استحداث منصب "قيصر الذكاء الاصطناعي" دليل على أن الأمر لم يكن مجرد وعود انتخابية

خبراء لـ"الشرق": هكذا ستصبح أميركا "عاصمة العملات الرقمية" في عهد ترمب

دونالد ترمب خلال مشاركته في مؤتمر بيتكوين 2024 بمدينة ناشفيل عاصمة ولاية تينيسي الأميركية. 27 يوليو 2024 - REUTERS
دونالد ترمب خلال مشاركته في مؤتمر بيتكوين 2024 بمدينة ناشفيل عاصمة ولاية تينيسي الأميركية. 27 يوليو 2024 - REUTERS
واشنطن -عزيز عليلو

يرتقب أن يصبح دونالد ترمب أول رئيس في البيت الأبيض يدعم العملات الرقمية، حين يتم تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في 20 يناير، وسط ترقب ببدء عصر جديد لـ"الكريبتو" خلال ولايته الثانية.

وتعهد ترمب بتحويل الولايات المتحدة إلى العاصمة العالمية للأصول الرقمية، في موقف مغاير تماماً لنهج إدارة الرئيس جو بايدن، التي اتسمت بسياسات صارمة وتنظيمات مشددة تجاه هذا القطاع.

وأظهر ترمب مؤشرات على نيته إحداث تحول في تعامل الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة مع العملات الرقمية، حتى قبل تنصيبه، بإعلانه ترشيح بول أتكينز، أحد أبرز المؤيدين للعملات الرقمية، لمنصب رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC).

خلال إدارة بايدن، تبنت هيئة الأوراق المالية والبورصات بقيادة جاري جينسلر نهجاً صارماً تجاه الشركات الكبرى في هذا المجال، مثل "كوين بيس" و"ريبل"، من خلال سياسات وُصفت بـ"التنظيم عبر الإنفاذ". 

وأدى هذا النهج إلى مغادرة العديد من الشركات إلى مناطق ذات بيئة تنظيمية أكثر ودية مثل برمودا وجزر الكايمن.

لكن الأمور تتغير الآن، بحسب ميتش دي ريموندو، مؤسس شركة SteelWave Digital، الذي قال لـ"الشرق" إن "الإدارة السابقة كانت تؤمن بفكرة التنظيم عبر الإنفاذ دون تقديم إرشادات واضحة لتعزيز الابتكار، بيما تبدو الإدارة الجديدة وكأنها تقول لشركات التشفير: 'هذه هي القواعد الأساسية، اجلبوا ابتكاراتكم إلى هنا، ولنضع الولايات المتحدة في قلب المشهد.' هذا تحول كبير، ونحن متحمسون للغاية له".

قيصر الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية

ويشير ترشيح ترمب لشخصية مؤيدة للعملات الرقمية على رأس هيئة الأوراق المالية وإحداثه لمنصب جديد في البيت الأبيض هو "قيصر الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية"، إلى أن دعم ترمب للعملات الرقمية لم يكن مجرد وعود انتخابية لاستمالة الناخبين والمتبرعين.

وتوحي هذه الخطوات بمعالم خطة لدمج الأصول الرقمية في الاقتصاد الأميركي الأوسع، بحسب كيران ناصر جور، المحامية وأستاذة القانون في جامعة جورج واشنطن.

وتقول جور لـ"الشرق" إن "إدارة ترمب داعمة للأعمال وتفخر بتنفيذ وعودها.. وهذه التعيينات تؤكد على التركيز على العمل وتحقيق النتائج".

الكريبتو وسياسة "أميركا أولاً"

تؤكد جور أن صناعة العملات الرقمية لا تزال في مراحلها المبكرة، حيث تواجه تحديات تحقيق التوازن بين تعزيز الابتكار وفرض تنظيمات فعالة.

وأشارت إلى أن إدارة بايدن ركزت على بناء إطار تنظيمي بطيء ومدروس للنمو طويل الأجل، بينما قد تؤدي سياسة ترمب الداعمة للأعمال ونهجه "أميركا أولاً" إلى سياسات شعبوية وفورية وأكثر توجهاً نحو التطبيق.

ولفتت إلى أن سياسات ترمب المحتملة ستركز على تمهيد الطريق لعودة الشركات التي غادرت الولايات المتحدة بسبب عدم وضوح التنظيمات، مما يتيح لها الازدهار في بيئة أكثر دعماً. 

وكانت شركات مثل "كوين بيس" في السابق أبدت انفتاحها على نقل أعمالها إلى الخارج نحو بيئات تنظيمية أكثر ملاءمة، لكن مع سياسات ترمب، يمكن أن يشجع المناخ التنظيمي الأكثر ترحيباً هذه الشركات على إعادة الاستثمار في الاقتصاد الأميركي.

وركزت خطابات ترمب خلال حملته الانتخابية على إعادة الأعمال التجارية إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك الشركات العاملة في مجال الأصول الرقمية، بحسب جاكلين كوبر، الرئيسة التنفيذية لمعهد القانون الخاص بالبلوكتشين.

وقالت كوبر لـ"الشرق": "فقدت الولايات المتحدة فرصاً اقتصادية كبيرة بسبب التنظيمات المعقدة والبيروقراطية الزائدة، ويبدو أن إدارة ترمب تدرك الحاجة إلى دعم رواد الأعمال مع الحفاظ على بعض الضوابط، وهذا التوازن يمكن أن يعيد الشركات إلى الولايات المتحدة بشكل كبير".

كذلك أشارت كوبر إلى احتمالات إعلان ترمب عن سياسات ضريبية جديدة لتشجيع الشركات العاملة في القطاع على الاستثمار في الولايات المتحدة، قائلة: "شركات العملات الرقمية التي تعمل في أوروبا أو مكان آخر، تُفرض عليها ضرائب على الصفقات أو المعاملات، وإمكانية تخفيض الضرائب على الأصول الرقمية قد تجذب هذه الشركات إلى الولايات المتحدة وتجعلها قاعدة أكثر جاذبية لها".

كيف سينظم ترمب العملات الرقمية؟

أحد الأسئلة التنظيمية الأساسية التي تواجه إدارة ترمب هو ما إذا كانت العملات الرقمية ستُعامل كأوراق مالية، مثل الأسهم والسندات، مما يجعلها خاضعة للقوانين الشاملة للأوراق المالية، أو كسلع مادية مثل الذهب والفضة، التي تُنظم بشكل أقل صرامة بسبب طبيعتها القياسية وسهولة تقييمها.

في عهد جينسلر، أصرت هيئة الأوراق المالية والبورصات على أن العديد من العملات الرقمية يجب أن تُعامل كأوراق مالية، مما أدى إلى دعاوى قضائية لا تزال معلقة، بما في ذلك القضايا الكبرى ضد "كوين بيس" و"ريبل". 

وتوضح كيران جور أنه "إذا تم تصنيف العملات الرقمية كأوراق مالية، فإن هيئة الأوراق المالية ستكون مسؤولة عن الإشراف عليها، لكن يمكنها أيضاً اختيار تنظيمها بطريقة مختلفة عن الأوراق المالية التقليدية وبقواعد تنظيمية أقل صرامة، مما يسمح بنهج أكثر صداقة للابتكار، وسيكون الهدف فقط هو توضيح الجهة المسؤولة عن الإشراف على العملات الرقمية بدلاً من التركيز على كيفية الإشراف".

كما أشارت جور إلى الأبعاد الأوسع لتصنيف الأصول، مستشهدة بأمثلة تاريخية، قائلةً: "هذا التنظيم كأوراق مالية إن حدث، لن يبقى تنظيماً ثابتاً، ففي يونيو 2018، أوضح ويليام هينمان، مدير قسم الشؤون المالية في هيئة الأوراق المالية، أن تنظيم أصل محدد قد يتغير بمرور الوقت مع تطور طبيعته".

