بعد رحلة ممتدة من العمل الدبلوماسي، شيّعت مصر، الثلاثاء، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية وزير الخارجية الأسبق نبيل العربي الذي وافته المنية، الاثنين، عن 89 عاماً، بعد صراع مع المرض.
ونعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الفقيد، كما شارك في تشييعه دبلوماسيون بارزون، في مقدمتهم الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى، ووزيرا الخارجية السابقين سامح شكري ونبيل فهمي.
لَمع نجم نبيل العربي، المولود في مارس 1935، في سلك الدبلوماسية المصرية، عندما عمل مستشاراً قانونياً للوفد المصري خلال مؤتمر كامب ديفيد للسلام، عام 1978، والذي أفضى إلى توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
في تلك المفاوضات، اضطلع نبيل العربي بدور بارز، مدعوماً بحصيلته العلمية في دراسة الحقوق بجامعة القاهرة، ودرجة الدكتوراه في العلوم القضائية من مدرسة الحقوق بجامعة نيويورك.
تنقل بعد ذلك بين أكثر من موقع دبلوماسي، من سفير في الهند بين عامي 1981 و1983، إلى مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف (1987 - 1991)، ثم بمقر المنظمة الأممية في نيويورك حتى العام 1999.
نبيل العربي وقضية طابا
في مذكراته المعنونة: "طابا - كامب ديفيد، والجدار العازل"، يتحدث نبيل العربي عن جهوده في استعادة طابا إلى السيادة المصرية، خلال الفترة من (1983 - 1989). ويقول إن النجاح في مسؤولية ملف استعادة طابا "يمثل أهم إنجاز في حياته المهنية"، حيث أمضى ما يقرب من خمس سنوات مسؤولاً عن هذا الملف، وذلك من نهاية 1983، إلى أن صدر الحكم في 27 سبتمبر 1988 بأحقية مصر في طابا.
وبدأت بعد ذلك جولة جديدة من التفاوض مع إسرائيل إلى أن تحقق الانسحاب النهائي من الأراضي المصرية في مارس 1989.
ويقول العربي في مذكراته، إن الحكومة المصرية أدارت قضية طابا "بأسلوب علمي متحضر على أساس مستوى مهني".
ولم تقتصر تجربة نبيل العربي الدبلوماسية على البعد الوطني، إذ عمل قاضياً بمحكمة العدل الدولية بين 2001 و2006، وكان ضمن فريق المحكمة الذي أصدر، في عام 2004، حكماً تاريخياً يدين بناء إسرائيل الجدار الفاصل مع الضفة الغربية المحتلة.
في مارس 2011، شغل نبيل العربي منصب وزير الخارجية في حكومة عصام شرف بعد سقوط نظام الرئيس الراحل محمد حسني مبارك. وفي مايو من العام نفسه جرى انتخابه أميناً عاماً للجامعة العربية، خلفاً لعمرو موسى، وظل في المنصب 5 أعوام، حتى يونيو 2016.
وبينما كان عمرو موسى يشارك في مراسم الجنازة، الثلاثاء، قال عن زميله الدبلوماسي الراحل، في تصريح خاص لـ"الشرق": "أقدم عزائي للجميع في فقد دبلوماسي رفيع المستوى، والحقيقة أنه أدى واجبه بكفاءة، وإخلاص، ووطنية، أنعى فيه ليس فقط زميلي، ولكن أيضاً صديقي وأخي".
سامح شكري ونبيل العربي
وزير الخارجية المصري السابق، سامح شكري، تحدث لـ"الشرق" عن علاقة ممتدة جمعته بالدبلوماسي الراحل نبيل العربي على مدار 40 عاماً، قائلاً: "تعاملت معه في بداية مشواري الدبلوماسي في الإدارة القانونية بوزارة الخارجية، كما تعاملت معه في نيويورك أثناء فترة وجوده بالأمم المتحدة، وكنا على اتصال أسري، وشملني برعايته ولطفه ودماثة خلقه".
ووصف شكري الوزير الراحل بأنه "أستاذ أجيال في الدبلوماسية المصرية"، مضيفاً: "تتلمذت أنا وأجيال متعاقبة على يديه"، وأشاد بإرث نبيل العربي، مشدداً على أنه "قامة وطنية مرموقة، تأثيرها ومسارها الوظيفي يتحدث عن نفسه على الساحتين العربية والدولية".
أضاف: "أدى نبيل العربي مهامه الوطنية في كل موقع شغله بالسلك الدبلوماسي، وفي مفاوضات طابا من أجل الحفاظ على السيادة الوطنية والتراب الوطني".
نبيل العربي والجامعة العربية
شهدت فترة تولي نبيل العربي منصب الأمين العام للجامعة العربية، تحديات غير مسبوقة، حيث تزامن ذلك مع ما سمي بـ"الربيع العربي" الذي أربك مسار أنظمة الحكم في أكثر من عاصمة عربية.
وفي عهده، تبنت جامعة الدول العربية قراراً بإنشاء "قوة عربية مشتركة"، في مارس 2015، لكن هذا المشروع لم ير النور حتى الآن.
ونشر المتحدث باسم الرئاسة المصرية، الثلاثاء، نعياً على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للدبلوماسي الراحل، تقدم فيه السيسي بخالص العزاء لأسرة الدكتور نبيل العربي، الذي وافته المنية "بعد حياة حافلة بالعطاء لوطنه وأمته العربية".
وكانت وزارة الخارجية والهجرة قد نعت العربي، الاثنين، باعتباره "أحد أعمدة الدبلوماسية المصرية ورموزها المضيئة على مر العصور". وقالت الوزارة إن الفقيد "أفنى حياته مدافعاً عن مصالح وطنه، ورافعاً رايته خفاقة بين الأمم في كافة المحافل الدولية. وسيظل التاريخ شاهداً على الدور الوطني العظيم الذي قام به في ملحمة التحكيم الدولي لاسترداد أرض طابا الغالية إلى السيادة المصرية".