يفكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعيين برنار كازنوف رئيساً للحكومة، وهو الذي شغل هذا المنصب (2016-2017) خلال ولاية الرئيس السابق فرانسوا هولاند.
ورغم اعتبار الإليزيه أن تعيين كازنوف رئيساً للحكومة "أمر جدي" و"ممكن"، إلا أن تلويح اليسار برفضه، على غرار حزب "فرنسا الأبية" و"حزب الخضر"، ينذر باستمرار الأزمة السياسية في فرنسا.
وسيستقبل ماكرون هذا الاثنين في الإليزيه كازنوف، مع عدد من المسؤولين الفرنسيين السابقين، في إطار مشاورات تهدف إلى تعيين رئيس جديد للوزراء، وتجنب الانسداد السياسي الذي تعيشه باريس منذ انتخابات يوليو الماضي، والتي أفرزت فوز اليسار بقيادة "الجبهة الشعبية الجديدة".
واعتبرت وسائل الإعلام الفرنسية أن برنار كازنوف هو الأوفر حظاً لشغل منصب رئيس الوزراء، خصوصاً وأن معسكر ماكرون أصبح مقتنعاً بشكل أكبر من أن هذا المنصب لن يكون من نصيبه.
ويعتبر كازنوف مرشحاً مثالياً للوسط الفرنسي، إذ أنه غادر الحزب الاشتراكي في عام 2022، وعارض تحالف "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد" (NUPES) في 2022، مع حزب "فرنسا الأبية" الذي يقوده جان لوك ميلانشون.
وفي الوقت الحالي، يدعم "الحزب الاشتراكي" وحزب "فرنسا الأبية" وحزب "الخضر" و"الحزب الشيوعي" رسمياً ترشيح لوسي كاستيه (37 عاماً) لرئاسة الحكومة. ولكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عارض ترشيحها بدعوى "الاستقرار المؤسسي" في البلاد.
وقال المنسق العام لحزب "فرنسا الأبية" مانويل بومبارد لقناة BFMTV، الأحد، إن "برنار كازنوف لا يحظى بدعم أي من الأحزاب اليسارية الأربعة في البلاد"، مضيفاً: "سنفرض رقابة على أي حكومة غير حكومة لوسي كاستيه".
غضب داخل اليسار
ويثير بيرنار كازنوف غضب قسم كبير من اليسار الفرنسي، خصوصاً بسبب قانون عام 2017 والذي منح الشرطة الفرنسية الضوء الأخضر لاستخدام الأسلحة النارية. ويتهمه البعض بأن هذا القانون كان سبباً في قتل نائل المرزوقي (17 عاماً) في 2023، والذي أشعل احتجاجات كبيرة في فرنسا.
ويأتي العداء بين "حزب الخضر" وكازنوف، بشكل خاص منذ وفاة الناشط ريمي فريس على سد سيفينز (تارن)، خلال اشتباكات مع الشرطة في عام 2014، وهو الحادث الذي أشارت إليه أيضاً الوزير السابقة للبيئة سيجولين رويال في حديثها لإذاعة RTL، الأحد، إذ قالت: "كان برنارد كازنوف وزيراً للداخلية، وكنت وزيرة للبيئة، أخبره الكثير منا أن سد سيفينز غير قانوني، وأنه سينتهي بشكل سيئ"، مشيرة إلى ما وصفته بـ"التفكير الجامد" لزميلها السابق في الحكومة.
ومن جانب "فرنسا الأبية"، فإن مشاركة برنار كازنوف في حكومة هولاند، والتي شغل فيها منصب وزير الدفاع (2014-2016) إلى جانب إيمانويل ماكرون عندما كان وزيراً للاقتصاد والصناعة (2014-2016)، هي المرفوضة بشكل خاص.
وقالت رئيسة مجموعة "فرنسا الأبية" في البرلمان ماتيلد بانو لـ"فرانس إنفو"، الجمعة، إن "أحد الأشياء التي ألحقت أكبر قدر من الضرر باليسار في السنوات الأخيرة هو ولاية فرانسوا هولاند لمدة خمس سنوات"، مضيفة: "حاولنا أن نُفهم الناس أنه سواء اليسار أو اليمين، فإن السياسات كانت نفسها على أي حال".
صرامة أقل داخل الحزب الاشتراكي
وأظهر الاشتراكيون صرامة أقل من زملائهم في "الجبهة الشعبية الجديدة"، إذ أظهروا انقسامات بشأن كازنوف، زميلهم السابق في الحزب.
ولكن رئيس "الحزب الاشتراكي" أوليفييه فور، رفض إمكانية تعيين شخص "يفرضه" إيمانويل ماكرون. وقال خلال اجتماع الجمعة: "إذا اختار طرف الذهاب مع اليمين، فسوف يصبح يمينياً"، لكن بعض المعارضين داخل الحزب الداعين للانفصال عن "فرنسا الأبية"، أظهروا انفتاحاً أكبر.
وقال السيناتور عن الحزب الاشتراكي رشيد تمال لوكالة "فرانس برس": "إذا كانت هناك حكومة على رأسها شخصية من اليسار على سبيل المثال، وتنتهج السياسة التي نريدها (...) فسندعمها، في كل مرة تكون على الطريق الصحيح".
ونقل موقع "قنوات فرنسا" عن عضو من الحزب الاشتراكي في البرلمان الأوروبي قوله، السبت: "يمكن لبرنار كازنوف أن يحشد دعماً من حزب الخضر"، مشيداً بـ"خبرته".
وقدّرت رئيسة بلدية باريس آن هيدالجو، التي لم تكن مؤيدة لـ"الجبهة الشعبية الجديدة"، أن وصول برنار كازنوف إلى قصر "ماتينيون" سيكون "ذو مصداقية وجدية".
وأضافت هيدالجو في مقابلة مع صحيفة "واست فرانس"، السبت، أنه "مع كازنوف سيكون هناك تعايش حقيقي، وهذا ما نحتاجه، إلا إذا أردنا الاعتماد على تصويت الفرنسيين"، في إشارة إلى إمكانية تنظيم انتخابات أخرى.
خطر انقسام "الجبهة الشعبية الجديدة"
وإذا تم تعيين كازنوف، فإنه سيواجه مهمة معقدة تتمثل في الحصول على الدعم داخل الجمعية الوطنية (البرلمان) المقسمة، فحتى لو تمكن من حشد دعم جزء من "الجبهة الشعبية الجديدة"، التي تملك 193 نائباً، إلا أنه سيكون بعيداً عن أغلبية 289 الحاسمة.
ويمكن أن يساعد حشد جزء من النواب الاشتراكيين في حصول كازنوف على منصب رئيس الوزراء، إلا أنه قد يضر بشكل كبير اتحاد أحزاب اليسار.
وقال جان لوك ميلينشون في تدوينة على موقعه الإلكتروني، الخميس، إن "تعيين برنار كازنوف من شأنه أن يتسبب بضرر في صفوف الحزب الاشتراكي داخل البرلمان، وهذا من شأنه أن يضعف بشكل تلقائي الجبهة الشعبية الجديدة".
كما هاجم العضو السابق في فرنسا الأبية كليمنتين أوتان "أولئك الذين يقبلون منصب رئيس الوزراء، دون موافقة الجبهة الشعبية الجديدة، ما من شأنه أن يتسبب في أزمة داخل الحزب الاشتراكي".