اعتمدت وزارة التربية والتعليم المصرية، نظام "الفصل المقلوب" أو Flipped classroom كنمط للتدريس في مدارسها خلال العام الدراسي المقبل، الذي يبدأ في غضون أسابيع، ضمن استراتيجية جديدة اعتمدتها الوزارة لتفادي تفشي فيروس كورونا بين الطلاب.
والنظام الجديد، يأتي بالتزامن مع تغييرات فارقة في شكل العام الدراسي، لعل من أبرزها نسبة حضور الطلاب إلى المدرسة، مُقابل التعليم الذاتي منزلياً بمعرفة أولياء الأمور، إذ سيحضر طُلاب المدارس إلى الفصول من يومين إلى 4 أيام أسبوعياً، وفقاً للخطة التي أعلنها وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي، في وقت سابق.
وكان وزير التربية والتعليم المصري، طارق شوقي، أعلن قبل 3 أسابيع، نظام التعليم الجديد، خلال اجتماع في مقر الوزارة، أكد خلاله أنه يدمج بين تقنيات التكنولوجيا الحديثة والتفاعل المباشر مع المعلم، مع حضور أقل داخل الفصول.
"تعلّم 3.0"
ويعتمد نظام "الفصل المقلوب" على التعليم المدمج، الذي يشمل استخدام التكنولوجيا للاستفادة من نقل المحاضرات الدراسية خارج الفصول وتغيير طريقة التعلم داخلها، وهي تتيح للطلاب قضاء المزيد من الوقت في التفاعل والبحث عن المواد العلمية تحت إشراف وتوجية المعلم.
ويُعد الفصل المقلوب، استراتيجية للتعلُم، تقع تحت مظلّة ما يُطلق عليه Education 3.0 أو "التعلم 3.0"، وهو مفهوم عام يشمل استراتيجيّات عدة توظّف التكنولوجيا في عملية التعليم، ويُستخدم بشكل موسّع في كوريا الجنوبية (المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا)، وفي أمريكا اللاتينية.
وفي هذا التقرير نستعرض كل ما يجب معرفته عن نظام الفصل المقلوب وأبرز ملامح استراتيجيته..
"بداية الفصل المقلوب"
في عام 1993، نشرت أليسون كينج، أستاذة التعلُم بجامعة ولاية كاليفورنيا الأميركية، ورقة بحثية وُصفت وقتها بـ"الثوريّة"، أسست لتحوُل دور المعلم من اعتلاء المنصة وتلقين الطلاب، إلى الوقوف بجوارهم والإشراف على عملية التعلم الذاتي والقيام بدور المرشد فيها.
وتعتبر هذه الورقة، على الرغم من عدم تعريفها بوضوح مفاهيم كالفصل المقلوب، أو التعليم العكسي، أساساً نظرياً لهذا الأسلوب من التعلُم. أما تطبيقياً، فتعد سلسلة "خان أكاديمي" من الفيديوهات التعليمية التي سجّلها وأتاحها الأميركي سلمان خان على الإنترنت منذ عام 2004، أقدم مثال تطبيقي لاستراتيجية التعلُم تلك، لكنها حالياً تعتبر واحدة من نماذج عدة لمفهوم "الفصل المقلوب".
في عام 2012، كان أول استخدام صريح لمصطلح "الفصل المقلوب"، ضمن كتاب Flip Your Classroom، لمؤلفيه آرون سامز وجوناثان بيرغمان، اللذين وثقا فيه نموذج التعلم ذاك، وطبّقاه حين كانا يدرسان الكيمياء في العام 2007 بمدرسة وودلاند بارك، بولاية كولورادو الأميركية، حين شرعا في تسجيل الدروس وإتاحتها عبر الشبكة العنكبوتية، لمن لم يستطع حضور الحصص من الطلاب.
الإمارات نموذجاً
إحدى التجارب الحديثة لتطبيق نموذج "الفصل المقلوب"، هي نموذج التعليم بالإمارات العربية المتحدة، والتي شرعت في تطبيقه العام الماضي، في سياق تطوير نظام تعليم مستقبلي.
وبحسب وزارة التعليم الإماراتية، فإن نظام "الصف المقلوب" يتشارك فيه المنزل والمدرسة في عملية التعلُم، يوظّف خلالها المعلم التكنولوجيا الحديثة في تحويل الدرس لمقاطع مصوّرة يطلع عليها الطلاب عبر الإنترنت في المنزل أو بأي مكان آخر، عبر أجهزتهم اللوحية أو حواسيبهم، ثم يؤدون الأنشطة عليها داخل الفصل، وذلك لفهم المادة العلمية والتطبيق عليها.
ويكون المعلم في نظام "الفصل المقلوب" مشرفاً على أداء وتقييم الطلاب، وتصميم الأنشطة الملائمة للمستويات المتباينة لهم، ودعم المتعثرين، فضلاً عن التطبيق العملي ما يعزز استيعاب المادة العلمية.
ملامح النموذج المصري
خلال برنامج "الحكاية" مع الإعلامي عمرو أديب، تطرّق الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم المصري، لملامح عدة عن الخطة التعليمية للعام الدراسي الجديد، والتي أشار إلى أنها مستوحاة من نظام "الفصل المعكوس - flipped Classroom" المطبقة في الخارج.
وقال الوزير، إن المصدر الأساسي للدروس من الصف الرابع الابتدائي إلى المرحلة الثانوية، سيكون القنوات التعليمية، وأن الوزارة تعكف حالياً على تسجيل فيديوهات الدروس بطريقة فنيّة، وفقاً لتعبيره، بواسطة أفضل الأساتذة، وهو ما يناقض الصورة التقليدية السائدة عن البرامج التعليمية قديماً.
وبحسب شوقي، فإن تسجيل هذه الحلقات يأتي بغرض بناء أرشيف لجميع الدروس في المراحل التعليمية كافة، ليتحوّل مفهوم جدول الحصص التقليدي، إلى جدول للبرامج التعليمية وإعاداتها، على المنصة التعليمية.
وأوضح شوقي، أنه "يجب على أولياء الأمور ضرورة إدراك أن المدرسة بالنسبة للطلاب من الصف الرابع الابتدائي وحتى المرحلة الثانوية، لن تكون مصدراً لتلقي الدروس، وإنما للمواد خارج المجموع والأنشطة"، مؤكداً أن ذلك كله تطبقه الوزارة "تفادياً لحدوث موجة ثانية من إصابات كورونا".
وأشار الوزير إلى أن القنوات التعليمية سيصاحبها تطبيقات ومنصات إلكترونية مساعدة لعملية التعلُم عن بعد، كمنصة "إدمودو" المسجّل عليها حتى الآن 11 مليون طالب، وأخرى للبث المباشر، ومكتبة كتب تفاعلية بديلة للكتب الخارجية، كخدمات مجانية للطلاب.
إضافة إلى ذلك، ستدشن الوزارة تطبيق "اسأل المعلم"، الذي شبهه وزير التربية والتعليم بتطبيق "أوبر (لخدمة طلب السيارات) ولكن لأسئلة الطلبة"، إذ يُدخل الطالب السؤال، ليجيب عنه أحد الأساتذة، فضلاً عن منصة للدروس الخصوصية، وهي خدمات برسوم عينية لجميع الطلاب، جنباً إلى جنب مع منصات إدارة التعلم.
تجارب مشابهة وتحديات مختلفة
الخبيرة التربوية، بثينة عبدالرؤوف، قالت لـ"الشرق"، إن هناك عدداً من التجارب المشابهة لنظام "الفصل المقلوب" سبق أن قدمتها الدولة المصرية، لعل أبرزها تجربة "الجامعة المفتوحة"، التي كانت تعتمد على تدريس أساتذة الجامعة للمحاضرات عبر مقاطع فيديو، يتابعها الطلاب على مدار الأسبوع ثم يناقشونها في محاضرات تفاعلية في نهاية الأسبوع.
وضعت عبدالرؤوف، "نضج الطالب العمري"، شرطاً أساسياً لتطبيق هذا النظام، مؤكدة أن "صغار السن لا بد لهم من تفاعل مباشر ويومي مع الأساتذة والأقران، فضلاً عن الشق التربوي وبناء الشخصية لعملية التعلم متمثلاً في مهارات العمل ضمن المجموعة، وإقامة الحوار مع المعلم أثناء الشرح".
طرحت عبد الرؤوف تحدياً آخر لهذا النموذج، قائلة: "أولياء الأمور العاملون هم التحدي الحقيقي، إذ ستكون الفترة الصباحية ميتة بالنسبة لأبنائهم، نظراً لغياب المتابعة المنزلية، علاوة على إمكانية مواجهة الطلاب في المناطق الفقيرة صعوبة في المتابعة بهذا النظام نتيجة لعدم توفُر الإمكانيات التكنولوجية المطلوبة".
واشترطت عبدالرؤوف لتطبيق نظام "الصف المقلوب"، تقليص كثافة الفصول في المدارس الحكومية، والتي تصل أحياناً إلى 70 طالباً في الفصل الواحد، مع ضرورة وجود وقت يسمح للمعلم بمناقشة الجميع ومراعاة الفروق الفردية بين الطلاب، ومساعدة المتعثرين منهم.
رؤية متفائلة
في المقابل، عبر الدكتور حسن شحاتة، أستاذ مناهج التدريس بكلية التربية بجامعة عين شمس، وعضو المجالس المصرية المتخصصة، عن تفاؤله بنظام الفصل المقلوب، وقال لـ"الشرق"، إنه "يجعل المهام التعليمية بمنزلة شراكة بين المدرسة والمنزل، فالمدرسة لها دور التوجيه والإرشاد، بينما الأسرة تساعد الطالب على تنفيذ المهام الموكلة إليه من المعلم، وهو ما يؤسس لجانب الاستقلالية في شخصية الطلاب".
وبحسب شحاتة، فإن "جمع المعلومات وتصنيفها واتخاذ القرارات، ستكون مهارات يمكن للطالب أن يحوزها خلال نظام التعليم المقلوب، فالنظام الجديد يؤسس لتعدد مصادر المعرفة، بتعدد المنصات والتطبيقات كمنصة التعليم التفاعلي ومنصة إدمودو والبرامج التعليمية في ثوبها الجديد، ما يغني الطالب عن فكرة المصدر الواحد والكتاب الواحد والمدرس الواحد".
وأضاف أستاذ مناهج التدريس، أن "الدراسات التربوية أثبتت قبل أعوام فاعلية التعليم العكسي بالنسبة للمتعلمين، ويتوقع أن يكون مفيداً للطلاب المصريين"، مؤكداً أنه اتجاه سائد في عدد من الدول ذات النظم التعليمية المتقدمة، مثل فنلندا وكوريا الجنوبية واليابان، معتبراً أن تطبيق مثل هذا الاتجاه يضع التعليم المصري في إطار تلك المنافسة العالمية.