تقرير: الكونجرس يدفع أجهزة الاستخبارات للاعتماد على أقمار التجسس التجارية

قمر اصطناعي للتجسّس يدور حول الأرض - Getty Images
قمر اصطناعي للتجسّس يدور حول الأرض - Getty Images
دبي- الشرق

يدفع الكونجرس أجهزة الاستخبارات الأميركية كي تزيد استخدامها أقماراً اصطناعية تجارية، إضافة إلى أقمارها الخاصة الأكثر تطوّراً وتكلفة، كما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز".

وراقبت أقمار اصطناعية تديرها شركة "هاوك آي 360" (HawkEye 360) الأميركية، الشرق الأوسط في مطلع هذا العام، واكتشفت موجات رادار وراديو مرتبطة بأسطول صيد يتخذ الصين مقراً، قبالة سواحل عُمان.

وعندما أقدمت الشركة على مطابقة البيانات مع المعلومات الواردة من الأقمار الاصطناعية التي تستخدمها "وكالة الفضاء والطيران الأميركية" (ناسا)، وتتعقب مصادر الضوء على سطح الأرض، اكتشفت أن السفن كانت تستخدم أضواء قوية، في مؤشر إلى صيد الحبار، وهي تبحر خلسة إلى مياه الصيد في عُمان، مع إغلاق أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها، بحسب الصحيفة.

ونقلت عن جون سيرافيني، الرئيس التنفيذي للشركة، قوله: "هذا دليل آخر على السلوك السيئ لأسطول الصيد الصيني السيادي، والذي يُعدّ وباءً من جراد يطوف حول الأرض، ويمتص موارد طبيعية. تكمن أهمية هاوك آي في أنها تمنحك بمرور الوقت معلومات عن نمط الحياة".

وذكرت الصحيفة أن هذه المراقبة كانت بمثابة اختبار تقني، لم تُبلّغ به سلطنة عُمان أو الصين. لكن مسؤولي الشركة اعتبروا أن العمل أظهر المعلومات الاستخباراتية التي يمكن الحصول عليها من أقمارها الاصطناعية، والتي رصدت أيضاً نشاطاً عسكرياً على الحدود بين الصين والهند، وتعقبت صيادين في إفريقيا لحساب مجموعات متابعة للحياة البرية، كما تابعت هواتف تعمل بالأقمار الاصطناعية، يستخدمها مهرّبون للاجئين.

رصد نشاط عسكري أجنبي

وبعدما دفع الكونجرس إدارة الرئيس جو بايدن للاستفادة بشكل أكبر من الأقمار الاصطناعية التجارية، بدأ مسؤولون استخباراتيون بمنح عقود جديدة، لإظهار قدرتهم على زيادة قدرات أقمار التجسس عالية السرية، من خلال خدمات متطوّرة بشكل متزايد متاحة من القطاع الخاص.

وأعلنت "وكالة الاستخبارات الجيومكانية الوطنية- National Geospatial-Intelligence Agency" المعروفة اختصاراً بـ"NGA"، الاثنين، أنها منحت عقداً بقيمة 10 ملايين دولار، لشركة "هاوك آي 360"، من أجل ​تتبع انبعاثات ترددات الراديو في كل أنحاء العالم، ورسم خرائط لها، وهذه معلومات تفيد الشركة بأنها ستساهم في اكتشاف تهريب أسلحة، ونشاط عسكري أجنبي وتهريب مخدرات.

صورة جوية لمكتب الاستطلاع الوطني في الولايات المتحدة - 10 أغسطس 1994 - Reuters
صورة جوية لمكتب الاستطلاع الوطني في الولايات المتحدة، 10 أغسطس 1994 - Reuters

ويأتي العقد بعدما منح "مكتب الاستطلاع الوطني" الشركة، عقد دراسة في عام 2019. وقال ديفيد غوتييه، مدير المجموعة التجارية لـ"وكالة الاستخبارات الجيومكانية الوطنية"، إن جمع بيانات موجات الراديو سيساعد الأقمار الاصطناعية المخصّصة للصور، في عملية مراقبة منطقة أو هدف موضع اهتمام بواسطة جهاز استشعار، وفي جوهر الأمر إبلاغ المسؤولين بالموقع المناسب لمراقبته. كما أن البيانات التجارية ليست سرية، ممّا يمكّن أجهزة الاستخبارات من مشاركتها بسهولة أكبر، مع حلفاء وشركاء.

تحفّظ استخباراتي

توسُّع الأقمار الاصطناعية التجارية التي تتمتع بقدرات أكبر على مسح الأرض، يقلق خبراء في الحريات المدنية. وقال ستيفن أفترغود، من "مشروع السرية الحكومية" في "اتحاد العلماء الأميركيين"، إن العدد المتزايد باستمرار من تلك الأقمار أدى إلى تآكل الخصوصية. واستدرك أن العقود الحكومية مع شركات الأقمار الاصطناعية التجارية ذاتها، لم تُثر انتقادات كثيرة، لأن الأقمار الاصطناعية الحكومية أقوى بكثير، على الأقلّ في الوقت الحالي، من تلك التجارية.

وذكرت "نيويورك تايمز" أن القدرات الدقيقة للأقمار الاصطناعية الحكومية لا تزال سرية، مستدركة أن الرئيس السابق دونالد ترمب نشر على "تويتر" صورة لموقع إطلاق صواريخ في مركز فضائي بإيران، التقطها قمر اصطناعي للاستخبارات الأميركية، كانت أكثر تفصيلاً بكثير من تلك التي التقطتها أقمار اصطناعية تجارية للموقع ذاته.

مبنى الكونجرس في واشنطن - 16 سبتمبر 2021 - Bloomberg
مبنى الكونجرس في واشنطن، 16 سبتمبر 2021 - Bloomberg

وأضافت الصحيفة أن تلك "القدرات المتخلّفة" للأقمار الاصطناعية التجارية، أضعفت حماسة أوساط استخباراتية، للمضيّ في منح مزيد من العقود للقطاع الخاص.

لكن الكونجرس يدفع وكالات الاستخبارات للتحرّك بشكل أسرع. وتتضمّن نسخة أقرّها مجلس الشيوخ لـ"قانون تفويض الاستخبارات" لهذا العام، بنوداً لزيادة الإنفاق على برامج الأقمار الاصطناعية التجارية. وفيما توافق قيادة وكالات الاستخبارات على ذلك، لا تزال هناك ممانعة لدى دوائر في تلك الأجهزة، لتبنّي تكنولوجيا الأقمار التجارية.

"قلق ثقافي"

ويقرّ مسؤولون في الكونجرس، حاليون وسابقون، بأن الحكومة لا تزال تصمّم وتشغّل التكنولوجيا الاستخباراتية الأكثر حداثة. لكن شركات تجارية ناشئة تقدّم وسائل لتغطية غالبية أنحاء العالم بتكلفة منخفضة، ممّا يخفّف عبء العمل عن أهم الأقمار الاصطناعية الحكومية.

وإذا وافق الكونجرس هذا العام على "قانون تفويض الاستخبارات"، فسيُنشئ صندوقاً للابتكار يسهّل على "مكتب الاستطلاع الوطني" شراء مزيد من القدرات التجارية بشكل أسرع، ويدفع "وكالة الاستخبارات الجيومكانية الوطنية" لاختبار مزيد من منح العقود لجهات خارجية، من أجل تحليل صور متنوّعة.

ماك ثورنبيري، الرئيس الجمهوري السابق للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، خلال جلسة استماع في الكونجرس - 9 يوليو 2020 - REUTERS
ماك ثورنبيري، الرئيس الجمهوري السابق للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، خلال جلسة استماع في الكونجرس، 9 يوليو 2020 - REUTERS

وقال ماك ثورنبيري، الرئيس الجمهوري السابق للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، وهو الآن عضو في المجلس الاستشاري لشركة "هاوك آي 360"، إن جزءًا من المشكلة يتمثل في تردّد الحكومة باستخدام منتج أقلّ كفاءة، ولكنه أرخص بكثير، لجمع معلومات استخباراتية وتحليلها.

وتابع: "تُعدّ الصور التجارية طريقة رائعة لمراقبة ما يحدث، بحيث يمكن تركيز الأنظمة الحكومية الأكثر حداثة على مكان آخر... ولكن لا يزال هناك قلق ثقافي من الاعتماد على شيء لا تتحكّم به، أو لا يمكنك التحكّم به بمقدار ما تفعله على أنظمتك الحكومية".

تعطيل أقمار اصطناعية؟

ثورنبيري قال إنه على المسؤولين الحكوميين أن يدركوا أن قمراً اصطناعياً تجارياً ثمنه 10 ملايين دولار لا ينافس قمراً اصطناعياً تبلغ تكلفته مليار دولار وصنعته الحكومة الأميركية. ويمكن للقمر الاصطناعي الأرخص تكلفة، تأمين نسخ احتياطية ومساعدة الأقمار الاصطناعية الحكومية على العمل بكفاءة أكبر.

وأضاف: "إذا قرر شخص تعطيل أقمارنا الاصطناعية التي تبلغ تكلفتها مليار دولار، فعلينا التأكد من حصولنا على بعض الدعم، لئلا نكون مكفوفين تماماً".

وتُعدّ مرونة نظام يجمع بين الأقمار الاصطناعية الضخمة والصغيرة، والأنظمة الحكومية والتجارية، جزءًا أساسياً من استراتيجية "مكتب الاستطلاع الوطني"، وهو وكالة الاستخبارات المسؤولة عن كثير من أقمار التجسّس الحكومية الأكثر سرية.

وقال بيت مويند، مدير برنامج الخدمات التجارية في المكتب: "يحاول خصومنا تهديد وتحدي تقدّمنا في الفضاء، والقدرات التي نقدّمها وقدّمناها لفترة طويلة. إن هندسة متنوّعة، مكوّنة من أقمار اصطناعية وطنية وتجارية تعمل عبر مدارات متعددة، ضرورية حقاً لأمننا القومي".

اقرأ أيضاً: