تدخل حملات انتخابات الرئاسة الأميركية أمتارها الأخيرة مع اقتراب نهاية فصل الصيف، وسط تصاعد التجاذبات السياسية، حيث تجد المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس نفسها في موقف معقد نسبياً، قبل المناظرة الحاسمة المرتقبة، الثلاثاء، مع منافسها الجمهوري دونالد ترمب.
ومع تقلب السباق بين التقدم الطفيف والتعادل والتراجع، تتأهب حملة هاريس منذ أسابيع لتبني نهج غير مألوف وهو تصوير نائبة الرئيس على أنها "الطرف الأضعف".
"نحن الطرف الأضعف في هذا السباق"، كما كتبت جين أومالي ديلون، مديرة حملة هاريس، في مذكرة داخلية، وهي عبارة تعكس الحذر الذي يحيط بالحملة، رغم أنها نُشرت بالتزامن مع تصدر المرشحة الديمقراطية مؤشرات استطلاع الرأي الوطنية.
وأشارت مديرة حملة هاريس في المذكرة الداخلية، إلى أن الحملة تدخل المرحلة الأخيرة من السباق باعتبارها "الطرف الأضعف، على الرغم من تقدمنا في بعض الاستطلاعات، لا يزال ترمب يحتفظ بقاعدة دعم قوية ومتحمسة، ونحن بحاجة إلى مواصلة العمل من دون كلل لضمان الفوز".
وقال تود بيلت مدير برنامج الإدارة السياسية في جامعة جورج واشنطن لـ"الشرق"، إن "هذه الاستراتيجية ليست فقط وسيلة لتجنب الاسترخاء الانتخابي، بل أيضاً محاولة متعمدة للحفاظ على الحماس بين القاعدة الديمقراطية، وضمان استمرار تدفق التبرعات، والعمل الميداني".
التعادل سيد الموقف
وتعتبر حملة هاريس، أن التقدم الطفيف في الاستطلاعات لا يعني بالضرورة ضمان النصر، خصوصاً في ظل تعقيدات المجمع الانتخابي، والقاعدة الصلبة التي يعتمد عليها ترمب.
وأظهر استطلاع على مستوى الولايات المتحدة أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" و"سيينا كوليدج" أن ترمب وهاريس متعادلان تقريباً في آخر أسابيع الحملات الانتخابية.
وخلص الاستطلاع الذي نشر، الأحد، إلى حصول ترمب على 48% من الأصوات متقدماً بنقطة مئوية واحدة عن هاريس، وهو فارق ضئيل، ويقع ضمن نطاق هامش الخطأ للاستطلاع البالغ 3 نقاط مئوية.
كما أظهر نموذج صحيفة "فاياننشيال تايمز" لتتبع استطلاعات الرأي، تقلّص تقدم هاريس في المنافسة قليلاً لـ2.9 نقطة مئوية في الأسابيع الأخيرة، ما يشير إلى أنها لم تتلق أي دفعة إضافية بعد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، والذي عقد الشهر الماضي في شيكاجو.
وتشكل نتائج الاستطلاعات الأخيرة ضغطاً على نائبة الرئيس التي كانت قبل أسبوع، تتمتع بميزة الزخم والحماسة في صفوف الحملة، ما جعلها تجمع تبرعات أعلى من منافسها الجمهوري بنحو 3 أضعاف.
ويرى خبراء الحملات الانتخابية، أن حملة هاريس ترغب في تجنب "خداع الاستطلاعات" التي تؤدي إلى شعور مؤيدي المرشح المتقدم بالاسترخاء، ما يجعلهم يترددون في المشاركة بالانتخابات في حال شعروا أن الفوز مضمون.
ويرى تود بيلت، أن "حملة هاريس تحاول الحفاظ على مستوى عالٍ من الحماس بين قاعدتها الانتخابية، مع ارتفاع أرقام التبرعات وأعداد المتطوعين لضمان تحقيق النجاح في الولايات المتأرجحة".
وينظر فريق ترمب إلى استراتيجية "المرشحة الأضعف" التي تطرحها حملة هاريس بأنها "سخيفة". وقالت كارولين ليفيت المتحدثة باسم حملة ترمب، إن "هاريس ليست الطرف الأضعف، وليست مرشحة المستقبل. وكامالا هي نائبة الرئيس في الوقت الحالي، وهي مسؤولة عن المشاكل التي يواجهها الشعب الأميركي الآن، وتستحق أن يتم التصويت لإخراجها من منصبها".
"فخ الإفراط في الثقة"
وعلى الرغم من التقدم الذي حققته هاريس في الاستطلاعات الوطنية، وتقليص الفجوة مع ترمب خلال الأسابيع الأخيرة، يظل المجمع الانتخابي عقبة رئيسية أمامها، كما أنه تحد يدفع حملتها لتبني خطاب حذر، من خلال التأكيد على أهمية عدم الإفراط في الثقة، حتى لا تقع الحملة في فخ التقليل من أهمية المعركة المقبلة في تلك الولايات.
وعلى خلفية القلق الذي انتاب بعض الديمقراطيين عقب ظهور نتائج استطلاع "نيويورك تايمز/سينا"، حذر ديفيد أكسلرود المستشار السابق للرئيس السابق باراك أوباما، الديمقراطيين "من الإفراط في التشاؤم؛ بسبب تقلبات استطلاعات الرأي".
وقال أكسلرود على منصة "إكس"، إنه "بالنسبة لأولئك الذين انزعجوا الشهر الماضي عندما حذرت الديمقراطيين من الإفراط في التفاؤل غير المنطقي، أحذر الآن من التشاؤم غير المنطقي".
وذكر أن السباق الرئاسي كان متقارباً منذ ترشح هاريس في يوليو الماضي، معتبراً أن "المجمع الانتخابي يمثل تحدياً كبيراً للديمقراطيين، وأن المرحلة الأخيرة من الحملة ستكون صعبة".
من جهته، قلل كيفن بيشوب مدير الاتصالات السابق للسيناتور ليندسي جراهام، من أهمية مؤشرات الاستطلاعات في تحديد مسار السباق الرئاسي، قائلاً إن "نتائجها لا تعني شيئاً في السباق الرئاسي".
ووصف بيشوب الذي قضى 30 عاماً في العمل السياسي داخل الحزب الجمهوري، الاستطلاعات الوطنية بـ"الممتعة للمتابعة"، لكنه قال إنها "لا تحدد الفائز. لقد رأينا مراراً وتكراراً حالات يفوز فيها أحد المرشحين بالتصويت الشعبي الوطني، بينما يفوز المرشح الآخر بالمجمع الانتخابي".
وتابع: "المرشح الذي يفوز بالمجمع الانتخابي يفوز بالرئاسة. أعتقد أن الجميع يتوقعون سباقاً متقارباً سيُحسم في اللحظات الأخيرة بعدد قليل من الولايات الهامة. من المحتمل أن تكون بنسلفانيا أكثر الولايات المتنافس عليها بشدة".
وتظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة التي تعد ساحات معارك انتخابية رئيسية مثل بنسلفانيا ميشيجان ويسكونسن، تقارباً كبيراً بين المرشحين.
وعلى الرغم من أن هاريس تتقدم بفارق طفيف في بعض تلك الولايات، إلا أنه لا يكفي لضمان النصر، كما أن ترمب يعتمد بشكل كبير على قاعدة انتخابية صلبة في المناطق الريفية والمدن الصغيرة التي تميل إلى الجمهوريين.
ووفقاً للمراقبين، يحتاج الديمقراطيون للفوز بولايتين أو 3 لتعويض الخسارة المحتملة في بنسلفانيا التي تعتبر ذات أهمية قصوى، خاصة بسبب جاذبية ترمب القوية بين الرجال البيض في المناطق الريفية.
وأظهر استطلاع جديد أجرته CBS/YouGov، تقدم هاريس بفارق ضئيل عن ترمب في ولايتي ميشيجان وويسكونسن، لكنهما متعادلان في بنسلفانيا.
ويشكل وضع بنسلفانيا، التي ستستضيف المناظرة بين هاريس وترمب، مصدر قلق خاص للديمقراطيين، حيث ركز كل من المرشحين اهتمامهما ومواردهما بشكل متزايد على هذه الولاية وهي الأكثر سكاناً بين الولايات المتأرجحة، كما أن لها 19 صوتاً في المجمع الانتخابي.
ويواجه الناخبون سيلاً إعلامياً ضخماً مع حجز الحملات واللجان الحزبية ما قيمته 153 مليون دولار من وقت الإعلانات للفترة التي تلت يوم العمال في 2 سبتمبر، بحسب تقارير شركة AdImpact التي تتبع الإعلانات.
التوقعات المنخفضة
ويتمثل جزء آخر من استراتيجية "الطرف الأضعف" التي تتبناها حملة هاريس، في محاولة خفض التوقعات الملقاة على عاتق المرشحة الديمقراطية ورفيقها في السباق تيم والز.