وفيما تتواصل الدعاوى القضائية ضد شركات مثل "كوين بيس" و"ريبل"، أكدت جور أن "هذه القضايا حاسمة، ليس فقط بالنسبة للشركات المعنية، لكن أيضاً للصناعة ككل، ومن المرجح أن تؤثر على كيفية تعريف هيئة الأوراق المالية وإنفاذها للتنظيمات في المستقبل".

دروس من عصر "الدوت كوم"

يرى خبراء أن صناعة العملات الرقمية تمر بلحظة حاسمة، تشبه إلى حد كبير عصر "الدوت كوم" في أواخر التسعينيات. ففي ذلك الوقت، جذبت الشركات الناشئة في مجال الإنترنت المستثمرين بوعود تغييرات ثورية، مما خلق موجة من الحماس الذي أدى في النهاية إلى نجاحات وإخفاقات على حد سواء.

واليوم، لم تعد الأصول الرقمية مجرد ابتكار جديد، بل أصبحت ظاهرة رئيسية تكتسب ثقة متزايدة بين الجمهور.

وتقول جور: "نحن في عصر لم تعد فيه الأصول الرقمية جديدة، إنها الآن جزء من التيار السائد، والكثير من الناس لديهم ثقة كبيرة فيها، وزادت خطابات إدارة ترمب خلال حملته الانتخابية من هذه الثقة، واختياراته لتشكيل حكومته ومستشاريه أكدت ذلك، كما أننا في عصر يتسم بالاضطرابات الاقتصادية والتضخم، مما دفع الكثير من الناس إلى التفكير في تحويل استثماراتهم إلى فضاء العملات الرقمية، الذي يبدو جديداً.. إنه أشبه بفترة الدوت كوم منذ سنوات عديدة".

من جانبه، وصف ميتش دي ريموندو هذه اللحظة بأنها "البدايات الأولى" في لعبة طويلة، حيث بدأت تكنولوجيا "البلوكتشين" تدخل حيز التطبيق في العالم الحقيقي، وأوضح أن السنوات الأربع القادمة قد تشهد تحولاً عالمياً في الأسواق بفضل تقنيات البلوكتشين.

وأضاف أن "الاستثمارات الخاصة، التي كانت تقتصر سابقاً على عدد قليل من المستثمرين، ستجذب الآن رأس المال من جميع أنحاء العالم.. إنها فترة مثيرة للغاية، لكننا ننتظر أيضاً لنرى كيف ستتعامل الهيئات التنظيمية مع هذا المشهد".

ومع ذلك، حذر دي ريموندو من أن الإرشادات التنظيمية الواضحة ستكون ضرورية لإدارة المخاطر، وقال: "مع بدء تحديد التعريفات الواضحة للعملات الرقمية التي ستنظم كسلع، وما العملات الرقمية التي ستنظم كأوراق مالية، سيتمكن الناس من فهم من يجب أن يتداولها، وما هي الحدود الدنيا للتداول، فلا يجب تعريض المستثمرين الأفراد لمخاطر غير ضرورية".

وأشار دي ريموندو إلى أن الأمر سيستغرق وقتاً لتكيف الشركات والمستثمرين مع الإطار التنظيمي الجديد، قائلاً: "سيستغرق الأمر وقتاً حتى يعتاد الناس على دخول المنظمين وفهم التكاليف والجداول الزمنية والعمليات، لكننا متفائلون، فبمجرد أن يصبح الوضوح التنظيمي قائماً، يمكننا البدء في جذب المستثمرين الدوليين إلى الأسواق الأميركية، مما سيجلب الابتكار ورأس المال على نطاق لم نشهده من قبل".

تصنيفات

قصص قد تهمك