على مدى عقود، مثّل "مكتب التنسيق" المؤهل للانتقال من مرحلة الثانوية العامة إلى التعليم الجامعي بناء على مجموع الدرجات، مصدر ترقب وخشية أجيال مصرية متعاقبة، اشتركت في اعتبار هذا الكيان نقطة فاصلة في مستقبل الطالب، فنصف درجة قد تفصله عن الالتحاق بالكلية التي يحلم بها.
ويدخل خريجو الثانوية العامة لعام 2020 منظومة التنسيق وسط وعود حكومية بتفكيكها شيئاً فشيئاً خلال الأعوام المقبلة، ومايرتبط بها من مفاهيم كليات "القمة" و"القاع" والنظرة المجتمعية السلبية لبعض التخصصات، عبر إدخال تحسينات تدريجية في بنيان التعليم المصري.
بورصة الطلاب
بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة، خاض عمر وائل، أحد الطلاب، ما يصفه بـ"أهم أسبوعين" في عمره، ما بين ظهور مجموع درجاته، وظهور نتيجة تنسيق المرحلة الأولى، التي كان ضمن طلابها. ويعتبر "عمر" نفسه طالباً محظوظاً، إذ حصل على نسبة مئوية تتخطى حاجز 94%، ما أهله للالتحاق بكلية الهندسة بجامعة حلوان.
ما يزيد على 70 رغبة، سجّلها "عُمر" على موقع التنسيق الإلكتروني، لم يكُن مهتماً سوى بالرغبات الأربع الأولى بينها، خلاف ذلك، كانت لتتساوى لديه جميع الكُليات حال قرر مكتب التنسيق أن يحرمه من دراسة تخصص الهندسة.
تغيرات طفيفة هذا العام في بورصة كليات القمة تُشير إليها نتيجة المرحلة الأولى لتنسيق الثانوية العامة، فتنسيق كليات الطب البشري توقف لدى النسبة المئوية 98.5%، والصيدلة والأسنان عند 98.4%، والعلاج الطبيعي 97.7%، والاقتصاد والعلوم السياسية لطلاب المجموعة الأدبية 96.2%، والإعلام 94.6%.
"الحياد أبرز صفاته"
تؤرخ الدكتورة بثينة عبدالرؤوف، الخبيرة التربوية، لبداية تعاظم دور مكتب التنسيق في المجتمع المصري بعقد الستينات، ومع إتاحة التعليم الجامعي على نحو مجاني لجميع الطلاب على اختلاف طبقاتهم، بالتزامن مع تغيرات اجتماعية تبنتها ثورة 23 يوليو 1952، إذ كان لا بد من معيار محايد لمستحقي الالتحاق بالجامعات.
"عبدالرؤوف" لا تعتبر أن مكتب التنسيق على صرامته يقدم رسالة سلبية للطلاب في مقتبل حياتهم العملية، وإن كان من رسالة يقدمها للطالب، فهي أن هنالك حياداً في التعامل مع الطلاب ولا تفرقة على أساس الطبقات الاجتماعية، قائلة: "ابن الوزير زي ابن الفقير، وطالب المدارس الحكومية، زي طالب المدارس الدولية، الجهد هنا هو الفيصل".
"أعدل الظالمين"، هكذا تصف "عبدالرؤوف" مكتب التنسيق، فيما تعتبر التخلي عنه كنظام لتوزيع الطلاب على الكُليات في الوقت الحالي غير مُناسب لطبيعة المجتمع المصري، فمنذ سمحت الدولة بالتعليم المجاني "تحوّل لمكتسب مجتمعي وحق من حقوق المواطنين لا يجب التقهقر عنه".
وتضيف: "من ناحية أخرى، إذا جرى اعتماد اختبارات القدرات المؤهلة لدخول الجامعات كنظام بديل، ومع غياب آليات فعّالة لمكافحة المحسوبية والفساد، كلية الطب ستكون محجوزة لأبناء الأطباء، وكذلك الهندسة لأبناء المهندسين".
"انتهى عصره"
ويرى خبير التعليم والمناهج، وعضو المجالس القومية المتخصصة، الدكتور حسن شحاتة، أن جوهر مكتب التنسيق، لم يشهد تغييراً يُذكر على مدى عقود، وجميع محاولات تغييره لم تثمر المرجو منها.
وأوضح: "مكتب التنسيق يحقق العدالة في ضوء معيار واحد هو الدرجات، في بعض المراحل كان يتم النظر للمجموع الكلي بالإضافة لمواد التخصص، وفي أحيان أخرى، كان يتم النظر للمجموع الكلي فقط، وبعض المراحل، كان يتم النظر للمجموع الكلي إضافة إلى ماعُرف بدرجات التحسين في مواد يختارها الطالب ليمتحن فيها مرة ثانية لتحسين مجموعه، لتصل بعض المجاميع في هذه الفترة لأعلى من 100%".
"انتهى عصره"، هكذا يُعبّر "شحاتة" عن موقفه من تمسك الدولة المصرية بمكتب التنسيق، موضحاً "مجموع الدرجات شرط أساسي لدخول الجامعات، ولكنه ليس شرطاً كافياً"، ويضيف "لا بد من وجود معيارين للتقييم مثلما يحدث في عدد من دول العالم لقياس تحصيل الطالب ولتكن 60%، فيما تخصص 40% لاختبار الميول والقدرات".
من الطوابع إلى التسجيل الإلكتروني
وعلى مدى العقود الماضية، شهدت آلية تسجيل الرغبات تغيرات ثورية، من النظام الورقي إلى النظام الإلكتروني، الذي لاتقارن مشقّته بالنظام المعمول به حالياً. ففي السابق، كان لزاماً على الطالب الذهاب إلى أقرب جامعة للحصول على مظروف التنسيق، والذي يشتمل على استمارة وطوابع التنسيق.
كان الطالب يقوم بلصق طوابع كل كلية على استمارة التنسيق الورقية، وبترتيب أولوية رغبته في الالتحاق بها، فيما كان تعديل رغبة واحدة يقتضي الحصول على مظروف تنسيق آخر، لينتظر خطاب ترشيح من مكتب التنسيق عبر البريد في غضون أسابيع.
أما الآن، فعملية ترتيب الرغبات، والحذف والتعديل، تتم إلكترونياً بشكل كامل وفي دقائق معدودة، بينما تنشر نتيجة التنسيق على بوابة الحكومة المصرية.
وعود الإصلاح
ملفات عدة مُلغّمة ترتبط بإصلاح التعليم المصري، طرقها الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الحالي، منذ تولى الوزارة عام 2017، منها تغيير شكل الامتحانات، وإدخال نظام التابلت لتلقي الدراسة وإجراء الامتحانات عبر الأجهزة اللوحية وغيرها، غير أنه على مدى ثلاثة أعوام من التغييرات التي كانت حديث المجتمع المصري، لم يمس نظام التنسيق بسوء حتى الآن.
وأكد الوزير في تصريحات سابقة أن مكتب التنسيق بشكله الذي يألفه الطلاب حالياً، لن يزول قبل 5 أعوام، مردفاً أن إحلال "التقييم التراكمي" بدلاً من تنسيق الكليات يتوقف على تغيير تشريعي، وسيطبق على الدفعة التي تلتحق بالثانوية العامة بعد إصدار هذا التشريع.