"صانع ملوك".. اليمين المتطرف أكبر المستفيدين من تعيين بارنييه رئيساً لوزراء فرنسا

رئيس الوزراء الفرنسي المعين حديثاً ميشيل بارنييه يصافح رئيس الوزراء المنتهية ولايته جابرييل أتال في قصر ماتينيون باريس، 5 سبتمبر 2024 - Reuters
رئيس الوزراء الفرنسي المعين حديثاً ميشيل بارنييه يصافح رئيس الوزراء المنتهية ولايته جابرييل أتال في قصر ماتينيون باريس، 5 سبتمبر 2024 - Reuters
دبي-الشرق

عين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، ميشيل بارنييه، المفاوض الأوروبي السابق في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، رئيساً للوزراء، بضمانات من اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، بعدم إسقاط حكومته، وذلك رغم فوز الجبهة اليسارية الجديدة في الانتخابات المبكرة التي جرت هذا الصيف.

ووجه رئيس الوزراء الفرنسي الجديد نداءً إلى الفصائل السياسية في البلاد للعمل معاً من أجل تجاوز الاضطرابات التي تسببت في الكثير من الفوضى على مدار الشهرين الماضيين.

وتعهد بارنييه بالتركيز على القضايا المهمة لليمين المتطرف مثل الأمن والحد من الهجرة في إشارة إلى الأولويات المركزية لحزب مارين لوبان، رغم أنه لم يذكرها بالاسم.

ونقلت "بلومبرغ" أن بارنييه عقد جلسة عمل، هي الأولى من نوعها، مع لوبان، الجمعة،  إذ يواصل التشاور مع الزعماء السياسيين، وكذلك رؤساء الوزراء السابقين.

 ويتمتع حزب مارين لوبان بقدر غير مسبوق من النفوذ منذ الدعوة إلى انتخابات مبكرة في يونيو. وكانت لوبان شخصية مؤثرة في المفاوضات التي جرت هذا الأسبوع الماضي، لاختيار رئيس الوزراء الجديد.

وذكرت أن بقاء حكومة بارنييه المستقبلية يعتمد على حسن نية حزب "التجمع الوطني"، الذي احتل المركز الثالث في الانتخابات المبكرة التي جرت هذا الصيف.

وقال بارنييه خلال خطاب ألقاه الخميس في باريس عندما بدأ وظيفته الجديدة: "هذه صفحة جديدة في تاريخ فرنسا، وهذا شيء نحتاج إلى تناوله بروح من التواضع".

وأضاف أن الأمر سيتطلب قدراً كبيراً من الاستماع، فضلاً عن الاحترام بين الحكومة والبرلمان، واحترام جميع القوى السياسية.

"صانع ملوك فرنسا"

وبرز التجمع الوطني كـ"صانع ملوك" في المفاوضات الشاقة التي قادها ماكرون في الإليزيه، إذ عارض تنصيب عدد من الشخصيات السياسية الأخرى التي تم الترويج لأسمائها لرئاسة الوزراء، لكن المسؤولين من أقصى اليمين كانوا أكثر دقة بشأن بارنييه، قائلين إنهم يستطيعون الانتظار لمعرفة السياسات التي يقترحها، وفق مجلة "بوليتيكو".

وقالت لوبان على منصة "إكس": "نطالب رئيس الوزراء الجديد باحترام 11 مليون فرنسي صوتوا للتجمع الوطني، وأن يحترمهم ويحترم أفكارهم. سنولي اهتماماً وثيقًا لسياساته، وسنكون يقظين لضمان سماع واحترام تطلعات ناخبينا، الذين يمثلون ثلث الشعب الفرنسي".

وبعد وقت قصير من تعيين بارنييه، دعت رئيسة الجمعية الوطنية (البرلمان)، يائيل براون بيفيه، إلى عقد جلسة استثنائية لرئيس الوزراء الجديد لتقديم أولوياته ومواجهة أسئلة المشرعين.

وسرد بارنييه أولوياته بما في ذلك تحسين الخدمات العامة والتعليم والأمن والسيطرة على الهجرة ومستويات المعيشة. لكنه قال أيضاً إن رئيس الوزراء يجب أن يواجه "الحقائق الصعبة"، بما في ذلك الديون المالية والبيئية لفرنسا.

ويواجه بارنييه تحدياً أولوياً يتمثل في تشكيل حكومة يمكنها سد الخلافات الأيديولوجية بين الكتل اليسارية واليمينية والوسطية في البرلمان. وسيكون تحقيق التوازن أمراً بالغ الأهمية لضمان الصمود في وجه تصويت حجب الثقة لاعتماد ميزانية 2025 بسلاسة في الأسابيع المقبلة، وفق "بلومبرغ".

ومن المرجح أن تكون "الجبهة الشعبية الجديدة"، التي خاضت حملتها الانتخابية على أساس زيادة هائلة في الإنفاق، أكبر عقبة أمام بارنييه في التوصل إلى إجماع بشأن المالية العامة.

وانتقد بعض قادة الجبهة قرار ماكرون بعدم تعيين مرشحة التحالف اليساري، لوسي كاستيتس، ووصفوه بأنه "إنكار للديمقراطية"، وقال آخرون إنهم سيقترحون على الفور التصويت على إسقاط حكومة ليست من صفوفهم.

وسيحتاج بارنييه إلى الدعم الضمني من أقصى اليمين لضمان عدم الإطاحة بحكومته على الفور، فالائتلاف المؤيد لماكرون والمجموعة الجمهورية اليمينية المحافظة التي من المرجح أن تدعم رئيس الوزراء الجديد لديها 213 مقعداً فقط، وهو أقل بكثير من 289 مقعداً اللازمة للأغلبية.

وقال السيناتور الوسطي وحليف ماكرون هيرفي مارسيلي في مقابلة مع صحيفة لوموند: "مارين لوبان تمنح قبلة الحياة للحكومة المقبلة. التجمع الوطني لديه 142 مشرعاً، لا يمكنك تجاهلهم".

ورغم أن "التجمع الوطني" خسر الانتخابات البرلمانية التي كان من المتوقع أن يفوز بها، وأضاع فرصة إدارة فرنسا، فقد برز الآن باعتباره "صانع الملوك في البلاد"، وفق "بوليتيكو".

وشهدت المفاوضات الشاقة لتعيين رئيس وزراء جديد بروز أسماء وشخصيات من قبيل القيادي في حزب الجمهوريين اليميني كزافييه برتراند، الذي كسب تأييد يمين الوسط، وعبّر عن رغبته في العمل معه خلال جلسة مع ماكرون، الثلاثاء.

وفي وقت لاحق من الثلاثاء، اتصل ماكرون بزعيمة اليمين المتطرف، وفقاً لمسؤول حكومي، إذ ناقش الاثنان ترشيح برتراند وكذلك رئيس الوزراء الفرنسي الاشتراكي السابق برنار كازنوف، وهو من المرشحين الأوائل الذين تلاشت آفاقهم بحلول الاثنين، وفق "بوليتيكو".

ونقلت المجلة أنه "ليس من الواضح ما قيل بين لوبان وماكرون بشأن برتراند، لكن بينهما عداوة شديدة. فقد تفاخر برتراند ذات يوم بأنه "حطم فكي" اليمين المتطرف في معقل لوبان الشمالي بعد هزيمته لها في السباق لقيادة منطقة أوت دو فرانس".

وهدد "التجمع الوطني" برفض حكومة برتراند "على الفور" بغض النظر عن سياساته، وهو احتمال لا يستطيع ماكرون تحمله. وكان من المرجح أن يدعم اليسار جهود اليمين المتطرف لإفشال برتراند، وبالتالي انهيار حكومته المستقبلية. وهكذا، عيّن ماكورن بارنييه وهمّش برتراند، وفق "بوليتيكو".

قلق في معسكر ماكرون

وأثارت تعاملات ماكرون مع التجمع الوطني قلقاً في معسكره. بعد حل البرلمان في أعقاب الأداء المهيمن لليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية خلال يونيو الماضي، خاض الرئيس الفرنسي حملة لإبقاء المتطرفين خارج السلطة في باريس، لكنه اليوم وضع الحكومة المستقبلية في قبضة لوبان ورفاقها، حسب "بوليتيكو".

وقال أحد المشرعين من الوسط إن تطورات الخميس، "لا تتوافق مع روح الجبهة الجمهورية"، في إشارة إلى ميثاق تقليدي بين الأحزاب الرئيسية لإبقاء اليمين المتطرف خارج السلطة. وقال المشرع إن مصير بارنييه كان في الواقع "في قبضة التجمع الوطني".

وألقى نائب برلماني آخر من حزب ماكرون باللوم على اليسار لفشله في "التفكير خارج الصندوق".

وبعد المشاحنات الداخلية في البداية، طرحت "الجبهة الشعبية الجديدة" مرشحتها الخاصة، الموظفة المدنية لوسي كاستيتس البالغة من العمر 37 عاماً، لمنصب رئيس الوزراء، مصرة على أن احتلالها للمركز الأول منحها الحق في الاختيار.

وسارع ماكرون إلى رفض ترشيح كاستيتس بداعي الاستقرار المؤسسي، وتوقع أنها لن تنجو من تصويت بحجب الثقة في الجمعية الوطنية المنقسمة.

لكن مارين تونديلييه، زعيمة حزب الخضر، قالت إن ماكرون "ذهب بحثاً عن شخصية كانت أبعد وأبعد إلى اليمين" لإرضاء التجمع الوطني وضمان عدم انتقاده للحكومة المقبلة".

وقالت: "لقد كان يتقرب باستمرار من أقصى اليمين".

تصنيفات

قصص قد تهمك