ألغى المغرب شعيرة الذبح في عيد الأضحى، بسبب الجفاف والتراجع الكبير في أعداد الماشية، ما أثار ردود فعل متباينة في البلاد، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، وخيبة أمل ومخاوف وسط المزارعين ومربي الماشية، الذين كانوا يعولون على هذه المناسبة لإنعاش تجارتهم في موسم جفاف هو السابع على التوالي.
واعتبر ملك المغرب محمد السادس، أنه في ظل تراجع أعداد الماشية؛ بسبب "التحديات المناخية والاقتصادية"، فإن "القيام بهذه الشعيرة في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضرراً.. بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لا سيما ذوي الدخل المحدود".
وقال الملك محمد السادس في رسالة تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وبثها التلفزيون الرسمي، مساء الأربعاء الماضي: "لهذه الغاية، وأخذاً بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضرراً محققاً بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لا سيما ذوي الدخل المحدود".
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إلغاء شعيرة عيد الأضحى في المغرب، إذ سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن اتخذ قراراً مماثلاً في سنوات 1963 و1981 و1996 بسبب الظروف الاقتصادية والجفاف الشديد.
وعلى المستوى الشعبي، برزت دعوات إلى إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي خلال السنوات الأخيرة، بسبب الظرفية الاقتصادية الصعبة، خصوصاً السنة الماضية التي شهدت امتناع عدد من المغاربة عن القيام بهذه الشعيرة أمام ارتفاع أسعار الماشية.
وفي منتصف فبراير الماضي، كشف وزير الفلاحة أحمد البواري، خلال ندوة صحافية، عن انخفاض عدد رؤوس الماشية والأغنام في المغرب بنسبة 38% في عام 2025 منذ آخر تعداد قبل تسع سنوات، بسبب موجات الجفاف المتتالية.
وفي ميزانية عام 2025، علَّق المغرب رسوم الاستيراد وضريبة القيمة المضافة على الماشية والأغنام والإبل واللحوم الحمراء، كما لجأ إلى الاستيراد من الخارج للحفاظ على استقرار الأسعار في السوق المحلية.
"رفع الحرج"
لحسن بن إبراهيم سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات-تمارة في وسط المغرب، شدد على أن "المستند الشرعي لهذا القرار الذي اتخذه ملك البلاد هو رفع الحرج عن الأسر المغربية التي تهتم بأضحية العيد اهتماماً كبيراً، وتبذل الغالي والنفيس لشرائها، وهذا صعب في ظل الظروف الحالية، وكذلك بالنظر إلى وضعية قطيع الماشية الذي عرف تناقصاً متزايداً منذ 3 سنوات؛ مما استدعى اتخاذ هذا القرار حفاظاً على قطيع الماشية".
والمجالس العلمية المحلية هي هيئات حكومية تعنى بتنظيم وتأطير الشأن الديني في مختلف مناطق المغرب.
وأضاف سكنفل في تصريحات لـ"الشرق"، "الأبعاد الاجتماعية تتمثل في ضعف القدرة الشرائية في مقابل موجة الغلاء الفاحش؛ بسبب التضخم الذي أعقب سنوات فيروس كورونا، بينما تتركز الأبعاد الاقتصادية على تناقص أعداد قطيع الماشية مما أدى إلى ارتفاع ثمنها".
وذكر أن ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، سبق أن "اتخذ مثل هذا الإجراء مرات عديدة، إبان سنوات الجفاف، وعلى هذا النهج يسير خلفه (..) الملك محمد السادس رعاية لمصلحة رعاياه بدفع الحرج عنهم وحماية لمصلحة الوطن بالحفاظ على مقدراته الاقتصادية، ومن القواعد المعتبرة شرعاً: حيثما وجدت المصلحة، فثم شرع الله".
ورحبت فاطمة وهي ربة منزل غربية، بقرار إلغاء ذبح أضاحي العيد، واعتبرت في تصريحات لـ"الشرق"، أن القرار "في محله، في ظل الغلاء الذي تشهده البلاد، كيف يكون العيد وكثير من الناس لا يستطيعون شراء الأضحية".
وارتفعت أسعار الأضاحي في المغرب، العام الماضي، إلى مستويات قياسية، حيث تراوحت بين ألفين و7 آلاف درهم مغربي (200- 700 دولار)، وذلك على الرغم من لجوء الحكومة للاستيراد، فضلاً عن إجراءات تحفيزية شملت إلغاء الرسوم الجمركية.
وفي حديث لـ"الشرق"، وصف عبد السلام، وهو رجل في السبعينيات من عمره، القرار بـ"الحكيم"، وقال: "فرحنا نحن وأولادنا.. الآن يمكننا أن نصوم شهر رمضان باطمئنان، بعدما رفع عنا حرج الأضحية، التي كانت تثقل كاهلنا، خصوصاً بعدما تجاوز سعر الأضاحي الـ4 آلاف دهم (400 دولار) لا يمكننا إلا أن نشكر جلالة الملك".
ورحبت العديد من الأحزاب السياسية في المغرب، بقرار الملك محمد السادس، واعتبرته "قراراً حكيماً استدعته الضرورة والمصلحة".
وقال حزب العدالة والتنمية الإسلامي في بيان، إن الأمانة العامة للحزب "تشيد عالياً بحكمة جلالة الملك أمير المؤمنين، التي اقتضت عدم القيام بشعيرة أضحية العيد هذه السنة، بالنظر للتحديات الاقتصادية والمناخية التي تواجه بلادنا وللتراجع الكبير المسجل في أعداد الماشية، ولما يمكن أن ينشأ في ظل هذه الظروف الصعبة من ضرر محقق بفئات كبيرة من المواطنين".
بدوره أشاد حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الذي يقود الائتلاف الحكومي، بهذا القرار، وقال إنه "يعكس حرص أمير المؤمنين على رفع الحرج والضرر عن أمته، والتيسير في إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، مؤكداً أن القرار "من شأنه أن يساهم في إعادة تشكيل القطيع الوطني".
سنوات الجفاف
وفي حديث مع "الشرق"، أكد محمد طاهر السرايري، الأستاذ الباحث بمعهد الحسن الثاني ﻟلزراعة والبيطرة بالرباط، تأثير توالي سنوات الجفاف على قطيع الماشية في المغرب، مشيراً إلى فقدان 38% من القطيع بالمقارنة مع عام 2016، كما أضاف أن أثمنة الأضاحي وصلت إلى مستويات خيالية بتدخل من بعض المضاربين، وهو ما من شأنه أن يهدد السلم الاجتماعي.
وقال السرايري لـ"الشرق": "تقليدياً كانت الأضاحي متوفرة بما يفوق 20 مليون من رؤوس الأغنام، لكن تأثير الجفاف والتغيرات المناخية، أظهرت أن الإنتاج الحيواني، ولا سيما المجترات، تبقى مرتبطة ارتباطاً وطيداً بالتساقطات المطرية".
وانخفضت نسبة هطول الأمطار هذا العام بنسبة 53% مقارنة بمتوسط السنوات الثلاثين الماضية، وهو ما تسبب في عجز بمراعي تغذية الماشية. وانخفض إنتاج اللحوم، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار في السوق المحلية وزيادة واردات الماشية والأغنام الحية واللحوم الحمراء.
وأضاف الخبير في الشؤون الفلاحية لـ"الشرق"، أنه رغم كل الجهود التي بذلت في الفترة الأخيرة عبر الاستيراد "فإن تكلفة الإنتاج تظل مرتفعة جداً، وأكثر من هذا، فإن إنتاج الأضاحي يتطلب جهوداً من المربين، وهذه الجهود إن لم تكن مربحة، فإن المربين يفرون من هذه المهمة ويتوجهون لممارسة أنشطة أخرى".
وخلص السرايري، إلى أن "السلطات السياسية والدينية اتخذت هذا القرار، وهو في حد ذاته قرار سليم"، على اعتبار أنه "يمكن أن يساهم في أن بعض صغار إناث الأغنام لن تذبح، وفي حال توفر الأمطار الموسم المقبل، فإن هذه الإناث ستساهم في إعادة وضعية القطيع إلى ما كانت عليه قبل سنوات الجفاف".
أضرار اقتصادية ومطالب بدعم حكومي
وفي إقليم تيفلت ضواحي الرباط، بكى الفلاح محمد جدو، وهو يتحدث لـ"الشرق"، بسبب ما وصفه بالصدمة، وسط مربي الماشية. ففي ظل الجفاف وقلة الأمطار كان المزارعون ينتظرون موسم عيد الأضحى لإنعاش تجارتهم، وإنقاذ موسم زراعي ضعيف.
وتساءل محمد، وهو يشير إلى الأغنام: "كيف سننفق على هذه الأغنام؟ من أين نأتي لها بالأعلاف في غياب الكلأ؟"، مشيراً إلى أن عدم بيعها في عيد الأضحى "يعني مصاريف ثقيلة، لن يستطيع المزارعون الصغار تحملها".
الخبير الاقتصادي خالد أشيبان، اعتبر أن القرار "جيد بالنسبة للمواطنين الذين تتضرر قدرتهم الشرائية"، "فهناك رفع حرج عن عدد كبير من الأسر، لكن في المقابل هناك ضرر على مجموعة من الفلاحين، خاصة الصغار، الذين ينتظرون هذه المناسبة لتسويق قطيعهم، وضمان لقمة عيش أسرهم".
وأضاف أشيبان في تصريحات لـ"الشرق"، أن القرار ينبغي أن يرافقه دعم حكومي للمزارعين المتضررين، بهدف الحفاظ على قطيع المواشي"، مشيراً إلى أن القرار سيؤدي إلى تراجع أسعار اللحوم في الأسواق.
وفي ظل الخسائر المتوقعة وسط مربي الماشية، يدعو المهنيون إلى دعم حكومي للمزارعين، بما يضمن استقرار الأسعار وتجديد قطعان الماشية.
وفي هذا السياق، يوضح رئيس الجمعية المغربية لمربي الأغنام والماعز، عبد الرحمن المجدوبي، أن مربي الماشية عملوا طوال 7 إلى 8 أشهر على إعداد الماشية لشعيرة عيد الأضحى، وبذلوا مجهوداً مادياً كبيراً في ظل الجفاف وغلاء أسعار الأعلاف، مشيراً إلى أن بعض هؤلاء "لجأ إلى المديونية من أجل تغطية مصاريف إعداد الأضاحي".
ودعا المجدوبي في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى مواكبة هؤلاء "الكسابة" (مربي الماشية) من طرف الوزارة الوصية على القطاع ودعمهم من أجل "التخفيف أو تفادي الآثار السلبية المرتقبة، وكذلك من أجل الحفاظ على القطيع المنتَج وتعزيزه وضمان استمراريته للسنوات المقبلة، حتى يستعيد توازنه وتحقيق وفرة الإنتاج والاكتفاء الذاتي في السنة المقبلة".
وبدوره اعتبر رئيس الجمعية المعروفة اختصاراً بـ ANOC، أن "قرار عدم إقامة شعيرة الأضحية خلال هذه السنة، هدفه، كما جاء في الرسالة الملكية، هو تخفيف الضرر ورفع الحرج على فئات كبيرة من المواطنين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود".