أطفال السودان.. عقود متتالية من الحرمان والفقر والمرض

مدنيون فارون من الصراع في السودان ينتظرون إجراءات تسجيل اللجوء في المفوضية السامية للأمم المتحدة، في الرنك، جنوب السودان، في 18 ديسمبر 2023 - AFP
مدنيون فارون من الصراع في السودان ينتظرون إجراءات تسجيل اللجوء في المفوضية السامية للأمم المتحدة، في الرنك، جنوب السودان، في 18 ديسمبر 2023 - AFP
السودان-أحمد العربي

الأطفال في السودان لم يبدأوا الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكنهم ضحاياها، بيد أن معاناتهم بدأت قبل المعارك الدائرة بكثير، في بلد شهد عقوداً من تراجع الاهتمام بهم وبمستقبلهم.

ويُشكّل الأطفال في السودان أكثر من نصف السكان، الذين يتجاوز تعدادهم 40 مليون نسمة، لكن الأخطار المهددة لحياتهم تتزايد مع تعقيدات الأوضاع في البلاد.

وفي يونيو الماضي، أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إلى ورود تقارير بمعدل مثير للقلق بشأن ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الأطفال، إذ سقط أو أُصيب أكثر من 3800 طفل منذ تصعيد النزاع في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع".

وأفادت التقارير عن سقوط أو إصابة أكثر من 400 طفل في شمال دارفور في أثناء التصعيد الأخير للمواجهات في مدينة الفاشر ومحيطها، فيما يتسبب استمرار استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بأخطار إضافية على الأطفال وأسرهم. 

ويكابد نحو 9 ملايين طفل من جراء الانعدام الشديد للأمن الغذائي ونقص إمكانية الحصول على مياه الشرب المأمونة، ويعاني زهاء 4 ملايين طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الشديد، ومن المتوقع أن يواجه 730 ألفاً منهم تهديداً وشيكاً بالوفاة.

أوضاع مأساوية للأطفال في السودان

وقال الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة في السودان عبد القادر عبد الله، لـ"الشرق" إن"الأطفال في أوضاع مأساوية، والأوبئة التي صاحبت الحرب ضاعفت من معاناتهم، بالإضافة إلى توطين العمل العسكري في المدن بواسطة الدعم السريع، كما يوجد سوء تغذية بكثافة في مناطق سيطرة الدعم السريع".

وأضاف أنه "لم يستفد السكان من فصل الخريف في زراعة ما يأكلون، الأرقام كبيرة في تجنيد الأطفال بواسطة الدعم السريع، وكل من يبلغ عمره ثلاثة عشر عاماً يتم تجنيده في إقليم دارفور"، على حد قوله.

وتابع: "نحاول التحرّك لوقف التجنيد، واستصدرنا قرارات من مجلس الوزراء لدعم ذلك، لكننا ننتظر دعماً دولياً أكبر لإنقاذ الأطفال وتوفير المساعدة لهم".

وقالت أمينة أمانة الحماية وتنسيق العلاقات الخارجية أميرة أزهري بالمجلس لـ"الشرق" إن" الإحصائيات المتعلقة بالانتهاكات في تزايد، وباتت الحاجة ملحة لوقف ذلك والاستجابة له أكثر من أي وقت مضى".

وأضافت: "قبل الحرب في السودان، كانت المعاناة للأطفال حاضرة للانتقاص في حقوقهم، وكان ذلك بكثافة في مناطق النزاعات، وذلك يجعلنا نقر بأن الحرب فاقمت ذلك، أضف إلى ذلك التهجير القسري، الذي تسبب في زيادة الخطر على الأطفال، وإن كان كانت ولايات يتوفر بها الأمن بنسب متفاوتة، لكن مناطق الحرب شهدت انتهاكات شملت القتل، والإصابات، والصدمات النفسية؛ مما يتطلب زيادة الدعم النفسي والاجتماعي".

وأشارت أزهري إلى أن "الحرب تسببت في ظهور قضية انفصال الأطفال عن أسرهم، وهذا يوضح أنه في كثير من المناطق لا توجد آليات لحماية الطفل، وبالدراسة اتضح لنا أن ممارسات ضارة ضد الأطفال توسعت بسبب الحرب، إذ كان جزءاً كبيراً منها يمارس في مناطق النزاع".

وتتصدر عمالة الأطفال في الولايات، التي نزحوا إليها إحدى الظواهر التي لاحظها المجلس، والعنف الأسري والذي تخلفه الظروف المعيشية وأوضاع الأسر في مناطق مختلفة، وكل ذلك يؤثر على مستقبل الأطفال، وفي حالة عدم الاستجابة ومعالجة الانتهاكات لا نتوقع مستقبلاً مشرقاً لأطفال السودان.

كما ينبغي تأسيس أنظمة شاملة لاستدامة الدعم والمعالجة لقضايا الطفل، ووضع استراتيجية ليتم تنفيذها لمنع والحد من الانتهاكات، وتقوية القوانين والسياسات وتحديث بعضها لاستيعاب الانتهاكات التي حدثت مؤخراً.

بينما يظل تحسين الأنظمة الحكومية في جمع البيانات لن نستطيع وضع خطط وسياسات وبرامج لحماية الأطفال من الانتهاكات.

"أرقام مخيفة"

ولا يغيب عن سجلات المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة إحصائيات كوارث الأطفال في السودان. وأفادت بيانات برنامج الغذاء العالمي لـ"الشرق" بأن "ثلاثة ملايين وستمائة ألف طفل يعانون سوء التغذية في السودان"، بينما أوقفت "أطباء بلا حدود" عملها في تقديم العون لخمسة آلاف طفل يعانون من سوء التغذية الحادة بمعسكر "زمزم" شمال دارفور والذي يشكو المجاعة.

وفيما يتعلق بالتعليم، تقول "يونيسيف" إن "19 مليون طفل خارج قاعات الدراسة بسبب الحرب"، بينما تؤكد تقارير قبل الحرب ارتفاع نسب الفاقد التربوي والتسرب من المدارس؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية في مناطق والأوضاع الأمنية في مناطق أخرى، بينما ترى "لجنة المعلمين السودانيين" أن نحو "ثلاثة ملايين طفل في المراحل التعليمية الأولى معرضون لخطر الأمية".

وأوضح ياسر إبراهيم المدير التنفيذي لمنظمة "كافا" للتنمية (غير حكومية)، وهي إحدى المنظمات الوطنية، لـ"الشرق" أن "المعاناة مضاعفة ومتراكمة لأطفال السودان"، وأن" نشأة الأطفال في مثل هذه الظروف ينعكس على سلوكهم في المستقبل والحاضر، وعلى علاقاتهم وتفكيرهم وتطورهم النفسي والاجتماعي، كما اتضح أن ثلاث سنوات من العملية التربوية قد فقدها الأطفال".

وحذّر إبراهيم إلى أن "التأثير على الأطفال يؤثر على البنية المجتمعية، وأن المستقبل سيتأثر بالجهل وثقافة العنف والنزوح، كما أنها "ورثة ثقيلة ستكون في المستقبل".

بينما يرى تربويون بأنه من "الضرورة الالتفات لقضايا الأطفال قبل فوات الأوان ولأجل مستقبل أفضل للسودان". 

وفي 26 يونيو الماضي، حذرت المديرة التنفيذية لمنظمة "يونيسف" كاثرين راسل، بعد زيارة قامت بها إلى بورتسودان، من أن أكثر من نصف أطفال البلد البالغ عددهم 24 مليوناً، نحو 14 مليون طفل بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، كما أن جميع أطفال السودان تقريباً غير ملتحقين بالمدارس حالياً.

تصنيفات

قصص قد تهمك