المرشحة الديمقراطية تخطط لبناء 3 ملايين وحدة سكنية في غضون 4 سنوات

كيف تخطط كامالا هاريس لإعادة الثقة في "الحلم الأميركي"؟

المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية كامالا هاريس وزوجها دوج إمهوف والمرشح لمنصب نائب الرئيس حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز وزوجته جوين يقفون على خشبة المسرح في المؤتمر الوطني الديمقراطي. 22 أغسطس 2024 - رويترز
المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية كامالا هاريس وزوجها دوج إمهوف والمرشح لمنصب نائب الرئيس حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز وزوجته جوين يقفون على خشبة المسرح في المؤتمر الوطني الديمقراطي. 22 أغسطس 2024 - رويترز
واشنطن-عزيز عليلو

في الثقافة الأميركية يعد مفهوم "الحلم الأميركي" مرادفاً لامتلاك المنازل، والذي بات تحقيقه أملاً بعيداً عن متناول جزء كبير من الطبقة الوسطى بسبب ارتفاع الأسعار، وتجد فيه المرشحة الديمقراطية في انتخابات الرئاسة كامالا هاريس فرصة لكسب الأصوات، عبر طرح خطة طموحة لزيادة العرض لتقليل المقابل، غير أن هذه الاستراتيجية قوبلت بتشكيك واسع في إمكانية تطبيقها. 

وبالنسبة للعديد من الأميركيين فإن مفهوم امتلاك منزل ليس مجرد هدف مالي بل هو إنجاز، وفق معايير العرف الثقافي المحلي، بحسب ما يشرح الدكتور كينت باوسمان عالم الاجتماع في جامعة ماري فيل.

يقول باوسمان لـ"الشرق"، إن "امتلاك المنازل في الولايات المتحدة نمط شائع لنقل الثروة بين الأجيال ووسيلة لبناء الثروة"، لافتاً إلى أن هذه الأهمية الثقافية تستند إلى الاعتقاد بأن المنزل لا يوفر فقط الاستقرار المالي، "بل أيضاً شعوراً بالانتماء". 

غير أن وضع سوق الإسكان في السنوات الأخيرة دفع هذا الحلم بعيداً عن جزء كبير من السكان المنتمين للطبقتين الوسطى، وذات الدخل الضعيف، إذ كشف استطلاع رأي حديث صدر مطلع 2024 أن 57% من المستأجرين يعتقدون أن الحلم الأميركي بامتلاك منزل قد ضاع، بسبب ارتفاع تكاليف شراء المنازل، ولم يكن سوى 16% من المنازل التي عرضت للبيع في عام 2023 في متناول الأسر الأميركية العادية.

ويعلق عالم الاجتماع بوسمان على هذه المعطيات، بالقول إنها تعكس "النظرة القاتمة التي أصبحت تتفاقم وسط الطبقة الوسطى، التي ترى في امتلاك المنازل وسيلة هامة لتراكم الثروة، وبدونه يشعر الكثيرون بأنهم محاصرون في سجن الاستئجار وغير قادرين على ادخار ما يكفي لامتلاك منزل يوماً ما".

خطة هاريس لـ"الحلم الأميركي"

الخطة التي أعلنت عنها هاريس منتصف أغسطس الجاري، تَعِدُ بحل أحد أهم العراقيل التي يواجهها المشترون لأول مرة، وهي الدفعة الأولى، التي تشكل عبئاً على عدد كبير من المستأجرين الذين لا يستطيعون الادخار.

وفيما تختلف قيمة الدفعة بحسب الولاية وقيمة المنزل، فإن التقديرات تشير إلى أن المعدل التقريبي للدفعة الأولى على الصعيد الفيدرالي يصل نحو 14.4% من قيمة المنزل، ويعادل في المتوسط نحو 35 ألف دولار، بحسب فوربس، كما طرحت تقديم دعم للمشترين لأول مرة بقيمة 25 ألف دولار لمساعدتهم على سداد الدفعة الأولى.

كما تقترح هاريس منح ملاك المنازل لأول مرة خصما ضريبياً بقيمة 10 آلاف دولار، من مقدار الضرائب التي يدين بها المشترون للحكومة. 

على الجانب الآخر، تركز خطة هاريس على زيادة العرض بهدف خفض الأسعار، وتقترح الخطة بناء 3 ملايين وحدة سكنية في غضون 4 سنوات.

ولتنفيذ هذا الهدف الطموح، تقترح خطة هاريس إنشاء صندوق ابتكار جديد بقيمة 40 مليار دولار لتحفيز البناء الابتكاري للإسكان، وتقديم حوافز ضريبية للمطورين الذين يبنون المنازل المخصصة للمشترين لأول مرة، وتوسيع الحوافز الضريبية لبناء الإسكان الإيجاري الميسر، بالإضافة إلى إعادة تخصيص بعض الأراضي الفيدرالية للإسكان الميسر.

كما تقترح الخطة إجراءات لمنع ارتفاع الأسعار، منها حظر أدوات تحديد الأسعار المستندة إلى الخوارزمية التي يستخدمها الملاك لتحديد أسعار الإيجارات، وإزالة المزايا الضريبية للمستثمرين الذين يشترون أعداداً كبيرة من المنازل الفردية بهدف تأجيرها.

كامالا هاريس كررت هذه الوعود خلال خطاب قبول ترشح الحزب الديمقراطي في شيكاجو، الخميس، لكنها ركزت على المبادئ العامة لهذه الخطة بدلاً من التفاصيل، وهو ما دفع أعضاء الحزب الديمقراطي للتعبير عن قلقهم بشأن واقعية هذه الخطة. 

معركة كبيرة في الكونجرس

يجادل الخبراء بأن الوعد الذي قد لا تفي به هاريس هو بناء 3 ملايين وحدة سكنية بحلول 2028، بالإضافة إلى ما كان مخططاً له بالفعل من قبل مطوري العقارات، علماً بأن مجموع الوحدات السكنية الجديدة التي أُكمل بناؤها في البلاد العام الماضي بلغت 1.45 مليون وحدة، وفق مكتب الإحصاء الأميركي.

هذا رقم "مبالغ فيه"، بحسب أستاذ الاقتصاد السياسي جريجوري أفاندليان، الذي يقول لـ"الشرق" إنه "على الأرجح يمكنها بناء 2 مليون وحدة سكنية جديدة فقط خلال أربع سنوات، وليس ثلاث".

وتوقع أفاندليان أن تواجه هذه الخطة معركة كبيرة في الكونجرس من جانب الجمهوريين فضلاً عن معارك أخرى على صعيد الولايات، ما قد يؤخر في الوصول إلى الرقم الذي وعدت به هاريس قبل 2028.

وحذر الخبير من أن الحوافز المادية لمساعدة المشترين على سداد الدفعة الأولى والحوافز الضريبية قد يكون سيفاً ذو حدين، فعلى الرغم من أنه يمكن أن يحفز البناء إلا أنه يخاطر بتفاقم عدم التوازن في السوق عن طريق زيادة الطلب دون زيادة مقابلة في العرض، في حال تأخر بناء الوحدات السكنية الجديدة.

 تيفاني بيرمان-إيزنبرج، الرئيسة التنفيذية لمنظمة كارفور للإسكان الداعم تتفق مع هذا الرأي، وتقول لـ"الشرق" إن "هذا الهدف طموح للغاية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية فسوق العقارات يواجه قيوداً بسبب عوامل متعددة، من ضمنها تكاليف البناء المرتفعة واضطرابات سلاسل الإمدادات بالإضافة إلى نقص في اليد العاملة".

وأشارت إلى أنه على الرغم من أن صندوق الابتكار البالغ قيمته 40 مليار دولار والحوافز الضريبية المقترحة من قبل هاريس قد يحفز تطوير العقارات، "إلا أن التحديات اللوجستية كبيرة جداً وقد تمنع زيادة الإنتاج بهذا الشكل السريع". 

أصل المشكل.. "ليس في باحتي الخلفية"

وأثبتت مدن وولايات أميركية أن زيادة بناء المنازل يؤدي إلى انخفاض قابل للقياس في الأسعار، ففي ولاية ويسكونسن وهي إحدى الولايات المتأرجحة في الانتخابات هذا العام، انضم الديمقراطيون إلى الجمهوريين لتمرير قوانين إسكان تركز على زيادة العرض وتشجيع البلديات على تغيير قواعد استخدام الأراضي المملوكة للحكومة، ما أدى إلى انخفاض ملموس في أسعار العقارات.

