امتدَّت أزمة الوقود في لبنان لتطال سلعاً رئيسية أخرى أبرزها الطحين، حيث بات اللبنانيون يجدون صعوبات كبيرة في تأمين الخبز.
وبلغت الأزمة أوجها مع إعلان مصرف لبنان، الأربعاء، بدء فتح اعتمادات شراء المحروقات وفق سعر الصرف في السوق السوداء، ما يعني عملياً رفع الدعم عن هذه المواد الحيوية.
وأحدث الإعلان هلعاً بين الناس، فكل شيء مرتبط بالمحروقات، ورفع الدعم يعني احتمال ارتفاع الأسعار بشكل خيالي، ما يدفع البعض إلى تخزين المادة إذا كانوا يملكونها، أو عدم القدرة على شرائها أو شراء مشتقاتها كالغاز أو المواد الأساسية التي تحتاج إلى الوقود لتصنيعها، والخبز أحدها.
وأغلقت أفران عدة في بيروت ومناطق أخرى أبوابها، بينما تعمل أخرى على تقنين المبيعات جراء أزمة شح مادة المازوت الضروري لتشغيلها.
"نقص في كل شيء"
أما الأفران القليلة التي فتحت أبوابها فتشهد إقبالاً كثيفاً. توجه ميخائيل حماتي (72 عاماً) إلى فرن في شمال شرق بيروت لشراء الخبز، ليفاجأ بطابور من الناس الذين سبقوه. ويقول بحسرة، في إشارة إلى أزمات المحروقات والأدوية ومواد أساسية في لبنان "لم يعد هناك أي شيء في البلد"، بحسب ما نقلته وكالة "فرانس برس".
يتصبب العرق من جبين ميخائيل المنهك الذي يتكئ على سيارة مركونة الى جانب الطريق للاستراحة من الانتظار تحت أشعة الشمس. تدمع عيناه ويقول: "ماذا يوجد في البلد أساساً؟ هناك نقص في كل شيء".
إلى جانب حماتي، تجمَّع نساء ورجال وأطفال أمام باب فرن النصر في منطقة النبعة، فيما وقف أحد العاملين لينظم عملية التوزيع، الكبار في السن أولاً ثم النساء والأطفال.
يقول صاحب الفرن جاك الخوري (60 عاماً) الذي فتح عند الساعة الثالثة فجراً ليبدأ مباشرة باستقبال الزبائن: "أغلقت الأفران في كل المنطقة، وبات الضغط كله عليّ.. حصتي شهرياً 36 طناً من الطحين، وعلى هذه الحال لن تكفيني سوى أسبوع". ويضيف مناشداً المسؤولين بكل غضب: "يجب دعمنا بالمازوت والطحين".
تقنين توزيع الخبز
في طرابلس (شمال)، أغلقت أفران كثيرة أبوابها، وخلت رفوف المحال الغذائية من ربطات الخبز الأبيض، أما الأفران القليلة التي فتحت أبوابها فتشهد إقبالاً كثيفاً.
ويقول أحد العاملين في واحد من أكبر أفران طرابلس لـ"فرانس برس": "فرضنا تقنيناً على توزيع الخبز على المتاجر، وبتنا نوزع بأقل من نصف الكمية التي كنا نرسلها سابقاً".
منذ أسابيع، يحذر أصحاب الأفران من أزمة خبز في حال لم يتوفر لهم المازوت الكافي لتشغيل الأفران والمطاحن.
ويوضح نقيب أصحاب الأفران علي ابراهيم لوكالة "فرانس برس": "الأفران غير قادرة على توفير المازوت... ولا نعرف إن كانوا سيوزعون علينا، إنهم غائبون تماماً عن السمع"، في إشارة إلى المسؤولين.
ويضيف: "يعطوننا وقوداً (مازوت) يكفي ليومين نقضيهما في حالة قلق وخوف، فيما يجدر أن يتم تزويد الأفران والمطاحن بكميات تكفيها لمدة شهر على الأقل".
أزمة المحروقات
إمدادات المحروقات شبه المعدومة، باتت تمثل أزمة حقيقية، إذ يتواصل انقطاع الكهرباء الممتد في أنحاء لبنان، فيها تشهد محطات الوقود التي ما زال لديها إمدادات اصطفاف طوابير لمدة ساعات.
وقالت المديرية العامة للنفط في لبنان، الجمعة، إنه يجب على المستوردين والمنشآت النفطية توريد الكميات المخزنة من الوقود التي اشتروها بالفعل قبل أن يعلن المصرف المركزي عن رفع فعلي للدعم ليل الأربعاء.
وذكرت المديرية، بحسب وكالة "رويترز"، أن الكميات التي تم شراؤها بذلك السعر يجب بيعها بينما ينتظر المستوردون إعلان سعر الصرف الجديد من البنك المركزي.
وقالت المديرية في بيانها: "تهيب المديرية العامة للنفط بالجَميع تُحّمُل مسؤولياته لجهة تأمين الاعتمادات اللازمة من أجل تأمين المحروقات".
الانهيار الاقتصادي الأسوأ
ويعاني لبنان منذ صيف 2019 انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، صنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
ووضعت المصارف قيوداً على الودائع، وبدأت العملات الأجنبية تنفد من الأسواق والليرة اللبنانية تفقد قيمتها. وضرب الانهيار قطاعات مهترئة أساساً مثل الكهرباء، وتعثرت أخرى، أبرزها قطاع الصحة بعد تفشي فيروس كورونا، ثم هجرة مئات الأطباء والممرضين، ومؤخراً نقص الأجهزة الطبية والأدوية جراء التدهور المالي وعدم القدرة على فتح اعتمادات الاستيراد جراء نضوب الاحتياطي الإلزامي.
وقدّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 78% من سكان لبنان باتوا يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعيش 36% في فقر مدقع.
ويحصل غالبية اللبنانيين على أجورهم بالعملة المحلية التي فقدت أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بما يفوق 400%، وفق الأمم المتحدة.