الكثير لوقف هذا "المحتوى الضار"، كما وصفته بيانات وتصريحات رسمية صدرت من لندن، بل هاجم الحكومة بقيادة كير ستارمر، وشكك في ديمقراطيتها والتزامها بحرية التعبير، مما استدعى ردود فعل منددة من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي تابع مواطنوه الأحداث عن كثب واهتمام.

ولم تتجاهل السلطات في الاتحاد الأوروبي ما جرى في بريطانيا، بوصفه حدث خارج المألوف، وبعيد التأثير عن التكتل، وإنما وضعت نصب عينيها الاستفادة من دروس دعم "إكس" لتيار اليمين المتطرف في المملكة المتحدة، وصاغت منها تحذيرات شديدة اللهجة للمنصة وصاحبها كي لا يتكرر الأمر في فضاء أوروبا الافتراضي.

تأثيرات على استقرار التكتل الأوروبي

قال مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التقنية تييري بريتون، إن بروكسل تأخذ بالاعتبار تعامل "إكس" مع المحتوى المحرض في أعمال الشغب البريطانية، فذلك المحتوى كان مرئياً بكثافة من قبل سكان التكتل، وبالتالي يمكن أن يهدد أمن العائلة المكونة من 27 عضواً، إذا ما تردد عبر حسابات من داخل الاتحاد.

وقبل أحداث الشغب في بريطانيا، كانت "إكس"، تواجه اتهامات أوروبية رسمية بضعف سياساتها إزاء مكافحة "الخطاب المهدد للأمن" استخلصت بعد 7 أشهر من التحقيقات المتواصلة، على ضوء قانون الخدمات الرقمية، الذي يضبط إنتاج ونشر المحتوى الإلكتروني في التكتل، أما اليوم، فالأمر يبدو أكثر قتامة، وفق بريتون.

ولم تعد بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2020، ولكن بريتون يشدد على أن "المحتوى الذي ينتهك قواعد النشر الإلكتروني فيها، شاهده مستخدمون كثر لـ(إكس) في القارة العجوز، وبالتالي يمكن مراعاة أشكال خطاب الكراهية والتحريض في المملكة المتحدة عند الخوض في تحديد العلاقة مع ماسك ومنصته مستقبلاً".

قبل أسبوعين من أحداث بريطانيا، وجه الاتحاد الأوروبي اتهاماً لـ"إكس"، باستخدامه "أنماطاً مظلمة" لجذب مزيد من المشتركين إليه، كما قال التكتل إن المنصة التي كانت تسمى "تويتر" قبل أن يشتريها ماسك بـ 44 مليار دولار عام 2022، قد تمنح العلامة الزرقاء لعملاء مقابل النقود وليس بعد التدقيق وتوثيق هويتهم الحقيقية. 

"القلق الكبير" 

وصنف البعض انتقادات ماسك للحكومة البريطانية خلال تعاملها مع أحداث الشغب بأنها تدخل في خانة "التدخل الخارجي" بشؤون دولة مستقلة، ورأى فيه أخرون "انتقاماً" من أحزاب اليسار والليبراليين بسبب تأييدها لثقافة يتهمها ماسك بدفع ابنه إلى التحول جنسياً، فيما وجده فريق ثالث دعاية مجانية لمنصة "إكس". 

وبغض النظر عن مصداقية تلك الروايات كانت النتيجة هي دعم ماسك لليمين المتطرف في بريطانيا، فقد ظهرت مطالبات باعتقاله، كما يستعد نواب لمسائلته تحت قبة البرلمان خلال شهر سبتمبر المقبل، فيما دعا ساسة إلى مقاطعة "إكس"، وبعضهم مضى أبعد من هذا ليقترح حجبها نهائياً من الفضاء الإلكتروني للمملكة المتحدة.

وقال الصحافي المختص في الشأن الألماني لؤي غبرة، إن أكثر ما أقلق الاتحاد الأوروبي هو دعم ماسك للشعبويين في بريطانيا، فاليمين المتطرف منتشر ومترابط في عموم القارة العجوز كما يشكل تكتلات كبيرة في دول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها، لذا تكمن الخشية في انتقال عدوى احتجاجات هذا التيار إلى دول التكتل.

ويشير غبرة في حديث مع "الشرق" إلى أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" قريب جداً من تطرف الذين خرجوا ضد المهاجرين في المملكة المتحدة، ومن الوارد أن يتأثر عدد كبير من أنصاره بما فعله اليمين المتطرف هناك، خاصة إذا ما فاز الحزب في انتخابات الولايات خلال سبتمبر المقبل، كما أصبح مؤثراً في مناطق ومدن مختلفة.

"صب الزيت على النار" 

الكاتب في صحيفة "لوموند" الفرنسية دامين ليلوب، قال إن ماسك "صب الزيت على نار" احتجاجات اليمين المتطرف في المملكة المتحدة، وأهان رئيس وزرائها كير ستارمر، كما "تعامل بعنجهية" مع مطالب الاتحاد الأوروبي بضبط المحتوى الضار على منصته، وتوجه إلى مفوض الشؤون التقنية في بروكسل بطريقة تعبير سيئة. 

ولفت ليلوب في مقال حديث، إلى أن ماسك سبق له وأن شبه رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو بـ"هتلر" في عام 2022، وحتى اليوم يمارس "عجرفته" وكأنه أكبر من المساْءلة، أو ربما بات قادة وساسة أوروبا والغرب يخشونه بعدما استحوذ على منصة "إكس" وبات يوجه من خلالها مئات الملايين حول العالم وخاصة في أوروبا وأميركا.

ليلوب يشير إلى أن الملياردير الأميركي بات يستخدم "إكس" للترويج لأفكاره اليمينية، وإعادة تفعيل حساب الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترمب على المنصة، ومن ثم استضافته في لقاء أجراه معه ماسك بنفسه، إنما يصب في هذا الاتجاه ويبعث برسائل إلى جميع تيارات الشعبويين في أوروبا والعالم حول أهمية عودة ترمب.

ويشدد ليلوب على أن عودة ترمب إلى البيت الأبيض سوف تشكل دفعة قوية لليمين المتطرف في جميع أنحاء أوروبا، وهذا سوف يضع جميع قوى اليسار والوسط في القارة العجوز، وفي الغرب عموماً أمام اختبار حقيقي وربما تاريخي، وخاصة إذا ما تحولت "إكس" إلى صوت ساكن البيت الأبيض الجديد بعد انتخابات نوفمبر المقبل.

رئيس المركز الأوروبي للدراسات الأمنية جاسم محمد، يقول إن ما فعله ماسك خلال أحداث بريطانيا يقودنا إلى "أن الديمقراطيات الغربية تواجه اليوم حقيقة قاسية مفادها أن البنية التحتية للشفافية وتبادل المعلومات التي أنشأتها لم تعد متوافقة مع قيمها، كما غدت التقنيات التي كان يعتقد أنها غير ضارة بل إيجابية لانتشار الأفكار الليبرالية عرضة لسوء الاستخدام، ويصعب على الحكومات تنظيمها والمحافظة على توازنها".

ويلفت محمد في حديثه مع "الشرق"، إلى أن توتراً يسود اليوم بين حكومات الغرب والتقنيات التي تشكل حجر الأساس لثقافته وسياساته، فالقادة يدركون أهمية التكنولوجيا لكنهم يخشون عدم القدرة على ضبطها، لا تكفي الأدوات المتاحة لتشذيب الفضاء الإلكتروني وإغلاق الإنترنت يدين تاريخ الليبرالية والديمقراطية في هذه الدول، أما المنطقة الرمادية التي كانت دائماً حاضرة بين الخيارين فأصبحت معدومة".   

التعبير والاندماج

تجمع "إكس" أكثر من 110 ملايين مشترك نشط في الاتحاد الأوروبي يستخدمونها لأغراض مختلفة، وبموجب القانون الجديد لتنظيم الإنتاج الرقمي في التكتل عموماً، يجب على المنصّات ومواقع الإنترنت إنشاء نظام للإبلاغ عن "المحتوى الضار" والتصرّف "فوراً" لإزالته تماما أو جعل الوصول إليه مستحيلًا بمجرّد علمها به. 

بالنسبة للملياردير الأميركي، كانت منصته تدعم حرية التعبير في المملكة المتحدة، وبحسب مقال للكاتب إيلون ويلسون، في صحيفة "ذا هيل" الأميركية، لن يربح البريطانيون أو الأوروبيون معركتهم ضد مالك "إكس"، لأنها تتمحور بشأن "ديمقراطية البوح بالآراء ووجهات النظر"، التي توفرت من خلال حرية التغريد بما يختلج في صدورهم.

النائب عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ثورستن فراي، قال لصحيفة "بيلد" الألمانية، إن "ما جرى في بريطانيا يجب أن يأخذ بالاعتبار في أوروبا، فسياسة الهجرة مرفوضة أيضاً من جانب فئات كبيرة من شعوب الاتحاد الأوروبي، واليمين المتطرف يستغل ذلك لتعزيز تطلعاته السياسية، لذا توجب على قادة الاتحاد الأوروبي اليوم "ضبط الهجرة ومراقبة الحدود وتحسين اندماج الأجانب مع المجتمعات المحلية".  

ولم يصدر من قادة الأحزاب اليمينية في الاتحاد الأوروبي، أي تصريحات بشأن أحداث العنف في بريطانيا، وبحسب الباحث في الشأن الأوروبي عيسى مكسميليان لا يستبعد كلا من خيرت فيلدرز في هولندا، وجوردان بارديلا في فرنسا، ونائب رئيس وزراء إيطاليا، ماتيو سالفيني، انتقال تمرد اليمين المتطرف إلى بلادهم، فلا يريدون أن تسجل عليهم اليوم إدانات لفعل حدث في الخارج أمس، وقد يتكرر في الداخل بعد أشهر.

ويلفت مكسميليان في حديثه مع "الشرق"، إلى أن اليمين الشعبوي ينطوي على تجربة سياسية تمتد على عقود من الزمن، ربما أُقصي عن السلطة بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنه لم يندثر وعاد تدريجياً إلى الواجهة عبر شخصيات ونظريات وأحزاب مختلفة، واليوم مع وجود إعلام رقمي وتقليدي داعم لخصومته مع المهاجرين وعوامل أخرى مؤثرة على مستقبل أوروبا، لن يطول به الزمن ليتصدر المشهد ويعود إلى القيادة.  

تصنيفات

قصص قد تهمك