وعمل فريق هاريس على تصوير ترمب كخصم قوي ومخضرم في المناظرات، وهو ما تمهده الحملة بشكل مقصود لتخفيف الضغط على نائبة الرئيس في أي مواجهة مباشرة مع الرئيس السابق.
وفي هذا السياق، تشير حملة هاريس إلى أن المناظرة الرئاسية القادمة ستكون بمثابة "اختبار صعب"، متوقعة أن يكون ترمب "خصماً شرساً".
ويتوقع أحد أبرز منظري استطلاعات الرأي الجمهوريين فرانك لونتز، أن تكون "المناظرة القادمة بين ترمب وهاريس ستكون كل شيء بشأن تحديد مسار المشهد الانتخابي".
وأضاف لونتز لشبكة CNN، أن "الناخب سيرى المرشحين جنباً إلى جنب، ويستمع إلى ما يقولونه، ليس فقط الإجابات، بل لغة الجسد. ويرى من سيظهر الازدراء؟ وهل يعقد أحدهم ذراعيه؟ وهل يبدو المرشح رئاسياً في أسلوبه؟".
وأظهر استطلاع "نيويورك تايمز" مع "سينا"، أن 31% من الناخبين يقولون إنهم بحاجة لمعرفة المزيد عن هاريس، ومن بين هؤلاء، 63% قالوا إنهم يريدون معرفة المزيد عن السياسات والخطط لنائبة الرئيس.
وقالت تود بيلت لـ"الشرق"، إن "على هاريس استغلال المناظرة لإظهار استعدادها لتولي منصب القائد الأعلى للبلاد، كما يتعين عليها إثبات إلمامها بالقضايا، وإظهار أن إدارتها ستعمل على تحسين حياة الناخبين العاديين".
أشار بيلت، إلى أن ترمب "سيفعل ما يفعله دائماً، وهو الهجوم. سيحاول ربط هاريس بالجوانب السلبية لاقتصاد إدارة بايدن ومواقفها المتغيرة بشأن الهجرة والتكسير الهيدروليكي (التنقيب عن النفط)".
وتوقع كيفن بيشوب، أن تثير المناظرة الرئاسية "اهتماماً كبيراً"، وقال إن "قرابة 92% من الأميركيين يعرفون بالفعل من سيدعمون ويصوتون له، وكلا المرشحين يقاتلان من أجل النسبة الصغيرة المتبقية من الناخبين الذين لم يقرروا بعد. تلك الأصوات هي الأكثر أهمية، وعادةً ما يكونون من الذين يقررون في اللحظة الأخيرة، أي في نهاية الأسبوع قبل الانتخابات. أعتقد أن هذا الاتجاه سيستمر".
وعن أداء ترمب في المناظرة، يتوقع بيشوب، أن "يحقق الرئيس السابق أداءً جيداً بناء على خبرته الأكبر بكثير في المناظرات الرئاسية مقارنة بنائبة الرئيس هاريس". وتابع: "بعد المناظرات مع هيلاري كلينتون عام 2016 وجو بايدن في عام 2020، يعرف ترمب ما يجب توقعه وكيف يكون فعالاً".
زيادة التمويل والمتطوعين
وتعد إحدى النتائج الملموسة لاستراتيجية "الطرف الأضعف" هي النجاح الكبير الذي حققته حملة هاريس في جمع التبرعات، وزيادة عدد المتطوعين.
ومنذ انطلاق حملتها بعد انسحاب الرئيس بايدن من السباق، شهدت الحملة تدفقاً هائلاً من التبرعات المالية، إلى جانب ارتفاع كبير في أعداد المتطوعين الراغبين في المشاركة بالأنشطة الانتخابية.
ويعزز هذا الزخم من قدرة الحملة على توسيع نطاق عملياتها الانتخابية في الولايات الحاسمة، حيث جمعت هاريس أكثر من 615 مليون دولار لحملتها وللجان الديمقراطية المرتبطة بها منذ أن تولت تذكرة الترشح الديمقراطية في 21 يوليو.
وأشارت الحملة، إلى أنها تعمل حالياً بأكثر من ألفي موظف في 312 مكتباً عبر الولايات المتحدة، كما حجزت أكثر من 370 مليون دولار للإعلانات التلفزيونية والرقمية.
بالمقارنة، يواجه ترمب صعوبات في تمويل حملته بالقدر ذاته، ما يعكس الفارق الكبير في الإمكانات المالية بين الجانبين.