تقرير: جامبيا أكثر دول العالم توافقاً مع اتفاقية المناخ

شجرة محترقة بسبب نيران شبت في غابة في كانيلاي، جامبيا، 8 فبراير 2020 - AFP
شجرة محترقة بسبب نيران شبت في غابة في كانيلاي، جامبيا، 8 فبراير 2020 - AFP
القاهرة-ميّ هشام

توقع خبراء أن تكون الدول الكُبرى اقتصادياً في مقدمة البلدان الساعية لتعديل سياساتها المناخية، بعد صدور تقرير "الكود الأحمر للإنسانية" عن الأمم المتحدة، والذي ينذر بتغيرات مناخية متطرّفة وغير مسبوقة، إذا أدرك كوكب الأرض حد الاحترار المرتقب (درجة ونصف الدرجة المئوية)، بحلول عام 2030.

لكن تقريراً صدر أخيراً عن "مرصد العمل المناخي" (CAT)، كشف أن جامبيا، الدولة الواقعة غرب إفريقيا، هي صاحبة الخطط المناخية الأكثر اتساقاً مع اتفاقية باريس للمناخ.

37 دولة تحت المجهر

ونشر "مرصد العمل المناخي" دراسة مُحدثة عن الخطط والتحركات المناخية لدول العالم في ضوء التطوُرات الأخيرة بخصوص معدلات الاحترار الأرضي.

وأبرزت الدراسة بشكل بياني، إخفاق غالبية الدول محل الدراسة، في أن تكون خططها للحد من الاحتباس الحراري ومن الانبعاثات ملائمة لحجم الخطر المحدق.

ويُعد مرصد العمل المناخي، وفقاً لموقعه الرسمي، جهة مستقلة تضطلع بالتحليل العلمي للعمل المناخي الحكومي، في مقابل أهداف اتفاقية باريس للمناخ، ويتلقى الدعم المادي من مؤسسة المناخ الأوروبية، إلى جانب جهات أخرى.

وبحسب تصريحات الباحث الرئيسي في الدراسة نيكلاس هوهن، فإنه منذ مايو الماضي، بعد عقد قمة قادة المناخ، ورغم رصد حالة جيدة من الزخم للاستجابة لالتزامات العمل المناخي الجديدة، لم يحدث تغيّر يُذكر منذ ذلك الحين، إذ شهدت فجوة الانبعاثات "حداً أدنى من التحسن".

وتعتمد الدراسة التي تتناول 37 دولة معايير محددة لتقييم الجهد المناخي، أولها أهداف تخفيف الاحترار في البلدان، وسياسات تلك الأهداف، وإجراءاتها والعمل المناخي الفعلي، فيما تصنف الدول لخمسة فئات وفقاً لاتساق عملها المناخي مع أهداف اتفاقية باريس (متوافقة مع اتفاقية باريس، كافية بالكاد، غير كافية، غير كافية للغاية، وغير كافية على نحو حرج).

وتنفرد جامبيا في الفئة الأولى، وفقاً للدراسة، بفضل سياساتها، فيما تُعد المملكة المتحدة الدولة الوحيدة ضمن مجموعة العشرين التي تطبق سياسات "كافية بالكاد"، فيما تطبق الولايات المتحدة سياسات "غير كافية"، وتعتبر الدراسة سياسات الصين على سبيل المثال "غير كافية للغاية".

"دولة هشة"

ويمكن فهم وضع جامبيا المناخي، الدولة الإفريقية الصغيرة، بالرجوع لتقارير البنك الدولي عن الدول الغرب إفريقية محدودة المساحة، والتي بحسب القائمين على تقرير مرصد العمل المناخي الأخير، تقدم حالياً حصة محدودة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.

"دولة صغيرة وهشة في غرب إفريقيا" يستخدم البنك الدولي الكلمات السابقة لوصف جامبيا، التي  تمتد 450 كم على طول نهر جامبيا، وبالرغم من ذلك، فهي واحدة من أكثر البلدان كثافة سكانية في إفريقيا.

وتعتبر جامبيا، وفق البوابة المعرفية للتغير المناخي، عرضة لتأثيرات تغير المناخ، من ارتفاع درجة الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر، إذ يتوقع أن يرتفع متوسط درجة الحرارة السنوية هناك، بما يتراوح بين 1.1 درجة مئوية و3.1 درجة مئوية بحلول عام 2060، وما بين 1.8 درجة مئوية إلى 5.0 درجة مئوية بحلول عام 2090.

وبالرغم من أن سكانها يألفون حالات الطوارئ المناخية، كالجفاف والفيضانات ونوبات البرد وموجات الحرارة والجفاف والعواصف، إلا أن توقعات البنك الدولي تنذر بزيادات كبيرة في وتيرة الأيام والليالي التي تعتبر "حارة" في المناخ الحالي.

وتُعد الزراعة، بوصفها أحد مصادر الدخل القومي الأساسية، أحد القطاعات المهددة بسبب التغير المناخي، إذ يتوقع أن يتضاءل الغطاء النباتي للمراعي بحلول منتصف القرن، بسبب درجات الحرارة والرطوبة المتصاعدة، فضلاً عن أزمات نقص المياه.

طموح مناخي

ويستهدف طموح جامبيا المناخي، حتى قبل انضمامها لاتفاقية باريس للمناخ عام 2016، ألا تزيد درجة حرارة الكوكب على درجتين مئويتين خلال هذا القرن، وأن تطمح جميع دول العالم إلى وقف الارتفاع عند حدود 1.5 درجة مئوية.

ووفقاً لمجلة "ناشيونال جيوجرافيك"، فإن تعهد جامبيا المناخي الأساسي، مثله مثل تعهدات المغرب، أحد الدول الرائدة مناخياً، يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة، وذلك ببناء واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية بغرب إفريقيا، وتطمح جامبيا لأن تزودها تلك المحطة بخُمس الكهرباء التي تحتاجها البلاد.

ومشروع استعادة الغابات، مسار آخر تسلكه جامبيا، إذ أطلقت الحكومة عام 2018 مشروعاً ضخماً،  استعادت عبره 10 آلاف هكتار من الغابات وأشجار المانجروف والسافانا، فيما تستبدل حقول الأرز المغمورة بحقول الأرز الجافة في المرتفعات، وتشجع على اعتماد مواقد طهي فعالة، للحد من الإفراط في استخدام موارد الغابات.

تلك المسارات، كانت قد دُعمت من البداية بنصوص تشريعية ملزمة، فوفقاً لمنصة "ذا أميركان بروسبكت"، أصدرت جامبيا قوانين تعطي الأولوية للطاقة الخضراء، حيث صدق البرلمان عام 2013 على قانون خاص للطاقة المتجددة، يقضي بتخصيص التمويل للبنية التحتية المتجددة.

عرض ترويجي

غير أن العقبات التمويلية تُعد العائق الأكبر أمام طموح جامبيا، وتحرُكاتها المناخية، لكن تلك العوائق ليست استثناء في الدول الفقيرة والنامية، ما حدا بحكومة جامبيا لصياغة استراتيجية تتيح الاستثمار الخارجي في المشروعات ذات الأهداف الخضراء.

وأطلقت  الحكومة الجامبية عام 2015  "خطة عمل الطاقة المستدامة"، وتشمل خطة العمل تلك الأهداف المناخية للدولة، والتدابير المرشحة لتطبيقها، فيما يشبه العرض الترويجي للمستثمرين الأجانب، للمساهمة في التنمية الخضراء، التي تؤثر بالإيجاب على جامبيا خصوصاً، وكوكب الأرض بشكل عام.

ويُعد مشروع "إمكانات الطاقة المتجددة في جامبيا"، الذي افتتحه مؤخراً نائب الرئيس إيساتو توراي، هو مشروع جامبيا المناخي الجديد، ويعتمد على استثمار خارجي قيمته 3.17 مليون دولار، وسيدعم توافر كهرباء من مصادر نظيفة، وبأسعار معقولة في 23 منطقة في جامبيا.

وتُمول تلك المبادرة من قبل الوزارة الاتحادية الألمانية للتعليم والبحث، كنموذج لتوظيف الاستثمار الأجنبي في المشروعات المناخية بدولة جامبيا.

اقرأ أيضاً: