وافق مجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للتشريع) على قانون الإيجار القديم، وسط آمال بالتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة لمشكلة بدأت منذ عشرات السنين، ومخاوف من أزمات جديدة قد يتسبب بها القانون.
وينص القانون على إلغاء العقود القائمة بعد فترة انتقالية مدتها 7 سنوات للوحدات السكنية، و5 سنوات للوحدات التجارية والمكتبية، مع تطبيق زيادات تدريجية في القيمة الإيجارية وفق تصنيف العقارات إلى ثلاث فئات: متميزة، ومتوسطة، واقتصادية، بحد أدنى شهري قدره 1000 جنيه، و400 جنيه، و250 جنيهاً على الترتيب.
وتلتزم الحكومة، بموجب القانون، بتشكيل لجان خلال 6 أشهر لحصر وتصنيف العقارات، كما تقر زيادة سنوية بنسبة 15% على كافة العقود خلال الفترة الانتقالية. وتُجيز مواد القانون إخلاء الوحدات في حالات محددة، كالوحدات المغلقة لأكثر من عام، أو في حال امتلاك المستأجر لوحدة صالحة للاستخدام بذات الغرض.
أما العقارات التجارية والمكتبية والطبية فيكون إيجارها الجديد خمسة أمثال القيمة الحالية.
اعتراضات نيابية
ولم يمر القانون بسهولة، إذ انسحب 22 نائباً من جلسة إقراره احتجاجاً على المادة الثانية وعدم الاستجابة لاقتراح باستمرار العقود الحالية مع زيادة الإيجار حتى وفاة المستأجر الأصلي أو زوجته، وسط انقسام حاد بين ملاك العقارات الذين يطالبون بتحرير العلاقة الإيجارية فوراً دون انتظار فترة انتقالية، والمستأجرين الرافضين للقانون برمته.
وقال نواب إنهم "انسحبوا من الجلسة اعتراضاً على المادة الثانية"، مطالبين بتعديلها بحيث يسمح باستثناء المستأجر الأصلي وزوجه وأولاده من إنهاء العلاقة الإيجارية، حرصاً على عدم المساس بحقوقهم الاجتماعية والإنسانية.
وقال نواب إنهم قدموا مقترحات وحلول للحفاظ على حقوق المستأجرين والملاك بتوازن مناسب، إلّا أن كل المحاولات قد باءت بالفشل، ولم تستجب الحكومة لتلك المقترحات لتحقيق التوازن المطلوب، ولم تقدم حلولاً بديلة مرضية، وتم إقرار المادة (2) بشكل نهائي، إيذانًا بإغلاق باب الأمل في الوصول إلى حل تشريعي عادل، بحسب بيان لهم.
وينص مشروع القانون الجديد في مادته الثانية على إخلاء الوحدات السكنية خلال 7 سنوات، وغير السكنية خلال 5 سنوات.
كما نص القانون على الإخلاء الفوري للوحدات المغلقة لمدة تزيد عن العام، أو إذا ثبت أن المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار يمتلك وحدة سكنية أو غير سكنية، بحسب الأحوال قابلة للاستخدام في ذات الغرض المعد من أجله المكان المؤجر.
وتقدمت الحكومة في الجلسة العامة بتعديل يضمن للمستأجر الأصلي أو زوجه عدم إخلاء العين قبل توفير البديل المناسب بسنة على الأقل.
الحكومة: عالجنا مشكلة مزمنة
بدوره، قال وزير الشؤون النيابية والتواصل السياسي المستشار محمود فوزي، إن المادة 8 من القانون حوّلت المستأجر إلى صاحب أحقية بعدما كانت له أولوية.
وأوضح أن القانون يتضمن التزاماً واضحاً بتخصيص الوحدات السكنية للمستأجر الأصلي الذي تحرر له عقد إيجار من المالك أو المؤجر ابتداءً، والزوج أو الزوجة الذين امتد إليهم العقد قبل أحكام هذا القانون، قائلاً:"ينص القانون على ضرورة تخصيص وحدة سكنية لهم قبل عام، كحد أقصى، من انقضاء المدة المحددة بالمادة (2) والتي تمتد لـ7 سنوات".
وذكر فوزي خلال حديثه لـ"الشرق"، أن الحكومة عالجت مشكلة مزمنة استمرت لعشرات السنوات، مثلما فعلت جميع الدول في فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، بمعالجات قريبة من مشروع قانون الحكومة.
وأضاف: "لابد من مواجهة المشكلة، التي تعتمد على التدرج والتوازن بين الأطراف، وتضمن وجود حل نهائي، كما توفر بدائل سكنية للمستأجرين، وتلبي احتياجات المواطنين".
وأشار فوزي إلى أن القانون الجديد يشير إلى أن الدولة ستقوم بتوفير مساكن بديلة للمستأجرين، موضحاً أن الحكومة لن تبحث عن مكسب من وراء توفير البديل لمتضرري قانون الإيجار القديم، بل تحرص على أن تكون الاختيارات متعددة، والإجراءات ميسورة والأسعار مقبولة.
وقال فوزي إن "أزمة قانون الإيجار القديم هي أن هناك 50% يؤيدون القانون، وهم الملاك، و50% يعارضونه، وهم المستأجرون"، مؤكداً أن "الدولة لن تخلي العين المستأجرة قبل توفير البديل بسنة على الأقل".
وأضاف:" من اليوم الأول وحتى 6 سنوات سيكون هناك بديل للمستأجرين سواء إيجار أو تمليك أو إيجار تمليكي".
ومن المتوقع أن يحيل مجلس النواب مشروع القانون إلى رئيس الجمهورية، لإقراره ومن ثم نشره بالجريدة الرسمية، إذ يحق للرئيس الطلب من مجلس النواب إعادة النظر في مشروع القانون.
المستأجرون والملاك.. "انقسام"
ويمس القانون الجديد قطاع عريض من المصريين، حيث تشير الأرقام الرسمية (حسب إحصاء 2017) إلى وجود نحو 6 ملايين مواطن يعيشون في عقارات تخضع للإيجار القديم.
وذكر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في وقت سابق، أن هناك نحو مليوني وحدة سكنية شاغرة بقيمة تقديرية تريليون جنيه (20.6 مليار دولار).
وتقع أغلب الوحدات السكنية في القاهرة والإسكندرية، إذ تخضع العلاقة الإيجارية في هذه العقارات لقوانين استثنائية صدرت منذ عام 1952، وامتدت بموجبها الإقامة في الشقة المؤجرة حتى بعد وفاة المُستأجر الأصلي لـ5 أجيال، إلى أن جاءت المحكمة الدستورية العليا، ففضت الاشتباك عام 2002، بجعْل التوريث لجيل واحد فقط.
بدورها، رحبت "جمعية حقوق المضارين من قانون الايجار القديم"، وهو كيان غير حكومي يضم ملاك العقارات الخاضعة للإيجار القديم.
ووصف عمرو حجازي، نائب رئيس جمعية المتضررين من قانون الإيجار القديم، القانون الجديد بأنه خطوة في الطريق الصحيح.
واعتبر حجازي خلال حديثه لـ"الشرق" أن "إلغاء القانون يمثل خطوة نحو تنشيط قطاع العقارات"، لافتاً إلى أن "الإيجار القديم تسبب في تعطيل الاستثمار العقاري".
على الجانب الآخر، رأى ميشيل حليم المستشار القانوني وممثل مستأجري الوحدات السكنية والتجارية، أن القانون الجديد خالف المبادئ الدستورية في مصر، وبالتالي يمكن الطعن فيه.
وأوضح حليم خلال تصريحات لـ"الشرق"، أن وسائل الطعن أمام المستأجرين حالياً هي الطعن استناداً إلى "عقبة التنفيذ"، أو صعوبة تنفيذ القانون، لمخالفته لبعض الأحكام الدستورية المتعارف عليها، وأهمها مبدأ الامتداد القانوني، وهو أحد المبادئ التي أرستها المحكمة الدستورية، وجرى مخالفتها في القانون الحالي عبر المادة الثانية التي تنص على إنهاء العلاقة الإيجارية.
ويستشهد حليم بحكم سابق للمحكمة الدستورية التي نبهت على المشرّع بأهمية الامتداد القانوني، وما يكفله من حالات الاستقرار، وأنه حق من حقوق المستأجر، وحفاظاً على كرامته واستقراره.
أرقام ومؤشرات
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (إحصاء 2017) فإن الإيجار القديم يشكل 7% من إجمالي المباني في مصر، إذ يبلغ عدد الوحدات التي تخضع لنظام الإيجار القديم 3.9 مليون وحدة، فيما يبلغ عدد الوحدات المغلقة لوجود مسكن آخر نحو 300 ألف وحدة سكنية.
وتشمل هذه الوحدات مليون و879 ألفاً و764 وحدة سكنية، و575 ألف وحدة مخصصة للعمل فضلاً عن 9807 وحدات تُستخدم في العمل والسكن معاً.
ويبلغ عدد الأسر الخاضعة للإيجار القديم نحو مليون و642 ألفاً و870 أسرة، تضم أكثر من 6 ملايين فرد، وتسدد 36% من الأسر قيمة إيجارية أقل من 50 جنيهاً (دولار أميركي واحد).
كما يصل إيجار بعض الوحدات لـ175 قرشاً، أما القيمة من 50 لــ100 قرش فيصل العدد 327 ألف بنسبة 20%، ومن يدفع أكثر من 900 جنيه عددهم 1942 بنسبة 2%.