وسط ارتفاع مقلق لحالات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا (كوفيد-19) في الجزائر، أعلنت ولايات ومؤسسات عامة فرض إجراءات تنظيمية تمنع غير الملقحين ضد فيروس كورونا من دخول مقرات العمل والأماكن العامة المغلقة.
وفي إشعار لموظفي الإدارات الحكومية، أكدت ولاية تيسمسليت أنه "في إطار تطبيق التدابير الوقائية المتخذة للحد من انتشار وباء كورونا"، لن يسمح ابتداء من الأحد المقبل لأي موظف لم يتلق التطعيم بالدخول إلى مقر العمل، مشيرة إلى أن هذا الموظف "يعتبر في حالة غياب غير مبرر، وسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة ضده".
وأثار هذا القرار جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، دفع بعض سلطات الولايات إلى التراجع عن قرارتها، وأثار نقاشاً عاماً حول إلزامية التلقيح ضد كورونا، ومدى استعداد الولايات لذلك.
ويشير تراجع السلطات المحلية عن قرار فرض اللقاح في عدد من الولايات إلى حالة من الارتباك بشأن فرض الإلزامية لدخول الأماكن العامة، فقد تراجعت ولاية مستغانم غرب الجزائر عن قرار منع غير الملقحين من دخول المساجد، واكتفت بنشر فرق طبية توعوية في المساجد والأماكن المغلقة، للتنبيه على ضرورة التلقيح ضد كوفيد وسلالاته المتحورة.
قيد الدراسة
لجنة رصد ومتابعة فيروس كورونا، أعلنت في يوليو الماضي دراسة مقترح بإصدار شهادة تلقيح، يتم إظهارها عند دخول بعض المؤسسات الرسمية والأماكن العامة، كالملاعب والقاعات الثقافية ودور السينما، وغيرها من المرافق المشابهة.
وقال علي ربيج، النائب البرلماني ورئيس لجنة الشؤون الصحية بالبرلمان، لـ"الشرق"، إن إلزامية التلقيح لدخول الأماكن والفضاءات العمومية "من بين المقاربات المطروحة للنقاش، والتي يمكن أن تعتمدها السلطات الجزائرية لمحاربة تفشٍّ أوسع لفيروس كورونا".
واعتبر ربيج أن فرض بعض الولايات التطعيم على عمالها لدخول أماكن العمل يشير إلى توجه نحو تعميم إلزامية التلقيح مستقبلاً.
جدل لا يتوقف
آراء الجزائريين تضاربت حول إلزامية التطعيم ضد فيروس كورونا، بين مؤيد ومعارض. وقال الطبيب محمد قماري إن "التلقيح هو الآلية الوقائية الوحيدة التي بين أيدينا لحد الآن لمواجهة تفشٍّ أوسع للوباء، ووقوع ضحايا جدد".
وأضاف: "نفهم أن من وظائف الدولة والسلطات حماية أرواح الناس كلما كان هناك وضع يهددهم، وضمن هذا السياق لجأت السلطات إلى فرض قيود تمنع من دخول بعض الأماكن العمومية لدرء مخاطر الفيروس".
في المقابل، يرى الدكتور الباحث في علم الأوبئة محمد ملهاق، في حديثه لـ"الشرق"، أن فرض إلزامية التلقيح سابق لأوانه في الجزائر. وبدلاً من ذلك، يرى ملهاق "تركيز الجهود على الإقناع وتبديد المخاوف من اللقاح والتوعية بأهميته لحماية الصحة العامة في البلاد".
أما رشيد لوراري، أستاذ العلوم القانونية في جامعة الجزائر، فقال لـ"الشرق": "يجب أن نفهم في البداية أنه لا يوجد أي نص قانوني يلزم المواطن بأخذ اللقاح ضد فيروس كورونا".
وأضاف: "لكن أمام أخطار هذا الوباء وما نتج عنه من كوارث صحية عجزت حتى الدول المتقدمة عن مواجهتها، وانطلاقاً من رأي المختصين في الصحة، أعتقد من مبدأ المصلحة العامة، يمكن للسلطات أن تتخذ ما تراه مناسباً في هذا المجال، بما في ذلك إلزامية التلقيح، خصوصاً في بعض القطاعات الاستراتيجية والمهة كالصحة والتربية".
"إنتاج اللقاح أولاً"
محمد قندوز أستاذ الإدارة الصحية قال، في تصريح لـ"الشرق"، إن فرض الإلزامية يتطلب استعدادات لوجستية بتوفير كميات اللقاح الكافية والترتيبات اللوجستية والفضاءات اللازمة لذلك.
وأطلقت البلاد حملة تلقيح نهاية شهر يناير الماضي، وبحسب السلطات الجزائرية تم تطعيم نحو 3.5 مليون جزائري من أصل "نحو 44 مليون جزائري"، فيما تشير الإحصاءات الحكومية إلى حصول الدولة الجزائرية على أكثر من 9 ملايين جرعة لقاح حتى نهاية شهر يوليو المنصرم.
وتتوقع الحكومة الجزائرية الحصول على 8.2 مليون جرعة من لقاح "سينوفاك" و758 ألف جرعة من لقاح "أسترازينيكا" (في إطار كوفاكس)، و650 ألف جرعة بالنسبة للقاح "سبوتنيك في".
ومن المقرر أن تبدأ الجزائر الإنتاج المحلي للقاح الصيني سينوفاك إضافة إلى لقاح "سبوتنيك في" الروسي شهر سبتمبر المقبل.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمر بتسريع الإجراءات لمواصلة اقتناء مكثفات جديدة للأكسجين، ووضع محطات لإنتاج الأكسجين داخل المستشفيات لتلبية الطلب من هذه المادة الحيوية، بالإضافة إلى مواصلة عملية التلقيح مع إعطاء الأولوية للولايات الأكثر تضرراً.