لا يزال سكان عقار حي فيصل المحترق بمحافظة الجيزة غرب العاصمة المصرية القاهرة والعقارات المجاورة ينتظرون في رهبة تبعات الحريق الذي نشب السبت في مخزن للأحذية داخل العقار، وظلت النيران مشتعلة في المبنى على مدار أكثر من يومين، ما أدى لإخلاء السكان وعمل عدة تحويلات مرورية أعلى الطريق الدائري الملاصق للعقار خوفاً من انهياره، ولم يسفر الحريق عن وقوع خسائر بشرية.
ويظل الخطر الأكبر -وفقاً لمعماريين- هو حدوث انهيار مفاجئ للعقار ربما لا يتحمله الجسر المحوري المار بجانبه (الدائري)، وستكون تبعاته أكثر خطورة.
وقال المهندس محمد جوهر، الباحث المعماري ومؤسس مشروع وصف إسكندرية، لـ"الشرق"، إنه عند حدوث حرائق داخل المباني المشيدة من الخرسانة المسلحة والتي يدخل في تصميمها أسياخ حديد مغطاة بالأسمنت في الأعمدة والكمرات والأساسات، يتمدد الحديد نتيجة للحرارة الشديدة ويكسر الطبقة التي توجد حوله من الأسمنت، ويحدث له تشوه عن الشكل الذي صمم عليه وربما يؤدي ذلك" لانهيار المبنى"، إذا ظلت النار مشتعلة فيه لفترة طويلة.
واستذكر جوهر حادثة مماثلة وقعت لعقار في الإسكندرية قبل أكثر من 10 سنوات، وأدى اشتعال المبنى لفترة طويلة إلى الانهيار المفاجئ.
تشكيل لجنة معاينة
وكان اللواء أحمد راشد، محافظ الجيزة، شكل لجنة هندسية لمعاينة العقار المحترق، من أجل معرفة مدى تضرره نتيجة للحريق وتأثيره على سلامته الإنشائية وسلامة العقارات المحيطة، مع إعداد تقرير تفصيلي بذلك، واتخاذ ما يلزم للحفاظ على حياة المارة والسكان في العقارات المجاورة.
ونظراً لاستمرار الحريق على مدار يومين، لم تتمكن اللجنة الهندسية من معاينة العقار من الداخل وتنتظر لحين هدوء الحريق، حتى تستطيع معاينة العقار من الداخل وإعداد تقرير تفصيلي.
واضطر رجال المباحث بمديرية أمن الجيزة إلى إخلاء عقارين مجاورين من السكان، وإيقاف "عمليات الإطفاء بشكل مؤقت"، بعدما أمرت لجنة من كلية الهندسة بوقف عمليات الإخماد.
وتأتي توصيات اللجنة بإيقاف الإخماد نتيجة مخاوف من انفجار أعمدة المسلح، عبر اصطدام مضخات المياه مع النار، ما قد يؤدى إلى كارثة، ورأت الانتظار إلى حين انخفاض معدل النيران في المكان.
وأوضح المهندس محمد جوهر أن الخطر المحيط بكوبري الدائري هو أن يحدث سقوط بعض الكتل الخرسانية نتيجة انهيار مفاجئ للمبنى على أعمدة وأجزاء محددة في "الكوبري"، ما يؤدي لتصدعه أو انهياره، بينما "الكوبري" مشيّد لتحمل الضغط عليه والأوزان الكبيرة ومن الممكن تحمّل بعض الكتل التي تسقط عليه.
بناء بدون ترخيص
وألقت الأجهزة الأمنية القبض على صاحب العقار "بتهمة البناء بدون ترخيص"، كما تم القبض على مالك مخزن الأحذية الذي اشتعلت فيه النيران والذي يحتل 3 طوابق في المبنى.
وأفادت التحقيقات بأن قوات الحماية المدنية عقب إخمادها الحريق الذي استمر نحو 14 ساعة كاملة اشتعلت النيران مرة أخرى، ما تسبب في انهيار أجزاء من سقف المخزن أثناء الإطفاء.
وجاء في معاينة النيابة أن المخزن الكائن على مساحة نحو ألف متر، يعلوه طابقان، ضمن عقار سكني مكوّن من 18 طابقاً، يضم 108 شقق تسكنها 15أسرة فقط.
كما ذكرت المعاينة أن المخزن كان يحتوي على مواد سريعة الاشتعال، مثل: «الكلة والتنر»، وامتدت النيران من "البدروم" للطابقين الأرضي والأول، الملحقين بالمخزن.
وتبين من خلال المعاينة أن "البدروم" لا توجد به أي نوافذ، فاضطرت قوات الحماية المدنية للتعامل من خلال الباب الوحيد له، إلا أنه مع شدة النيران انهارت أجزاء من السقف على القوات، وأشارت المعاينة إلى أن "تماساً كهربائياً" نشب في الطابق الأرضي بعقار المخزن امتد إلى الطابقين الثاني والثالث.
بين الهدم والترميم
وقال شريف طنطاوي، مهندس مدني ومدير مشروعات الطيران بشركة مصر للبترول، لـ"الشرق"، إن تقرير اللجنة الهندسية سيحدد إن كان بالإمكان ترميم العقار أو أنه لابد من هدمه حتى لا ينهار بشكل مفاجئ في أي وقت.
وأضاف أنه في حال الانهيار المفاجئ للعقار وسقوطه بهذه السرعة فوق الكوبري الدائري ربما يشق "الكوبري" نصفين، فهو مصمم لاحتمال ضغط الوزن لكن السقوط المفاجئ هو الذي سيؤثر عليه، موضحاً أن الكوبري يحتمل أن يسير فوقه طابور من الدبابات ولكن الأمر مختلف إذا سقطت فوقه هذه الدبابات من ارتفاع كبير، مضيفاً أن إزالة العقار بشكل مفاجئ ستؤثر على العقارات المجاورة، ويجب أن يتم ذلك بطريقة معينة من قبل شركة متخصصة في أعمال الهدم.
واعتبر المهندس شريف طنطاوي أن التعامل الأمثل هو أن يتم دعم المبنى بركائز خارجية وسندات لكل طابق بشكل منفصل، ومن ثم تتم إزالة طابق تلو الآخر من الأعلى للأسفل، وذلك بالاستعانة بمكاتب استشارية أو لجنة من كلية الهندسة، على أن تستغرق عملية الإزالة عدة أيام حتى لا تؤثر على العقارات المجاورة، وهو الإجراء المتبع مع عمارة الأزاريطة المائلة في مدينة الإسكندرية قبل عدة سنوات، وحدثت الإزالة من دون خسائر.
ورأى قرار أن وقف عمليات الإطفاء الذي اتخذته اللجنة الهندسية بشكل مؤقت كان الأمثل، فتوجيه المياه إلى الكتل الخرسانية شديدة الحرارة ربما أدى إلى انهيار العقار في الحال، مثلما حدث في واقعة كوبري عزبة النخل الذي شب حريق أسفله، ورغم أنه لم يستمر فترة طويلة، ولكن تم رشه بالمياه والحديد ساخن مما أدى إلى انثناء الحديد وتشوهه وسقوط الكوبري وكان يفترض أن يترك حتى يبرده الهواء تدريجياً.
تحويلات مرورية
وأجرت الإدارة العامة للمرور، برئاسة اللواء محمود عبدالرازق، مساعد وزير الداخلية، عدة تحويلات مرورية أعلى الطريق الدائري عقب نشوب حريق في أحد العقارات على القوس الغربي. وشملت التحويلات المرورية بالنسبة للقادم من أعلى طريق القاهرة- الإسكندرية الزراعي على الطريق الدائري والقوس الغربي والمتجه إلى وصلة المريوطية تحويله للنزول إلى محور 26 يوليو، وعدم استكمال السير في اتجاه محور المريوطية.
وبالنسبة للقادم من مدينة 6 أكتوبر أعلى محور 26 يوليو باتجاه مطلع الطريق الدائري والقوس الغربي المؤدي لوصلة المريوطية عدم الصعود واستكمال السير نحو ميدان لبنان أعلى محور 26 يوليو.
أما التحويل القادم من ميدان لبنان على محور 26 يوليو باتجاه مطلع الدائري والقوس الغربي والمؤدي إلى وصلة المريوطية، فعدم الصعود ويتم استكمال السير نحو مدينة 6 أكتوبر أعلى محور 26 يوليو.
وانتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي للمبنى يبدو فيها وكأنه مائل من الحريق إلا أن اللجنة الهندسية التي شكلها المحافظ أكدت عدم وجود ميل في العقار، وأعادت المحافظة فتح الطريق الدائري أمام العقار بعد هدوء النيران والتأكد من عدم ميله.
الطريق الدائري
والطريق الدائري هو طريق محيطي حول القاهرة الكبرى أنشئ لربط محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة، الجيزة، القليوبية) وتخفيف التكدس المروري داخل القاهرة وضواحيها، وتصل الحركة المرورية عليه إلى أكثر من 100 ألف سيارة في اليوم.
بدأت وزارة الإسكان في إنشائه عام 1986 وتم الانتهاء منه بالكامل في 2005 بطول إجمالي يبلغ 100 كيلومتر وبعرض حارتين لكل اتجاه، وذلك على مراحل متعددة. واستلمته الهيئة العامة للطرق والكباري وبدأت في تطويره حتى أصبح 3 حارات من القطامية حتى السويس و4 حارات في باقي الطرق.