غير أن مثل هذه المبادرات تحتاج إلى معارك سياسية لتنفيذها في العديد من الولايات الأميركية الأخرى، على غرار فرجينيا، إذ يعارض السكان والحكومات المحلية بناء وحدات سكنية ميسورة في بعض الأحياء والمناطق، مخافة أن يؤدي ذلك إلى خفض قيمة المنازل بتلك المناطق، وهذه ظاهرة سائدة في الولايات المتحدة تُعرف بظاهرة "Not In My Backyard" أي "ليس في باحتي الخلفية".

باتريك بيل، وهو رئيس جمعية "400 North REALTORS" ، التي تناضل لتغيير التشريعات المحلية المتعلقة بالعقار، وصف خطة هاريس بأنها "مجرد إلقاء الأموال على المشكلة دون معالجة أسبابها الجذرية وهو أمر غير مجدي".

وقال بيل لـ"الشرق" إنه "حتى تُجبر الحكومات المحلية على مراجعة سياسات بالهندسة الاجتماعية المتعلقة باستخدام الأراضي وتقسيم المناطق، ستستمر تكاليف الإسكان في الارتفاع، وسيصبح حلم امتلاك المنازل بعيد المنال لكثير من الناس". 

وأضاف: "على الرغم من أن الجهود تُبذل في المناطق الحضرية لمعالجة أزمة الإسكان، إلا أنه يجب إنهاء الإجراءات المتعمدة التي يقوم بها مسؤولو المدن والمقاطعات في الضواحي والمناطق النائية لوضع سياسات تزيد من تكاليف الإسكان، فهذه السياسات مصممة لتكون استبعادية للطبقة المتوسطة من الطبقة الغنية وهي في الواقع شكل حديث من أشكال التمييز العمراني".

وتقسيم المناطق، أو كما يُعرف بالـ "زونيج" (Zoning)، هو نظام من القوانين واللوائح التي تُستخدم في كل مقاطعة لتنظيم استخدام الأراضي وتحديد أنواع المباني والأنشطة التي يمكن إقامتها في مناطق معينة.

وتُحدد هذه القوانين كيفية استخدام الأراضي في المدن والضواحي، بما في ذلك ما إذا كانت مخصصة للسكن أو التجارة أو الصناعة، وعلى سبيل المثال قد تقيد قوانين تقسيم المناطق بناء المباني السكنية متعددة الطوابق في مناطق معينة أو قد تحدد المساحات الأدنى للمنازل أو تفرض قيوداً على استخدامات أخرى للأراضي، مثل المحلات التجارية أو المصانع.

عالم الاجتماع بوسمان أشار إلى أن هذه القوانين أصبحت وسيلة لتفريق الأغنياء عن الفقراء، على حد قوله، مشيراً إلى أن "أحد التحديات لتنفيذ خطط الإسكان الكبيرة تتمثل في المقاومة المحلية.. هذه المقاومة قوية بشكل خاص في المناطق الأكثر ثراءً حيث غالباً ما يعارض السكان تطوير الإسكان الميسر خوفاً من انخفاض قيمة ممتلكاتهم".

في السياق ذاته، تقول الرئيسة التنفيذية لمنظمة كارفور، وهي منظمة غير ربحية تسعى لتطوير المساكن المبتكرة لإيواء المشردين في مدينة ميامي، إن ظاهرة "ليس في باحتي الخلفية هي أكبر تحدي أمام خطة هاريس".

وتوضح بيرمان-إيزنبرج: "تاريخياً، دائما ما يتطلب زيادة العرض السكني على هذا النطاق الواسع، التغلب على الحواجز المتجذرة على المستوى المحلي، مثل قيود تقسيم المناطق وعقلية (ليس في باحتي الخلفية)، التي غالباً ما تؤدي إلى تباطؤ أو تعطيل تطوير العقارات الجديدة ميسورة التكلفة".

كيف ستمول هاريس الخطة؟

وتسعى هاريس إلى تمويل تكلفة خطة السكن من خلال رفع معدل ضريبة الشركات والضرائب الأخرى المفروضة على الشركات والأثرياء الأميركيين.

وتفرض خطط هاريس ضغوطاً مالية على الميزانية، وتشير تقديرات لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة وهي هيئة مراقبة مالية غير حزبية، إلى أن التدابير التي كشفت عنها هاريس في أجندتها الاقتصادية من شأنها أن تزيد العجز في موازنة الحكومة.

وتحتاج معظم المقترحات في خطة هاريس بما في ذلك تقديم الدعم للمساعدة على سداد الدفعة الأولى إلى موافقة الكونجرس، وهذا الأمر يُتوقع أن يدفع الجمهوريين في الكونجرس لعرقلة خططها، بحسب أستاذ الاقتصاد السياسي جريجوري أفاندليان.

غير أن هذه الوعود التي قدمتها هاريس قوبلت بترحيب من قبل بعض المدافعين عن الإسكان الميسور التكلفة، على غرار ألين فيليز نائب رئيس منظمة الإسكان الميسر في الولايات المتحدة.

يقول فيليز لـ"الشرق" إنه "إذا تمكنت الإدارة المقبلة من فتح حوافز إضافية لمستثمري الائتمان الضريبي والمطورين، أعتقد أن ذلك سيساعد كثيراً في سد فجوة العرض والطلب".

ولفت إلى أن الإعفاء الضريبي على الإسكان لذوي الدخل المنخفض يعتبر "أداة قوية تحظى عادة بدعم قوي من الحزبين، وأي شيء يمكننا فعله لتعزيز هذا البرنامج هو خطوة في الاتجاه الصحيح"، مؤكداً على أهمية صندوق الابتكار البالغ قيمته 40 مليار دولار، والذي يمكن أن يساعد في سد فجوات التمويل في جميع أنحاء البلاد ودعم الحلول المحلية لبناء الإسكان.

تكاليف الإسكان في الولايات المتحدة

تأتي خطة هاريس في وقت برزت فيه مسألة تكاليف الإسكان كقضية رئيسية للناخبين عبر الطيف السياسي، ويرجح أن تلقى خطة هاريس قبولاً وسط الناخبين الشباب والعائلات ذات الدخل المنخفض الذين يرون في امتلاك المنازل حلماً بعيد المنال. 

وتوقعت بيرمان-إيزنبرج أن تلقى خطة هاريس اهتماماً واسعاً من قبل الناخبين من الطبقة العاملة في ولايات متأرجحة حاسمة، من قبيل ميشيجان بالإضافة إلى ويسكونسين وبنسلفانيا، حيث تُعد القدرة على تحمل تكاليف السكن مصدر قلق رئيسي.

وقالت: "إذا لاقت خطة هاريس صدى لدى الناخبين في هذه الولايات، فقد تؤثر بشكل كبير على دعمهم خاصة بين الناخبين الشباب وأولئك الذين يعانون من عدم الأمان السكني، ومع ذلك فإن نجاح الخطة سيعتمد على مدى شعور الناس بجدواها وإمكانية تنفيذها بشكل فعال في الإطار الزمني الموعود".

ومع تزايد الشكوك بشأن ما إذا كان يمكن تحقيق هذه المقترحات الطموحة في الواقع، أشار الخبراء إلى أوجه الشبه بين وعود هاريس المتعلقة بالإسكان وغيرها من المبادرات الديمقراطية البارزة، مثل خطة إعفاء الديون الطلابية، التي واجهت عقبات قانونية وسياسية كبيرة.

غير أن عالم الاجتماع كينت باوسمان استبعد أن يكون لفشل بايدن في تحقيق وعوده بشأن إعفاء ديون الطلاب، أثراً على ثقة الناخبين في وعود هاريس.

وقال باوسمان إن "بايدن حقق جزءاً من وعوده قبل أن توقف المحكمة العليا خططه، والناخبون يصوتون للمرشح الذي يملك رؤية لإصلاح أوضاعهم في حال اتفقوا معها، ويتفهمون صعوبات تحقيقها، لأن ذلك يحتاج موافقة الحزبين، في وقت بلغ فيه الاستقطاب السياسي ذروته".

تصنيفات

قصص قد تهمك