وافق مجلس النواب المصري، الخميس، نهائياً، وبالتصويت وقوفاً، على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي أعاده الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المجلس دون التصديق عليه، ووجه بإعادة مناقشته.
كان السيسي وجَّه في 21 سبتمبر الماضي، برد مشروع القانون لبحث الاعتراضات على عدد من المواد التي تتعلق باعتبارات الحوكمة والوضوح والواقعية، بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن، وحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي بهدف الحد من اللجوء إليه، وإزالة أي غموض في الصياغة يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشكلات عند التطبيق على أرض الواقع، وفق بيان للرئاسة المصرية آنذاك.
وأعلن رئيس المجلس، حنفي جبالي، الموافقة النهائية على مشروع القانون بعد توفر الأغلبية المطلوبة، وقرر المجلس تطبيق القانون الجديد إلى أكتوبر 2026.
واستعرض وكيل أول المجلس، أحمد سعد الدين، رئيس اللجنة الخاصة المشكلة لإعادة دراسة المواد محل الاعتراض الرئاسي من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، تقرير اللجنة الذي أفادت فيه بأنه في ضوء دراستها المواد محل اعتراض رئيس الجمهورية وعددها 8 مواد، وأسباب الاعتراض على كل مادة، تبين أنها جميعاً تنصب على إضفاء مزيد من الضمانات المقررة لحماية الحقوق والحريات العامة، وتهدف في المقام الأول إلى إعلاء سيادة القانون، والوصول إلى عدالة جنائية ناجزة تضمن تطبيق ما تضمنه الدستور، والحماية القانونية للحقوق العامة والخاصة.
وأكدت اللجنة أنها التزمت بنطاق عملها من خلال إعادة دراسة المواد محل الاعتراض، وتوافقت مع الصياغات المقدمة من الحكومة حول كل مادة من المواد محل الاعتراض، وحاولت اللجنة قدر الإمكان إيجاد توافق مع الصياغات المقدمة من الحكومة بين كل الأطراف الممثلة في اجتماع اللجنة الخاصة، وتوافق الحاضرون على المواد محل الاعتراض.
حالات خاصة لتفتيش المنازل
ووافق المجلس على المادة 48 من مشروع القانون وفقاً للصيغة التي انتهت إليها اللجنة الخاصة والتي استجابت فيها إلى ملاحظات رئيس الجمهورية بشأن تحديد حالات الضرورة لتفتيش المنازل، وذلك بالنص على أن تفتيش المنازل دون إذن قضائي كما هو مقرر في المادة 47 من القانون في حالات الخطر الناجم، أو الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك.
كانت المادة 48 التي اعترض عليها رئيس الجمهورية، تنص على "استثناء من حكم المادة 47 من هذا القانون؛ لرجال السلطة العامة دخول المنازل وغيرها من المحال المسكونة في حالات الخطر والاستغاثة".
وتمثل اعتراض رئيس الجمهورية على هذه المادة، في أنها لم تحدد المقصود بحالات الخطر التي تجيز لرجال السلطة العامة دخول المنازل وغيرها من المحال المسكونة، بما قد يمس الحماية الدستورية المقررة لها طالما لا توجد محددات أو تعريف متوافق عليه لحالات الخطر.
ووجه رئيس الجمهورية بإعادة النظر في نص المادة لتحديد حالات الخطر، ووضع تعريف لها منعاً من التوسع في تفسيرها وامتدادها لحالات لم يقصدها المشرع الدستوري عند صياغة المادة 58 من الدستور، لا سيما أن حرمة المنازل وغيرها من المحال المسكونة من الحقوق الأصيلة واللصيقة بالشخصية التي يجب الانحياز لها من خلال الصياغة المحكمة لأي استثناء يرد عليها.
ووافق المجلس على نص المادة 105 بعد تعديلات اقترحها النائب عاطف ناصر، بعد جدل ومناقشات واعتراضات على ضرورة حضور المحامي جلسة استجواب المتهم.
وكان اعتراض رئيس الجمهورية على المادة بسبب تعارضها مع المادة 64 التي منحت مأمور الضبط القضائي المنتدب من النيابة الحق في استجواب المتهم خوفاً من فوات الوقت في حالة عدم حضور المحامي، وهو ما لم تمنحه المادة 105 لوكيل النيابة، ما يعد تعارضاً يستوجب التعديل ومنح وكيل النيابة هذا الحق.
7 بدائل للحبس الاحتياطي
ووافق المجلس على تعديل المادة 112 التي تنظم حالات الإيداع الاحتياطي عند تعذر حضور المحامي.
وأقر المجلس نص المادة 114 بعد زيادة بدائل الحبس الاحتياطي من 3 إلى 7 بدائل، وبعد إقرارها أصبح نص المادة "يجوز لعضو النيابة العامة في الأحوال المنصوص عليها بالمادة 113 من هذا القانون، وكذلك في الجنح الأخرى المعاقب عليها بالحبس أن يصدر بدلاً من الحبس الاحتياطي أمراً مسبباً بأحد التدابير الآتية.. إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، أو إلزامه بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة، أو حظر ارتياده أماكن محددة، أو إلزامه بعدم مغادرة نطاق جغرافي محدد إلا بعد الحصول على إذن النيابة، أو إلزامه بالامتناع عن استقبال أو مقابلة أشخاص معينين أو الاتصال بهم بأي شكل من الأشكال، أو منعه مؤقتاً من حيازة أو إحراز الأسلحة النارية والذخيرة، وتسليمها لقسم أو مركز الشرطة الذي يقع في دائرته محل إقامته، وأخيراً استخدام الوسائل التقنية في تتبع المتهم حال توافر ظروف العمل بها ، ويصدر بها قرار من وزير العدل بالتنسيق مع وزيري الداخلية والاتصالات".
ووافق المجلس على تعديل المادة 123 بما يحقق مزيداً من الضمانات القانونية للمتهمين، ويمنع إطالة فترات الحبس الاحتياطي دون ضرورة، في ضوء ما تضمنته الملاحظات الرئاسية من توجيهات بضرورة إحكام الرقابة الدورية على قرارات الحبس.
وتنص الفقرة الثانية من المادة بعد تعديلها، على أنه "ومع ذلك، يتعين عرض الأمر على النائب العام كلما انقضى 90 يوماً على حبس المتهم بجناية احتياطيًا أو مدّه، لاتخاذ الإجراءات التي يراها كفيلة للانتهاء من التحقيق".
وقال المجلس إن التعديل يحقق فلسفة الملاحظات الرئاسية، ويضيف ضمانة جديدة للمتهمين، تضمن مراجعة موقفهم دورياً كل 3 أشهر، وتُلزم النيابة العامة بسرعة البت في التحقيقات، بما يعزز العدالة الناجزة ويحمي الحرية الشخصية المنصوص عليها في المادة 54 من الدستور.
وقبل إقرار مشروع القانون أول مرة في أبريل الماضي، أثارت مناقشات مشروع القانون جدلاً كبيراً في مصر، خاصة مع اعتراض نقابات مهنية، في مقدمتها نقابتي المحامين والصحافيين، على نصوص بعض المواد التي تتيح للسلطات مراقبة الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي، والسماح بالتحقيق مع المتهم في غياب محاميه.
وقدَّمت نقابتا المحامين والصحافيين اعتراضات على بعض مواده، واستجابت اللجنة البرلمانية لبعضها، كما اعترض نادي القضاة على بعض التعديلات، معتبراً أنها "تخل بنظام الجلسات بالمحاكم، وتغلّ يد القاضي عن فرض النظام داخل الجلسة في حالة الإخلال بنظامها".
وكان نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي وصف مشروع القانون بأنه "كارثي"، مطالباً بوقف مناقشته لحين "الاستماع الجاد لكل الأطراف". وخصَّ مادتين بالذكر، هما 15 و266، والمتعلقتين ببث المحاكمات وسلطة القضاة خارج حدود الجلسة.
ويوصف قانون الإجراءات الجنائية بـ "الدستور الثاني"، لأنه ينظم مجريات التقاضي الجنائي ويحدد آليات سير المحاكمات وحقوق وواجبات كل طرف من المتقاضين ومحاميهم والنيابة والقضاء وجهاز الشرطة ووسائل الإعلام وفئات المجتمع.
وصدر أول قانون للإجراءات الجنائية في مصر عام 1875 باسم "قانون تحقيق الجنايات"، وكان مأخوذاً من القانون الفرنسي الصادر عام 1810، ثم أجريت عليه العديد من التعديلات حتى أكتوبر 1950، حين صدر قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وتعرّض لتعديلات كثيرة حتى وصل إلى شكله الحالي.