الآثار المتوقعة لقرارات بايدن الخاصة بالوقود على أسواق النفط

الرئيس الأميركي، جو بايدن يتناول قلماً للتوقيع على أمر تنفيذي، 21 يناير 2021 - AFP
الرئيس الأميركي، جو بايدن يتناول قلماً للتوقيع على أمر تنفيذي، 21 يناير 2021 - AFP
دبي -الشرق

لفت الرئيس الأميركي جو بايدن، منذ بدء حملته الانتخابية، إلى نيته الحد من التنقيب عن النفط والغاز على الأراضي الفيدرالية، لمكافحة تغير المناخ، وكجزء من جهد كبير للحد من الانبعاثات الأميركية المسؤولة عن 13% من الانبعاثات الكربونية في العالم.

وفي اليوم الأول لبايدن في منصبه، أمرت وزارة الداخلية بوقف مؤقت لمدة 60 يوماً لإصدار تراخيص حفر جديدة على الأراضي الفيدرالية التي تمتلكها الحكومة، ما لم يوافق عليها كبار قادة الوزارة، وهي الخطوة الأولى في تنفيذ وعود حملته بشأن خفض التغير المناخي، والتضييق على إنتاج النفط واستبداله بالطاقة المتجددة، إذ يتبنى خطة طموحة لإنهاء الانبعاثات بحلول عام 2050.

تجميد العقود

والأربعاء الماضي، وقع بايدن أوامر تنفيذية بتعليق التنقيب عن النفط والغاز الجديد، بينما تقوم وزارة الداخلية بمراجعة عقود الإيجار الحالية وممارسات التصاريح.

وقال متحدث باسم الداخلية، إن بعض التصاريح المتعلقة بعقود الإيجار الحالية ستستمر خلال المراجعة.

وأسعدت خطط بايدن للتعامل مع التغير المناخي، الشركاء الدوليين ودعاة الحفاظ على البيئة، لكنها لقيت معارضة من مؤسسات النفط الكبرى، التي تقول إن خطواته ستُفقد الولايات المتحدة ملايين الوظائف ومليارات الدولارات في اقتصاد لا يزال يئن من أثر جائحة فيروس كورونا.

وكالة "بلومبرغ" قالت في تقرير لها، الخميس، إن إدارة بايدن أصدرت نحو 31 تصريح حفر تسمح بعمليات التنقيب في المياه الفيدرالية البرية والساحلية، وفق قاعدة بيانات وزارة الداخلية، ما يشير إلى استمرار تدفق تصاريح الحفر، على الرغم من الإيقاف المؤقت المعلن مسبقاً.

تساؤلات

وأثارت هذه الخطوة تساؤلات عدة بشأن التأثير المتوقع على قطاع أسواق النفط العالمية، خاصة ما يتعلق بتراجع الإنتاج الأميركي للنفط. 

وفيما يلي نظرة فاحصة عمّا يعنيه تجميد تصاريح التنقيب الفيدرالية لصناعة النفط الأميركية وأسواق النفط العالمية:

وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، تجري معظم عمليات التنقيب عن النفط والغاز في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، على أراض حكومية أو خاصة، وبالتالي فإن قرار التجميد سيؤثر بشكل مباشر فقط في جزء بسيط من إجمالي الإنتاج.

ويصل الناتج العام من الأراضي الفيدرالية البرية إلى ما يقرب من 9% من إجمالي إنتاج الولايات المتحدة للنفط والغاز.

ومع ذلك، فإن الحكومة الفيدرالية تمتلك مساحات كبيرة من الأراضي التي تستخدمها شركات التنقيب عن النفط والغاز.

تأثير مباشر

ستؤثر هذه السياسة بشكل كبير في الولايات المنتجة للطاقة مثل نيو مكسيكو ووايومنغ، اللتين تمتلكان معاً ما يقرب من 53.8 مليون فدان من الأراضي الفيدرالية.

وأظهرت بيانات وزارة الداخلية، أن إنتاج النفط الأميركي على الأراضي الفيدرالية نما إلى 954.3 مليون برميل في السنة المالية 2019، بزيادة 28% على السنة المالية 2016.

وجلب التنقيب في الأراضي والمياه الفيدرالية نحو 6 مليارات دولار من الإيرادات الحكومية في 2020.

في المقابل، فإن تجميد تصاريح الحفر الجديدة سيؤدي بطبيعة الحال إلى خفض الإنتاج تدريجياً على الأراضي الفيدرالية، نظراً لأن آبار النفط والغاز تضخ بشكل أقل بمرور الوقت، ويتعين على الشركات حفر آبار جديدة للحفاظ على الإنتاج.

لكن العديد من الشركات حصلت بالفعل على موافقات لحفر آبار إضافية في أراضي الولايات المتحدة، حتى تتمكن من الاستمرار في الحفر لسنوات، حتى لو لم يتم منح تصاريح إضافية.

ويمكن للشركات أيضاً تحويل الموارد للتنقيب في أجزاء أخرى من الولايات المتحدة لم تتأثر بتجميد الأراضي الفيدرالية، مثل حقول النفط والغاز الكبيرة الأخرى في تكساس وبنسلفانيا التي تخضع لملكية خاصة.

قلق متزايد

بعض المسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط، أعربوا عن قلقهم من أن إجراءات الحكومة الفيدرالية يمكن أن تؤثر في الإنتاج الأميركي للنفط على المدى البعيد، فيما يخشى المسؤولون التنفيذيون في العديد من الولايات الغربية، والتي بها خليط من الأراضي الفيدرالية والحكومية والخاصة، من أن التوقف المؤقت، سيمنعهم من بناء خطوط أنابيب جديدة عبر الأراضي الفيدرالية، ما يؤثر في الحفر في المناطق المجاورة.

