تقرير: اتفاق غزة على "الإنعاش" وبايدن قد يغادر منصبه دون إتمامه

الرئيس الأميركي جو بايدن يغادر البيت الأبيض في العاصمة واشنطن. 6 سبتمبر 2024. - Bloomberg
الرئيس الأميركي جو بايدن يغادر البيت الأبيض في العاصمة واشنطن. 6 سبتمبر 2024. - Bloomberg
دبي-الشرق

تعرضت جهود الرئيس الأميركي جو بايدن، التي استمرت لعدة أشهر من أجل التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة "حماس" لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين، لانتكاسة جديدة في الأيام الأخيرة، ما وضع الصفقة على "أجهزة الإنعاش"، إذ يقول المسؤولون الأميركيون إنهم أجلوا خطتهم لتقديم اقتراح للجانبين "إما بقبول الصفقة أو رفضها" إلى أجل غير مسمى، حسبما أفادت صحيفة "واشنطن بوست".

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "حماس" قدمت مطلباً جديداً في وقت سابق من هذا الأسبوع جعل الاتفاق بعيد المنال بشكل أكبر في الوقت الحالي. في حين أشارت الصحيفة إلى أن المفاوضات كانت قد تعثرت بالفعل بسبب المطالب التي قدمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل عدة أسابيع.

وكان الطرفان اتفقا، بشكل مبدئي، على أنه في مرحلة معينة ستفرج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين يقضون عقوبة السجن مدى الحياة مقابل إطلاق "حماس" سراح جنود إسرائيليين، لكن هذا الأسبوع، قالت الحركة إنه يجب مبادلة هؤلاء الأسرى بالمحتجزين المدنيين أيضاً، وهو ما وصفه مسؤول الإدارة الذي تحدث إلى "واشنطن بوست" بتكتيك "حبة السم".

ويشير مصطلح "حبة السم" في المفاوضات إلى محاولة أحد الطرفين تعطيل أو تعديل مسار الصفقة عن طريق إدخال شروط أو مطالب غير مقبولة للطرف الآخر لتفادي تقديم تنازلات تهدد موقفه، ويعتبرها غير مقبولة.

ورأت الصحيفة الأميركية أن فرص بايدن في إنهاء الحرب المستمرة منذ 11 شهراً في غزة وإعادة المحتجزين المتبقين قبل مغادرته منصبه باتت بعيدة المنال بشكل متزايد، ما يزيد من احتمال انتهاء فترة رئاسته دون التوسط لإنهاء الصراع الذي طغى على عامه الأخير في منصبه، ويهدد بتشويه إرثه.

وذكرت الصحيفة، في تقرير نشرته السبت، أن العقبة الأخيرة، المتمثلة في إدخال "حماس" المفاجئ لمطلب جديد يتعلق بالأسرى الفلسطينيين الذين ستفرج عنهم إسرائيل، تسلط الضوء على العملية المحبطة، والمؤلمة في كثير من الأحيان، التي شغلت كبار المسؤولين الأميركيين، وبايدن نفسه، على مدى 9 أشهر.

ويخشى المفاوضون الآن بشكل متزايد أن يكون الاتفاق بات بعيد المنال، إذ لم يتراجع نتنياهو عن موقفه بشأن ممر فيلادلفيا، على الرغم من الضغوط المتزايدة من مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج، بحسب الصحيفة.

إسرائيليون يتظاهرون ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمطالبة بالإفراج عن الرهائن في غزة، تل أبيب، إسرائيل. 3 سبتمبر 2024
إسرائيليون يتظاهرون ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمطالبة بالإفراج عن المحتجزين في غزة، تل أبيب، إسرائيل. 3 سبتمبر 2024 - REUTERS

وتابعت: "حتى إذا وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي على المرحلة الأولى من الصفقة، فإن المفاوضين لا يثقون من أنه سيقبل المرحلة الثانية التي تتضمن نهاية دائمة للحرب".

عودة إلى الخلف

وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة اعتقدت، إلى جانب قطر ومصر، أن التوصل إلى اتفاق بات قريباً في عدة نقاط مؤخراً، لكن كانت تتم عرقلة المحادثات بمطالب جديدة من قبل إسرائيل أو "حماس"، ما كان يعيد المفاوضين إلى الوراء لأسابيع أو حتى شهور.

ووفقاً للصحيفة، فإن المفاوضين يخشون بشكل متزايد من أن إسرائيل و"حماس" ليس لديهما دافع حقيقي للتوصل إلى اتفاق، فيما يقول مسؤولو البيت الأبيض وأعضاء الكونجرس والدبلوماسيون، إن وقف إطلاق النار هو المفتاح ليس لمعالجة الوضع الإنساني المأساوي في غزة وإطلاق سراح المحتجزين المتبقين فحسب، ولكن أيضاً لتجنب حرب إقليمية أوسع نطاقاً.

