بدا المستثمرون في بورصة "وول ستريت" غير مكترثين بإغلاق الحكومة في الولايات المتحدة، إذ أنهت الأسهم الأميركية تداولات الأربعاء عند مستويات قياسية، رغم أن الإغلاق يُتوقع أن يؤدي إلى تعطيل مئات الآلاف من الموظفين وشل عمل وكالات فيدرالية تقدم خدمات أساسية واسعة النطاق، بحسب شبكة CBS news.
ورغم أن إغلاق الحكومة يخلف تداعيات خطيرة وملموسة تطال ملايين الأميركيين، تُظهر البيانات أن تأثيره على الأسواق المالية والاقتصاد الأوسع يكون محدوداً نسبياً، لا سيما إذا استمر لفترة وجيزة.
وتجاهلت البورصة العناوين السلبية، إذ أغلق مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" مرتفعاً بنسبة 0.3%، متجاوزاً أعلى مستوى قياسي كان قد سجله الأسبوع الماضي، كما أنهى مؤشر "داو جونز" الصناعي Dow Jones جلسة التداول عند مستويات قياسية جديدة.
ونقلت الشبكة عن كبير استراتيجيي الأسواق العالمية في معهد "ويلز فارو" للاستثمار سمير سامانا قوله: "معظم الأنشطة الاقتصادية تتأخر عادة خلال فترة الإغلاق، لكنها تُعوض سريعاً بعد انتهائه، لذلك لا أتصور أنه سيُحدث اضطراباً كبيراً في أسواق الأسهم".
وقال رئيس استراتيجيات الاستثمار في شركة "جلوبال إكس" للاستثمار سكوت هيلفستاين: "عمليات إغلاق الحكومة مزعجة وفوضوية، لكن لا توجد أدلة تُذكر على أن لها تأثيراً كبيراً على الاقتصاد".
تعافي سريع
وخلال فترات الإغلاق الحكومي الـ22 التي شهدتها الولايات المتحدة منذ عام 1976، ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في بعض الحالات، بينما تراجع في حالات أخرى.
وبشكل عام، حقق المؤشر مكاسب متوسطة بلغت 0.3% خلال تلك الفترات، وفقاً لتحليل أجرته مجموعة "كارسن". ووجدت شركة إدارة الأصول أن المؤشر قفز بمتوسط 13% خلال الأشهر الـ12 التي تلت فترات الإغلاق الحكومي.
وخلال أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، والذي بدأ في ديسمبر 2018 واستمر حتى يناير 2019، جرى تسريح نحو 800 ألف موظف فيدرالي مؤقتاً أو أُجبروا على العمل من دون أجر.
وقد وضع ذلك العديد من الموظفين تحت ضغوط مالية شديدة، ما دفع بعضهم إلى اللجوء إلى بنوك الطعام، فيما أطلق آخرون حملات لجمع التبرعات عبر الإنترنت.
ومع ذلك، أوضح توماس رايان، الخبير الاقتصادي المتخصص في شؤون أميركا الشمالية في شركة "كابيتال إيكونوميكس" للاستشارات الاستثمارية، أن هذه الخسائر في الدخل كانت "قطرة في محيط" اقتصاد الولايات المتحدة البالغ حجمه 30 تريليون دولار.
وتراجع الإنفاق الاستهلاكي في مختلف أنحاء الولايات المتحدة خلال الشهرين اللذين ظلت فيهما الحكومة تعمل بشكل جزئي، لكنه سرعان ما تعافى بعد ذلك.
إغلاق مختلف
وتعد المتغيرات السياسية وراء الأزمة الأخيرة في الكونجرس مختلفة عن تلك التي شكلت المراحل السابقة، ما يجعل من الصعب التنبؤ بمدة استمرار الإغلاق الحالي.
ويرى محللو وول ستريت أن استمرار حالة الجمود لشهر أو أكثر من شأنه أن يغذي حالة عدم اليقين في الأسواق ويقوض ثقة المستثمرين.
وقال الاقتصادي دانييل ألتمان، مؤلف نشرة "هاي ييلد إيكونوميكس" (High Yield Economics)، للشبكة إن حالة عدم اليقين تعود مع الإعلان عن رسوم جمركية جديدة الأسبوع الماضي، وأن هذا الإغلاق يضيف مزيداً من الضبابية، ما قد يشل النمو في المستقبل.
وأضاف: "سيكون من الصعب على الأسهم مواصلة الصعود إذا كان لا أحد يعرف ما الذي ستكون عليه الصورة المالية خلال العام المقبل".
ويرى ألتمان أن استمرار الإغلاق لفترة طويلة قد يدفع الشركات إلى تجميد قراراتها الاستثمارية والتوظيفية، وهو ما سيضغط على أسعار الأسهم.
وقالت CBS News إن الإغلاق الحالي سيحدث أثراً مباشرً آخر قد يثير قلق المستثمرين، إذ سيؤدي إلى وقف صدور التقارير الاقتصادية التي يعتمد عليها الخبراء لتقييم كل شيء، من معدلات التضخم إلى وتيرة نمو الوظائف.
وقال آدم كريسافولي، محلل الأسواق في شركة "فايتال نوليدج"، في تقرير، إن المستثمرين قد يشعرون بأنهم "يسيرون من دون بوصلة" في غياب البيانات الاقتصادية الأساسية.