للمرة الأولى في تاريخها الممتد منذ 120 عاماً، مُنحت جائزة "نوبل" للسلام لعام 2021 لصحافيَّين، هما الروسي ديمتري موراتوف والفلبينية ماريا ريسا، لـ"جهودهما في حماية حرية التعبير".
وأشادت لجنة "نوبل" بكل من ريسا وموراتوف "لكفاحهما الشجاع من أجل حرية التعبير في الفلبين وروسيا".
تُعرّف ماريا ريسا عن نفسها على حسابها في موقع "تويتر" بأنها "صحافية وكاتبة، تحب الكمال، تشكيكية، براجماتية، والرئيس التنفيذي لموقع رابلر الإلكتروني".
ولدت ريسا في مانيلا في الثاني من أكتوبر عام 1963، وتوفي والدها عندما كانت لا تزال تبلغ من العمر عاماً واحداً.
انتقلت والدتها إلى الولايات المتحدة تاركةً إياها وشقيقتها مع عائلة والدهما، وكانت تزورهما بشكل متكرر. وبعد سنوات، تزوجت الأم من رجل إيطالي أميركي وعادت إلى الفلبين لاصطحاب ابنتيها لتعيشا معها، وكانت ماريا تبلغ من العمر 10 سنوات. حملت الفتاتان اسم شهرة زوج والدتهما الذي تبناهما.
انتقلت الأسرة إلى بلدة تومز ريفر في ولاية نيوجيرسي الأميركية، حيث ارتادت ماريا مدرسة حكومية قريبة. وفي جامعة برينستون بولاية نيوجيرسي، درست علم الأحياء الجزيئي والمسرح، ونالت شهادة في اللغة الإنجليزية وشهادات في المسرح والرقص، وتخرجت بدرجة امتياز عام 1986. ثم عادت إلى مانيلا، في إطار برنامج تبادل لدراسة المسرح السياسي في "جامعة الفلبين".
تاريخها الصحافي
كانت أول وظيفة لماريا ريسا في المحطة الحكومية الفلبينية PTV 4. ثم شاركت في تأسيس شركة الإنتاج المستقلة "بروب" Probe في عام 1987، وشغلت في الوقت نفسه منصب مديرة مكتب "سي إن إن" في مانيلا حتى عام 1995، ثم أدارت مكتب "سي إن إن" في إندونيسيا من عام 1995 إلى عام 2005.
بصفتها مراسلة استقصائية رئيسية لشبكة "سي إن إن" في آسيا، تخصصت ماريا ريسا في التحقيق في الشبكات الإرهابية. وأصبحت كاتبة مقيمة في المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب (ICPVTR) التابع لجامعة "نانيانج" التكنولوجية في سنغافورة.
بحلول عام 2004، ترأست ريسا قسم الأخبار في شبكة ABS-CBN الفلبينية، وكانت تكتب بالتوازي لشبكة "سي إن إن" وصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركيتين.
وفي سبتمبر 2010، كتبت مقالاً للصحيفة انتقدت فيه الرئيس الفلبيني آنذاك بينينجنو أكينو، بسبب كيفية تعامله مع "أزمة احتجاز الرهائن"، حين احتجز مسلح حافلة سياح من هونج هونج في مانيلا، إذ ظهر الرئيس مبتسماً أمام عدسات الإعلام خلال تفقده مسرح الجريمة.
كاتبة عصامية
نشرت ماريا ريسا كتابين يتعلقان بظهور الإرهاب في جنوب شرقي آسيا، هما: "بذور الإرهاب: رواية شاهد عيان لمركز القاعدة الجديد (2003)"، و"من بن لادن إلى فيسبوك: 10 أيام من الاختطاف، 10 سنوات من الإرهاب (2013)".
كما تنشر في أبريل من العام المقبل كتاب "كيفية الوقوف بوجه ديكتاتور"، الذي تروج له حالياً على حسابها بموقع تويتر بالقول إنه "ملهم جداً"، وبأنها "تستيقظ في الخامسة صباحاً منذ أبريل الماضي لتكتب قبل بدء العمل اليومي".
موقع إلكتروني معارض
بعدما كان مجرد صفحة على "فيسبوك" في أغسطس 2011، أنشأت ماريا ريسا مع 3 شريكات وفريق صغير من 12 صحافياً وتقنياً، موقع الأخبار الإلكتروني "رابلر" Rappler في عام 2012، الذي سرعان ما أصبح من أوائل المواقع الإخبارية في الفلبين، وحصل على العديد من الجوائز المحلية والدولية. وهي تشغل فيه منصب المحرر التنفيذي والمدير التنفيذي.
ويغطي "رابلر" سياسات وإجراءات نظام الرئيس رودريجو دوتيرتي في الفلبين، خصوصاً "حملته القاتلة والمثيرة للجدل لمكافحة المخدرات، وكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار مزيفة ومضايقة المعارضين والتلاعب بالخطاب العام"، بحسب الموقع الإلكتروني لجائزة "نوبل".
تضييق ومحاولات إسكات
واجهت ماريا ريسا محاولات من الحكومة الفلبينية لإسكات صوتها ووأد منشوراتها. ففي نوفمبر من العام الماضي، اتهمت السلطات الفلبينية ريسا وموقعها "رابلر" بالتهرب الضريبي، مدعية أن الحكومة لديها أدلة كافية لتوجيه الاتهام إليها.
وأُدينت ريسا، العام الماضي، بالتشهير الإلكتروني، بموجب قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الفلبيني المثير للجدل، وهي خطوة أدانتها جماعات حقوق الإنسان وصحافيون، باعتبارها هجوماً على حرية الصحافة، وعملاً ذا دوافع سياسية من قبل حكومة دوتيرتي.
وفي 13 فبراير 2019، اعتُقلت ريسا بتهمة التشهير الإلكتروني، بسبب اتهامات بأن "رابلر" نشر قصة إخبارية كاذبة بشأن رجل الأعمال الفليبيني ويلفريدو كنج.
واعتبرت السلطات الفلبينية، عام 2018، أن الاستثمار الأجنبي في "رابلر" يرقى إلى السيطرة الأجنبية المحظورة على شركة إعلامية، وهو اتهام رفضته المؤسسة وطعنت فيه أمام محكمة الاستئناف، لكن المحكة رفضته في عام 2019.
ومُنع موقع "رابلر" من تغطية الأحداث الرئاسية الرسمية عام 2018، إذ قال ناطق باسم الرئاسة إن دوتيرتي "فقد الثقة" في هذه المنصة الإعلامية.
شخصية العام 2018
أدرجت ريسا في تصنيف صحيفة "تايمز" لشخصية العام 2018، كواحدة من مجموعة صحافيين من جميع أنحاء العالم تصدوا لمكافحة الأخبار المزيفة.
كما أن ماريا ريسا واحدة من 25 شخصية بارزة في هيئة المعلومات والديمقراطية التي أطلقتها منظمة "مراسلون بلا حدود".
وفي 25 سبتمبر 2020، تم اختيار ريسا كواحدة من 25 عضواً في "مجلس مراقبة المحتوى الحقيقي على فيسبوك"، وهي مجموعة مراقبة مستقلة.
ويصف الموقع الإلكتروني لجائزة "نوبل" ماريا ريسا بأنها "تستخدم حرية التعبير لفضح إساءة استخدام السلطة، واستخدام العنف، وتنامي الاستبداد في بلدها الأم الفلبين.. هي مدافعة شجاعة عن حرية التعبير".