وبحسب "وول ستريت جورنال"، يتوقع المسؤولون أن يظهر التأثير الأكثر حدة لقيود الحفر التي فرضها بايدن في نيو مكسيكو، التي راهنت عليها شركات النفط الصخري بشكل كبير، إذ إنها موطن لجزء من حوض بيرميان، أكبر حقل نفط في الولايات المتحدة.

آثار سلبية

تمتلك الولاية بعضاً من أكثر آبار النفط إنتاجاً في البلاد، فمع انتقال المزيد من منصات الحفر إلى الولاية، تضاعف إنتاج النفط في نيو مكسيكو على الأراضي الفيدرالية بأكثر من الضعف في 3 سنوات ووصل إلى 162 مليون برميل في السنة المالية 2019، ما أدى إلى تحقيق إيرادات بقيمة 1.3 مليار دولار.

حفارات في منطقة إنتاج النفط والغاز الطبيعي في حوض بيرميان في مقاطعة ليا بنيو مكسيكو، 10 فبراير 2019 - REUTERS
حفارات في منطقة إنتاج النفط والغاز الطبيعي في حوض بيرميان في مقاطعة ليا بنيو مكسيكو، 10 فبراير 2019 - REUTERS

ووفقاً لشركة الاستشارات "ريستاد إنيرجي"، يقع أكثر من نصف المساحة الأكثر إنتاجية في مقاطعات إيدي وليا الرئيسية في نيو مكسيكو، فيما يكمن نحو 65% من نشاط التكسير لشركة "إكسون موبيل" في الولاية بين عامي 2017 و2019 في الأراضي الفيدرالية، وغيرها الكثير من الشركات.

انخفاض تدريجي

وبحسب بيانات من موقع "شيل بروفايل أناليتيكس"، ارتفع عدد تصاريح شركات النفط في نيو مكسيكو في النصف الثاني من 2020، إلى أكثر من 1600.

ويتوقع المسؤولون التنفيذيون أن يكون تجميد تصاريح الحفر والتأجير، مجرد خطوة أولى اتخذتها إدارة بايدن للحد من نشاط حقول النفط على الأراضي الفيدرالية.

وقد تواجه الشركات في نهاية المطاف احتمال رفض الحكومة الفيدرالية تجديد عقود الإيجار على الأراضي التي لم يتم حفرها بعد.

وقال دان بيكرينغ، المؤسس وكبير مسؤولي الاستثمار في شركة استشارات الطاقة Pickering Energy Partners، لـ"وول ستريت جورنال"، إنه لا يتوقع أي تخفيضات كبيرة في الإمدادات الأميركية للنفط في عام 2021، ولكن إذا استمر التجميد فمن الممكن أن تنخفض تدريجياً.

تراجع الإنتاج

وعلى صعيد آخر، تتصدر الولايات المتحدة، قطاع النفط كأكبر منتج خام في العالم، منذ سنوات، إلا أن قرارات بايدن الأخيرة قد تكون سبباً في تراجع واشنطن من الصدارة.

وفور إعلان بايدن، تجميد تصاريح التنقيب عن النفط، اشتعلت نيران الغضب من قبل بعض نواب الكونغرس وملاك شركات الطاقة وخبراء في المجال، الذين اعتبروا أن هذه القرارات تؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر بشكل مباشر في الاقتصاد الأميركي.

وبحسب تقرير لـ"بلومبرغ"، شهد منتجو النفط والغاز أسوأ أداء على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، الخميس، إذ تراجعت أسهم "إي أو جي ريسورسز" (EOG Resources) بنسبة 8.6%، وهي النسبة الكبرى لها في يوم واحد منذ نهاية نوفمبر، وكذلك الأمر بالنسبة لـ"ديفون إينرجي" (Devon Energy) بنسبة 7.9% في أسوأ أداء لها منذ سبتمبر.

وتعهدت مجموعة "ائتلاف الطاقة الغربي" (ويسترن إينرجي ألاينس) بالتوجه إلى المحكمة، لتحدي أي حظر على تصاريح التأجير، وقالت كاثلين سغاما، التي ترأس المجموعة، إنَّ "حظر الإيجارات والتصاريح يعني حكماً بالإعدام على الصناعة في الغرب، إذ من المستحيل فعلياً القيام بعمليات الاستكشاف من دون لمس أجزاء من الأراضي أو المعادن الفيدرالية بغضِّ النظر عن الجهد الذي تبذله الشركات في ذلك".

مجموعات ضغط

ويبدو أن القرارات الأميركية، ستؤثر مستقبلاً في حركة الإمدادات والتداولات والأسعار، ما جعل أعضاء في جماعات ضغط، ومحامين إلى التخطيط لتحركاتهم التالية.

وأفادت "بلومبرغ" بأن هؤلاء يعدّون استراتيجيات لخياراتهم، بما في ذلك التقاضي، ويدرسون أي أدوات سياسية يمكنهم استخدامها لإحباط حظر أوسع لبيع عقود إيجار النفط والغاز على الأراضي الفيدرالية.

واعتبر السيناتور دان سوليفان، وهو جمهوري من ألاسكا، أن هذه التغييرات تهدّد العمليات في ولايته خلال موسم الشتاء الحالي، إذ تعتمد شركات مثل "كونوكو فيليبس" على الطرق الجليدية ومنصات الجليد لدعم الحفر ونشاطات أخرى في محمية البترول الوطنية في ألاسكا.

وتساءل سوليفان، خلال جلسة لمجلس الشيوخ: "إذا جُمّدت أعمال الحفر لمدة 60 يوماً في المحمية، فسنخسر الموسم بأكمله".

اقرأ أيضاً: