أوقية الذهب تتجاوز 4 آلاف دولار للمرة الأولى مدفوعة بإغلاق الحكومة الأميركية

سبائك ذهب معروضة للتصوير بإحدى الشركات في مومباي. 3ديسمبر 2009 - REUTERS
سبائك ذهب معروضة للتصوير بإحدى الشركات في مومباي. 3ديسمبر 2009 - REUTERS
دبي -الشرق

تجاوز سعر الذهب في المعاملات الفورية، مستوى 4 آلاف دولار للأوقية للمرة الأولى، مدفوعاً بمخاوف تتعلق بالاقتصاد الأميركي والإغلاق الحكومي، والتي أعطت زخماً جديداً لموجة الصعود القوية للمعدن النفيس، وفق "بلومبرغ".

وصعد الذهب بنسبة 0.4% ليصل إلى 4001.11 دولار للأوقية (حوالي 31.1 جرام)، الأربعاء، في لحظة تاريخية للمعدن الثمين، الذي كان يتداول بأقل من 2000 دولار قبل عامين فقط، محققاً عوائد تفوق الآن عوائد الأسهم خلال القرن الحالي. 

وقفز الذهب بأكثر من 50%  خلال العام الجاري، وسط شكوك تتعلّق بالتجارة العالمية واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والاستقرار الأوضاع المالية في الولايات المتحدة. بينما أدت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة إلى تعزيز الطلب على أصول الملاذ الآمن هذا العام، في حين واصلت المصارف المركزية شراء الذهب بوتيرة مرتفعة.

اكتسب هذا الارتفاع زخماً إضافياً، مع سعي المستثمرين للتحوّط من صدمات محتملة في الأسواق في أعقاب أزمة التمويل الحكومي في واشنطن. 

كما شكلت بداية دورة التيسير النقدي للاحتياطي الفيدرالي عاملاً داعماً للذهب، الذي لا يدرّ فائدة، واستجاب المستثمرون من خلال الإقبال على الصناديق المتداولة في البورصة، حيث شهدت صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب، أكبر تدفقات شهرية لها منذ أكثر من 3 سنوات في سبتمبر الماضي.

ونقلت  "بلومبرغ" عن تشارو تشانانا، المحللة الاستراتيجية في "ساكسو كابيتال ماركتس بي تي إي" Saxo Capital Markets Pte، قولها: "تجاوز الذهب مستوى 4 آلاف دولار لا يتعلق بالخوف فحسب، بل بإعادة توزيع الأصول".

وأضافت: "مع توقف إصدار البيانات الاقتصادية مؤقتاً، واقتراب خفض أسعار الفائدة، تتراجع العوائد الحقيقية، في حين تبدو أسهم شركات الذكاء الاصطناعي مبالغاً في تقييمها. البنوك المركزية أرست قاعدة لموجة الصعود تلك، ولكن مبيعات التجزئة وصناديق المؤشرات المتداولة هي التي تقود الآن المرحلة التالية".

ارتفعت سبائك الذهب بما يصل إلى 0.7% إلى 4010.84 دولار للأوقية، الأربعاء، وتم تداولها عند 4009.75 دولار حتى الساعة 10:56 صباحاً في سنغافورة.

أزمات اقتصادية وسياسية

وعادةً ما تتزامن القفزات في سعر الذهب مع فترات الضغوط الاقتصادية والسياسية الكبرى. فقد تجاوز المعدن مستوى 1000 دولار للأونصة عقب الأزمة المالية العالمية، و2000 دولار أثناء جائحة فيروس كورونا، و3000 دولار في مارس عندما أثّرت خطط إدارة الرئيس دونالد ترمب الجمركية في الأسواق العالمية.

والأربعاء، تجاوز الذهب حاجز 4 آلاف دولار على خلفية هجوم الرئيس الأميركي على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بما في ذلك تهديداته لرئيسه جيروم باول ومساعيه لإقالة عضو مجلس المحافظين ليزا كوك، في ما يعدّ الاختبار الأوضح حتى الآن لاستقلالية البنك المركزي الأميركي.

وأشارت "بلومبرغ"، إلى أن اتباع بنك الاحتياطي الفيدرالي نهجاً مرناً من شأنه خفض أسعار الفائدة وتحفيز ارتفاع التضخم، يمكنه أن يهيئ وضعاً مناسباً للذهب الذي لا يحقق عائداً. ويُنظر إلى سبائك الذهب عادة على أنها وسيلة تحوط من التضخم، وغالباً ما تتراجع جاذبيته عندما ترتفع تكاليف الاقتراض التي تجعل النقد والسندات أكثر جاذبية.

وكتب محللو "ماكواري بنك ليمتد" Macquarie Bank Ltd في مذكرة بتاريخ 30 سبتمبر: "نتوقع أن يصل الذهب إلى ذروته الدورية عندما تبلغ المخاوف بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي أقصاها".

وأضافوا: "أما في حال ارتكب الفيدرالي الخاضع للضغوط السياسية أخطاءً واضحة في السياسات، فإن أداء الذهب سيكون بالطبع أقوى".

أفضل أداء سنوي

ووفق "بلومبرغ"، يتجه الذهب نحو تحقيق أفضل أداء سنوي له منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي الحقبة التي شهدت تضخماً مرتفعاً ونهاية ربط سعر الدولار بالذهب، ما أدى إلى ارتفاع المعدن النفيس بمقدار 15 ضعفاً.

في تلك الفترة، ضغط الرئيس الأميركي السابق، ريتشارد نيكسون، على الاحتياطي الفيدرالي، لخفض أسعار الفائدة، بينما بذل البنك المركزي بقيادة آرثر بيرنز "جهوداً محدودة" للحفاظ على استقلاليته، ما سمح بتفاقم التضخم لأسباب سياسية، وفقاً لإفادة قضائية حديثة قدّمها عدد من أبرز خبراء السياسة النقدية.

وقال ستيفن ميلر، المستشار الاستثماري لدى "جي إس إف إم" GSFM لإدارة الأموال، إن "السبب الذي يدفع المستثمرين إلى شراء الذهب، بل حتى يضطرهم للقيام بذلك، هو خصائصه في تنويع المحافظ الاستثمارية". 

وأضاف أن هذا التوجّه ما زال في مراحله الأولى، متوقعاً أن يزداد قبول الذهب كعنصر أساسي في السلوك الاستثماري الرشيد، مرجّحاً أن تصل الأسعار إلى 4,500 دولار بحلول منتصف العام المقبل.

البنوك المركزية تقود موجة الصعود

وذكرت "بلومبرغ"، أن البنوك المركزية كانت المحرّك الرئيسي وراء موجة ارتفاع الذهب، إذ تحولت من بائعين صافين إلى مشترين صافين بعد الأزمة المالية العالمية. 

وتضاعفت وتيرة الشراء بعد أن جمّدت الولايات المتحدة وحلفاؤها احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي في عام 2022، عقب الحرب الروسية الأوكرانية، ما دفع العديد من البنوك المركزية إلى تنويع احتياطياتها. كما عزز التضخم والمخاوف من احتمال معاملة الحكومة الأميركية للدائنين الأجانب بشكل أقل تفضيلاً، من جاذبية الذهب لدى صانعي السياسات.

ووصفت لينا توماس، المحللة الاستراتيجية للسلع في مؤسسة "جولدمان ساكس جروب"، هذا الاتجاه في مذكرة في شهر سبتمبر الماضي، بأنه "تحوّل هيكلي في سلوك إدارة الاحتياطيات"، مضيفة: "لا نتوقع انعكاساً قريب الأجل لهذا التوجه"، مؤكدة أن السيناريو الأساسي للبنك يفترض استمرار وتيرة تراكم الذهب من قبل القطاع الرسمي لثلاث سنوات إضافية.

ومن بين المعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت الفضة بنسبة 1.1% لتصل إلى 48.37 دولار للأوقية، في حين ارتفع البلاتين والبلاديوم.

تصنيفات

قصص قد تهمك