"الناس مستعدون للموت من أجل كيس أرز".. جراحة بريطانية تروي ما شاهدته في غزة

فلسطينيون يتزاحمون حول شاحنة مساعدات في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة. 23 يونيو 2025 - REUTERS
فلسطينيون يتزاحمون حول شاحنة مساعدات في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة. 23 يونيو 2025 - REUTERS
دبي-الشرق

وصفت الجراحة البريطانية فيكتوريا روز ما شاهدته في قطاع غزة أثناء علاجها لأشخاص أُصيبوا بالرصاص أثناء محاولتهم الحصول على الطعام، وأطفال تعرضوا لإصابات غيرت مجرى حياتهم جراء قنابل إسرائيلية.

في صباح مطلع يونيو الماضي، كانت روز توشك على إنهاء مهمتها التطوعية التي استمرت 21 يوماً في غزة، عندما قرأت خبراً عن إطلاق نار جماعي على فلسطينيين قرب نقطة توزيع مساعدات غذائية، وفق صحيفة "نيويورك تايمز". 

ووصلت روز، وهي جراحة تجميل بارزة في لندن وتبلغ من العمر 53 عاماً، إلى غزة ضمن بعثة تابعة لجمعية خيرية بريطانية صغيرة سبق أن أرسلت أطقماً طبية لمعالجة أزمات إنسانية في دول منها البوسنة والهرسك وسريلانكا.

وتوجهت روز مباشرة إلى قسم الطوارئ في مستشفى ناصر، حيث كانت تعمل، ووصلت هناك قرابة الساعة الثامنة صباحاً. ويُعد هذا المستشفى آخر مرفق طبي كبير لا يزال يعمل في جنوب غزة.

وفي مقابلة أجرتها معها "نيويورك تايمز" في لندن، قالت روز: "كانت سيارات الإسعاف تدخل وهي تحمل جثثاً، ثم جاءت عربات تجرها الحمير تحمل جثثاً".

وأضافت: "وبحلول الساعة العاشرة تقريباً، كان لدينا نحو 20 جثة، وأكثر من 100 إصابة بطلق ناري على الأقل". 

"أجساد ممزقة"

وقالت روز إنها شاهدت نظاماً صحياً يتعرض لضغط هائل بسبب التدفق المتواصل لمصابين بجروح بليغة خلال الأسابيع الثلاثة التي قضتها في مستشفى ناصر.

وأضافت أن عدداً أكبر بكثير من المرضى هذه المرة كانوا يعانون من حروق "لا يمكن النجاة منها" أو من إصابات شديدة نتيجة انفجارات ناجمة عن قنابل إسرائيلية، مقارنة برحلتيها السابقتين إلى غزة خلال الحرب. 

وتابعت روز: "لم تعد الإصابات ناجمة عن شظايا، بل كانت أجزاء من أجسادهم قد تمزقت. كان الأطفال يُنقلون إلينا دون رُكب، أو دون أقدام، أو دون أيدٍ".

وعلى مدار 21 شهراً، عانى المدنيون في غزة من حملة قصف تُعد من بين الأشد عنفاً في الحروب الحديثة، شنتها إسرائيل في إطار عمليتها العسكرية ضد حركة "حماس".

وفيات قرب نقاط التوزيع

ومنذ مطلع يونيو الماضي، سُجل سقوط أكثر من 700 فلسطيني وإصابة نحو 5 آلاف آخرين، في حوادث إطلاق نار شبه يومية قرب نقاط توزيع مساعدات تُدار وفق نظام جديد بدعم من إسرائيل والولايات المتحدة، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية.

وتسببت أعداد الضحايا الكبيرة في تشويه صورة مبادرة المساعدات التابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" (G.H.F)، التي تعتمد في الغالب على متعاقدين أمنيين خاصين من الولايات المتحدة، وتحظى بدعم من قوات إسرائيلية متمركزة في الجوار. وقد دعت عشرات المنظمات الإغاثية إلى إغلاقها، بحسب "نيويورك تايمز".

وقال مسؤولون إسرائيليون ومن "مؤسسة غزة الإنسانية"، إن الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة بشأن الضحايا "غير دقيقة"، من دون أن يقدموا حصيلة بديلة أو يعلقوا على بيانات أخرى.

وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هذا الأسبوع، إن مستشفاها الميداني في رفح استقبل أكثر من 2200 مصاب بأسلحة، معظمهم جراء 21 حادثة جماعية، وسجل 200 حالة وفاة منذ بدء العمل بالنظام الجديد للمساعدات. وأضافت اللجنة أن "حجم هذه الحوادث وتكرارها غير مسبوق".

مساعدات ثمنها الموت

ومنعت إسرائيل دخول الصحافيين الأجانب إلى غزة منذ بداية الحرب، باستثناء من يرافقون الجيش في جولات ميدانية تحت إشراف عسكري.

ونتيجة لذلك، أصبح العاملون في منظمات طبية مثل "أطباء بلا حدود" و"الصليب الأحمر" وIdeals، التي تطوعت معها روز، من بين قلة قليلة من المراقبين الدوليين القادرين على تقديم روايات مباشرة عما خلفته هذه الحوادث، وعن أوضاع المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل في القطاع.

وقالت روز إن جميع المرضى الذين عالجتهم في مطلع يونيو أفادوا بأنهم أُصيبوا برصاص أطلقه أفراد يحرسون نقطة توزيع الغذاء.  

وأضافت أن عدة أشخاص أخبروها بأنهم تعرضوا لإطلاق نار أثناء "السيطرة على الحشود" خلال محاولتهم الفرار. وقالت "نيويورك تايمز" إن المقصود بهذه العبارة "ليس واضحاً".

وأضافت روز أن رواياتهم كانت متسقة مع الإصابات التي عاينتها، والتي شملت طلقات نارية في الساقين، وكذلك في الجذع والبطن. 

وتابعت: "وصلنا إلى مرحلة بلغ فيها الحرمان بالناس حداً جعلهم مستعدين للموت من أجل كيس من الأرز وقليل من المعكرونة".

وتعمل روز عادة كجراحة تجميل أولى في مستشفى تشيلسي وويستمنستر بلندن، ويتمثل اختصاصها في إعادة بناء الثدي لمرضى السرطان، لكنها عالجت خلال مسيرتها التي امتدت 30 عاماً إصابات بليغة ناجمة عن حوادث سير وحالات إطلاق نار.

لكنها قالت إن تلك الخبرات لم تُعدها لحجم المعاناة التي واجهتها خلال زياراتها الثلاث إلى غزة خلال الأشهر الـ14 الماضية. وأضافت: "لم أشهد هذا الكم ولا هذه الشدة من قبل".

وأوضحت روز أن أصغر مريض عالجته كان رضيعاً عمره 3 أشهر في مايو الماضي، وقد أصيب بحروق شديدة في البطن والساق جراء انفجار قنبلة.

وكانت روز تنشر مقاطع فيديو باستمرار عبر حسابها على "إنستجرام" تُظهر فيها عملها داخل المستشفى. وبينما حمل بعضها طابعاً خفيفاً، مثل مقطع بعنوان "فطور الجراحين" حيث تضع زبدة الفول السوداني على قطعة بسكويت، فإن مقاطع أخرى كانت صادمة ومؤلمة، وتُظهر مرضى يعانون من جروح خطيرة. 

وقالت: "شعرت فقط أن الناس بحاجة إلى رؤية ما أراه". وفي منشور بتاريخ 23 مايو، قدمت طفلاً يُدعى حاتم، يبلغ من العمر 3 سنوات، وكان ملفوفاً بالكامل تقريباً بالضمادات. وقالت في الفيديو: "لديه حروق بنسبة 35%... وهذا حرق هائل بالنسبة لطفل صغير".

وكشف تحقيق أجرته "نيويورك تايمز"، العام الماضي، أن إسرائيل خففت بشكل كبير من الإجراءات الهادفة إلى حماية المدنيين خلال النزاع. ففي بعض الحالات، صادق قادة عسكريون إسرائيليون على تنفيذ ضربات كانوا يعلمون مسبقاً أنها ستعرض حياة أكثر من 100 مدني للخطر. 

تصنيفات

قصص قد تهمك