تتوجه روسيا إلى الاجتماع الوزاري لمجلس القطب الشمالي، الذي بدأ الخميس في العاصمة الآيسلندية ريكيافيك، وهي عازمة على التمسك بالدفاع عن مصالحها في المنطقة التي تختزن ثروات طبيعية هائلة، لا سيما من النفط والغاز، ومسؤولوها لا يخفون هذا التوجه، ولا ما ينّم عنه على الأرض، لكي لا يفاوضهم أحد على ما يعتبرونه حقاً لهم.
ويضم المجلس ممثلي البلدان القطبية الثمانية، كندا والدنمارك وفنلندا وآيسلندا والنرويج والسويد والولايات المتحدة، وروسيا، التي ستتولى رئاسة المجلس بين عامي 2021 و2023.
كان رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، وافق أخيراً على برنامج رئاسة روسيا، وعلى وضع خطة عمل لهذه الفترة.
وتعتزم موسكو كجزء من رئاستها للمجلس، تطوير التعاون مع البلدان المشاركة في المنتدى الحكومي الدولي في 4 مجالات ذات أولوية، هي: سكان القطب الشمالي، بما في ذلك الشعوب الأصلية في الشمال، وحماية بيئة القطب الشمالي، بما في ذلك المناخ، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة، وتعزيز دور المجلس.
منطقة نفوذ
وأكد نيكولاي خاريتونوف، رئيس لجنة مجلس الدوما الروسي لسياسة المنطقة وقضايا الشمال والشرق الأقصى الروسي، أن موسكو ستستمر خلال فترة ترؤسها لاجتماعات مجلس القطب الشمالي في الدفاع عن مصالحها.
وقال خاريتونوف، في تصريح خاص لـ"الشرق"، رداً على سؤال عن سياسة موسكو في منطقة القطب الشمالي: "لقد كُنّا هناك، وسنبقى هناك، هذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة لروسيا، ولن نتسامح في حقوقنا مع أي دولة، كما لن نطالب بما ليس من حقنا، كنا رواداً في اكتشاف وتطوير القطب الشمالي في العهد السوفيتي، ثم تم إنجاز الكثير، وخلال فترة روسيا المعاصرة، كان هناك برنامج لتنمية القطب الشمالي".
وبشأن المشروعات المحتملة في منطقة القطب الشمالي، قال خاريتوف إنه "تم بناء مصنع لإنتاج كاسحات الجليد في فلاديفوستوك، في أقصى الشرق الروسي، لتطوير الطريق البحري الشمالي.
مصنع كاسحات جليد
وأضاف: "على الرغم من وجود ارتفاع في درجة الحرارة، وعلى الرغم من التقديرات بأن الممر على طول طريق البحر الشمالي سيكون متاحاً على مدار السنة، إلا أنه من دون كاسحات الجليد التي نمتلكها، لن تكون هناك فرصة لتطويره".
وتابع: "واليوم، بالنسبة لكاسحات الجليد، من حيث توافرها وإنتاجها، روسيا تتقدم على الجميع، لذلك فإن مهمتنا الرئيسية في المحافل الدولية هي حماية مصالحنا، فنحن لن نتعدى على مصالح أي طرف آخر، لكننا في المقابل لن نتنازل عن مصالحنا".
وعلى الرغم من التأكيدات الدولية على ضرورة أن تكون منطقة القطب الشمالي خالية من أي صراع عسكري، فإنها تبقى حتى الآن مكاناً لاستعراض العضلات بين القوى العظمى.
قواعد عسكرية
وتابع في تصريحاته لـ"الشرق": "يستمر تطوير القطب الشمالي، فليس من قبيل المصادفة وجود قواعد عسكرية روسيّة فيه، ولا يوجد بلد في العالم اليوم لديه ما تمتلكه روسيا هناك"، كما "هناك الآن قواعد عسكرية في منطقة مقاطعة أرخانجيلسك الروسية، على مرمى حجر من القطب الشمالي، وجودنا هناك مهم".
وأكد خاريتونوف، أن الوجود العسكري الروسي في منطقة القطب الشمالي سيستمر، معتبراً أنه "ستكون هناك حاجة دائماً لحماية مصالحنا".
وتؤكد السلطات الروسية أنها ستواصل تنفيذ برامج اجتماعية واقتصادية في المنطقة، التي تحتضن حوالي 2.5 مليون نسمة.
صراع على الثروات
وأصبحت المنطقة، التي تقع في ظروف طبيعية استثنائية، منذ بدء عصر النفط منطقة جذابة بالنسبة لاستكشافات الموارد الطبيعية.
وأكد ألكسندر بيلياسوف، مدير مركز الاقتصاد وشمال القطب الشمالي في روسيا، وهو أيضاً أستاذ في "جامعة موسكو" الحكومية، أن منطقة القطب الشمالي غنية بموارد طبيعية، وأن هناك عدداً من الحقول المتنازع عليها من بعض الدول.
وقال بيلياسوف، في تصريحات لـ "الشرق"، رداً على سؤال عن كيفية استخراج روسيا ودول أخرى الموارد الطبيعية الموجودة في القطب الشمالي: "يقرر البلد والشركات التي ستعمل على الاستخراج في المنطقة الاقتصادية المحددة بشكل مستقل كيفية تطوير هذا الحقل، ويدعون المستثمرين الأجانب، هذا هو عمل شركات الموارد الوطنية، وهذا طبيعة العمل في القطب بالنسبة لنا، وللجانب الكندي على سبيل المثال".
وأضاف: "لا توجد أسئلة هنا، تثار الأسئلة في المناطق المتنازع عليها، والتي تبعد أكثر من 200 ميل من ساحل كل بلد (نحو 320 كيلومتراً)، وتتنازع على السيطرة عليها الآن دول مختلفة".
وأوضح أنه أعطى توصيات ونصائح للخارجية الروسية، لتحديد المهمات التي يجب مناقشتها خلال فترة ترؤس موسكو للمجلس.
وذكر بيلياسوف، أن تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية لعام 2009 خلص إلى أن الحقول الواقعة في الجرف البحري لكل من الولايات المتحدة وروسيا تختلف بشكل جذري من ناحية مضمونها، إذ إن الحقول الواقعة في الجرف البحري الأميركي تتمتع بوجود مخزونات كبيرة من النفط، في حين تتمتع الحقول الواقعة في الجرف البحري الروسي بمخزونات كبيرة من الغاز.
اجتماع لافروف وبلينكن
وبات مجلس القطب الشمالي يلعب دوراً إضافياً في تقريب وجهات النظر بين البيت الأبيض والكرملين، إذ كان مكاناً لاجتماع وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والأميركي السابق جون كيري، لبحث الملف السوري في وقت سابق، وكان مكاناً لتحقيق تفاهمات بشأن سوريا على هامش الاجتماعات التي عقدت فيه، أي أنه كان منصة للمفاوضات، في وقت سابق، بحسب بيلياسوف.
وخلص بيلياسوف إلى أن مجلس القطب الشمالي يكرر الآن "التجربة السورية الإيجابية" بحسب وصفه.
ويناقش لافروف، ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن في الاجتماع (وهو أول لقاء على هذا المستوى منذ وصول الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، إلى البيت الأبيض) ملفات كثيرة من بينها مستقبل مشروع "نورد ستريم – 2" والقمة المرتقبة المحتملة بين الرئيسين، فلاديمير بوتين وجو بايدن وقضايا أخرى.