ونقلت "واشنطن بوست" عن السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، وهو عضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، قوله: "في معظم الأيام، يبدو من الواضح أن الأميركيين يعملون بجدية أكبر من الحكومة الإسرائيلية في هذا الشأن".

وأضاف: "أعتقد أن وقف إطلاق النار ليس نتيجة مرجحة للغاية بسبب الحسابات السياسية التي يقوم بها كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحماس".

وقالت الصحيفة إن السؤال الأكبر والأكثر إلحاحاً الذي يخيم على المحادثات الآن هو عدد المحتجزين، البالغ عددهم حوالي 100 في غزة، الذين مازالوا على قيد الحياة، إذ يعتقد المسؤولون الأميركيون أن عدداً من المحتجزين الأميركيين السبعة المتبقين في القطاع ما زالوا على قيد الحياة، ويمكن إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من صفقة مكونة من 3 مراحل، إلى جانب "عدد كبير" من المحتجزين الأحياء، وفقاً للمسؤول الكبير في الإدارة.

وعلى الرغم من رغبتهم في طرح اقتراح على الجانبين "إما بقبول الصفقة أو رفضها"، فإن مسؤولي إدارة بايدن يؤكدون أنهم سيواصلون العمل نحو التوصل إلى صفقة طالما أنهم يعتقدون أن هناك فرصة حتى لو كانت ضئيلة.

لغز نتنياهو

يريد بعض مستشاري بايدن منه أن يمارس المزيد من الضغوط على نتنياهو، الذي يتهمه المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم بتخريب المفاوضات، وكشفت الصحيفة أنه كان هناك العديد من النقاشات داخل البيت الأبيض بشأن ما إذا كان ينبغي الحديث عن رئيس الوزراء الإسرائيلي علناً باعتباره عقبة رئيسية أمام التوصل إلى اتفاق، لكن الأمر أصبح أقل احتمالاً بعد سقوط 6 محتجزين، الأسبوع الماضي، وفقاً لما نقلته "واشنطن بوست" عن عدة أشخاص مطلعين على المناقشات.

وذكرت الصحيفة أن حرب إسرائيل على قطاع غزة طغت إلى حد كبير على العام الأخير من رئاسة بايدن، والتي خاض فيها صراعات خاصة وعلنية مع نتنياهو بشأن قضايا تتراوح من المساعدات الإنسانية إلى الوفيات بين المدنيين.

ويرى السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، وهو عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أن البيت الأبيض لم يمارس الضغوط الكافية على نتنياهو، مضيفاً أنه "من خلال عدم انتقاد تعنته أعطوه غطاءً سياسياً لمواصلة المماطلة.. عدم انتقاد الإدارة له بشكل أكثر وضوحاً يمثل لغزاً بالنسبة لي".

وعندما سُئل الرئيس الأميركي، هذا الأسبوع، عما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يبذل ما يكفي من الجهد للتوصل إلى اتفاق، أجاب بـ"لا"، لكنه، في نفس الوقت، تجنب معاقبة نتنياهو من خلال فرض شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل، على سبيل المثال.

وقالت الصحيفة إن نفاد صبر بايدن مع نتنياهو، وخاصةً بشأن رفض إسرائيل السماح بإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية حينما كان شمال غزة على حافة المجاعة، وصل إلى نقطة الانهيار في الأول من أبريل الماضي، عندما قتلت غارة جوية إسرائيلية 7 عمال إغاثة في منظمة "المطبخ المركزي العالمي"، مضيفة أنه حينها بات واضحاً بالنسبة للرئيس الأميركي أن إسرائيل لم تفعل ما يكفي لحماية عمال الإغاثة في غزة أو تخفيف المعاناة هناك، وفقاً لعدة أشخاص مطلعين على تقييم الرئيس.

وفي مكالمة هاتفية مع نتنياهو بعد أيام من الهجوم المميت، هدد بايدن بإعادة تقييم النهج الأميركي بالكامل تجاه الحرب إذا لم يقم رئيس الوزراء الإسرائيلي بإجراء تغييرات فورية، بما في ذلك فتح عدد من الموانئ والمعابر للسماح بدخول المزيد من المساعدات، وفقاً لمسؤول كبير في الإدارة اطلع على تفاصيل المكالمة.

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن إسرائيل أجرت بالفعل التغييرات التي طالب بها الرئيس الأميركي، ولكنها شنت، في نفس الوقت تقريباً، غارة جوية على مقر القنصلية الإيرانية في سوريا؛ ما أسفر عن سقوط 7 من كبار أعضاء الحرس الثوري الإيراني، ولم يتم إخطار المسؤولين الأميركيين بالهجوم بشكل مسبق، ما دفع البيت الأبيض إلى بذل جهود مكثفة لتفادي هجوم إيراني على المواقع الأميركية ومنع وقوع حرب بين طهران وتل أبيب.

وساعدت الولايات المتحدة، إلى جانب العديد من حلفائها في إحباط هجوم إيراني انتقامي على إسرائيل، استخدمت فيه طهران أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار، ثم حث المسؤولون الأميركيون، إسرائيل على عدم تصعيد الوضع بشكل أكبر بعد ذلك، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.

وفي النهاية اختارت إسرائيل تنفيذ ضربة دقيقة صغيرة على منشأة إيرانية خارج مدينة أصفهان، وأخبرت المسؤولين الأميركيين أنها لن تؤكد ذلك علناً حتى تتمكن طهران من "حفظ ماء الوجه وخفض التصعيد"، وفقاً لمسؤول كبير في الإدارة.

اقرأ أيضاً

وزير خارجية إيران يرفض الاعتراف بوقوف إسرائيل وراء هجوم أصفهان

رفض وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الاعتراف بأن إسرائيل كانت وراء الهجوم الأخير على بلاده، الجمعة، ساخراً من الأسلحة التي تم استخدامها

وبحلول 27 مايو الماضي، بدا أن المفاوضات حظيت بفرصة جديدة، وبعد 4 أيام، في 31 مايو، ألقى بايدن خطاباً من البيت الأبيض عرض فيه الاقتراح الإسرائيلي، وكان الهدف من ذلك، وفقاً لكبار المسؤولين في الإدارة ومستشاريها الخارجيين، هو محاصرة نتنياهو سياسياً وضمان عدم قدرته على التراجع عن الاتفاق، فضلاً عن بناء الدعم الدولي والضغط على "حماس" من أجل التوصل إلى اتفاق.

وفي الثاني من يوليو الماضي، وافقت "حماس" لأول مرة على اقتراح مرحلي لا يبدأ بوقف دائم لإطلاق نار، وعلى الرغم من أن الحركة كان لديها مطالب أخرى، وفقاً للمسؤولين الكبار الذين تحدثوا إلى الصحيفة، فإن المفاوضين شعروا بأنهم باتوا يقتربون من التوصل لصفقة.

لكن كل ذلك انهار في السابع والعشرين من يوليو الماضي، عندما أعلن نتنياهو عن مجموعة من المطالب التي أدت إلى إخراج المحادثات عن مسارها مرة أخرى، وكان أبرزها إصراره على بقاء القوات الإسرائيلية على طول ممر فيلادلفيا، وهي القضية التي لم تكن في السابق جزءاً صريحاً من المحادثات. 

وبعد أيام، شنت إسرائيل غارة جوية اغتالت فيها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، والتي أدانها المسؤولون الأميركيون سراً باعتبارها غير مفيدة للمحادثات، لأن هنية كان يلعب دوراً مهماً في مفاوضات وقف إطلاق النار.

تكلفة تأخر الاتفاق

واعتبرت "واشنطن بوست" أن تكاليف التأخر في التوصل لاتفاق باتت تبدو واضحة، إذ قتلت إسرائيل نحو 4 آلاف فلسطيني منذ أن طرح بايدن الاقتراح في مايو الماضي، وظهر شلل الأطفال في غزة لأول مرة منذ 25 عاماً، وأُجبر سكان القطاع على الانتقال إلى مناطق إنسانية أصغر فأصغر، بينما لا يزال تدفق الضروريات الأساسية متوقفاً أو عشوائياً في أفضل الأحوال.

وداخل البيت الأبيض، أدى خبر سقوط المحتجزين الستة، وخاصةً جولدبرج بولين، الذي أصبح والداه، راشيل جولدبرج بولين وجون بولين، معروفين جيداً لدى بايدن وكبار مسؤوليه، الذين كان العديد منهم يتبادلون الرسائل النصية معهما بانتظام مع استمرار المفاوضات، إلى تسليط الضوء على مدى تأثير الفشل في التوصل إلى اتفاق، إذ استخدم المسؤولون مصطلحات مثل "غاضب" و"مفزع" لوصف خبر وفاته.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في إدارة بايدن قوله: "كان المزاج السائد حينها هو: ليس لدينا اتفاق، ولدينا الآن 6 محتجزين قتلى، وكلنا لا نبذل ما يكفي من الجهد".

ويقول مسؤولون أميركيون إن التفاوض مع حماس أثبت أنه صعب، إذ أن زعيمها في غزة، يحيى السنوار، هو فقط مَن يمكنه التوقيع نيابة عن الحركة، كما أنه لا يزال من غير الواضح مدى دوافعه للتوصل إلى اتفاق.

ونقلت الصحيفة عن إيفو دالدر، وهو السفير لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما: "لا يمكنك أن تكون وسيطاً بين طرفين عندما تريد شيئاً أكثر مما يريده هذان الطرفان"، مضيفاً: "عدم وجود بديل لا يعني أن هذه الاستراتيجية ناجحة، ففي مرحلة ما عليك أن تقرر أن هذه الاستراتيجية غير ناجحة".

تصنيفات

قصص قد تهمك