أعلنت شركة "سيتروين" الفرنسية لصناعة السيارات الأربعاء، سحب إعلان سيارتها الجديدة بمصر والذي يتصدره المطرب المصري عمرو دياب، بعد انتقادات واسعة للإعلان واتهامات بـ"الترويج للتحرش الجنسي والتلصص واختراق خصوصية المرأة".
ونشرت الشركة بعد اعتذارها نسخة من الإعلان لا تحتوي على المشهد المثير للجدل على منصاتها على الإنترنت، إلا أن الإعلان لا يزال متوفراً في نسخته الكاملة على الصفحة الخاصة بعمرو دياب على موقع فيسبوك دون حذف المشهد محل الاختلاف، بعد مرور 19 ساعة على نشر الشركة للاعتذار.
الاعتذار جاء بعد انتقادات واسعة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين انتقدوا الإعلان الذي يصور دياب وهو يلتقط صورة لسيدة تمر في الشارع دون إذنها، ما اُعتبر ترويجاً لممارسة تندرج تحت التحرش الجنسي وانتهاكاً لخصوصية النساء.
"كاميرا مدمجة"
القصة بدأت في الثالث من ديسمبر حين أطلقت "سيتروين مصر" إعلان سيارتها الجديدة، والذي يصور النجم عمرو دياب وهو يقود سيارته وكاد يصدم بسيدة تمر أمامه قبل أن يتوقف فيلتقط لها صورة عبر كاميرا مدمجة بمرآة السيارة الداخلية، وهي الخاصية التي أراد الإعلان إبرازها، لكن في واقع الأمر، فإن دياب التقط الصورة خلال الإعلان دون حديث أو إذن مسبق ودون علم السيدة صاحبة الصورة، أنه تم تصويرها.
الصورة انتقلت فورياً إلى هاتف المطرب المصري، حسبما ظهر في الإعلان، الأمر الذي أدى لإثارة عاصفة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي.
الإعلان الذي ينتهي بدياب والسيدة في السيارة التي يدور حولها الإعلان، أثار حفيظة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أشاروا إلى التقاط المطرب المصري للصورة خلسة، كنمط من أنماط التحرش الجنسي.
وعلق مستخدم من أن "الشركة تطرح فيلق سيارات جديد مخصص للمتلصصين"، كما علقت ريم عبد اللطيف، وهي ناشطة نسوية قائلة: "التحرش الجنسي والاعتداء أوبئة تترصد الشرق الأوسط، يعززها الخوف وإفلات المجرمين من العقاب. ولكن في الوقت نفسه ظن عمرو دياب وشركة سيتروين أن إصدار إعلان تجاري يمّكن من تنفيذ تلك الجريمة.. فكرة سديدة".
مستخدمون آخرون وجهوا انتقادات للإعلان التجاري، وطالبوا الشركة بتقديم تفسيرات، من بينهم مقدمة البرامج البريطانية Elma Smit التي غردت على موقع تويتر ساخرة على لسان شركة السيارات، " بدون أي سبب، قالت شركة سيتروين أتعلمون من هم جمهورنا المستهدف الجديد؟ المتلصصون".
ويأتي ذلك الغضب في ضوء مشاركة مستخدمين لنسخ إعلانية أخرى تستعرض الخاصية ذاتها في سيارة أخرى، إلا أن الإعلان التجاري في تلك المرة تضمن سيناريو لصديقين، يتفقان على التقاط مجموعة من الصور بشكل مُسبق، باستخدام الخاصية.
اختراق المساحة الشخصية
لمياء لطفي مديرة البرامج بمؤسسة المرأة الجديدة في مصر، علقت بدورها على الإعلان، قائلة في تصريحات لـ"الشرق"، إن "التقاط صور الآخرين بدون إذن، أمر غير طبيعي في كل الأحوال، ويمكن التغاضي عنه في بعض المناسبات، إذا ما كانت هناك علاقة شخصية بين الطرفين، كزملاء العمل والأصدقاء على أن يتفق الثاني على مصير الصورة".
وأضافت لطفي، "بالطبع يمكننا اعتبار التقاط صور لأشخاص أغراب دون إذن بقصد الإعجاب أو الحصول على منفعة جنسية نمط من التحرش"، مشيرة إلى أن قانون الإنترنت المصري يضع عقوبات واضحة لانتهاك الخصوصية".
التتبع والملاحقة ونشر الصور بدون إذن أو إعادة نشرها أو استخدامها لأغراض التهديد والابتزاز كلها جرائم يمكن أن يعاقب عليها القانون، حسبما أكدت مديرة البرامج في مؤسسة المرأة الجديدة، إلا أن البعض يفلت من قبضة القانون، بحسب وجهة نظرها، مضيفة "في بعض الأحيان نجد حسابات إلكترونية تنشر صوراً للنساء بغير رغبتهن وتضيف تعليقات خارجة إلا أن البعض يفلت من العقاب بسبب صعوبة توصل السلطات لمصدر المحتوى إذ أن البعض يعمد إلى نشر تلك المحتويات من خارج البلاد للإفلات من العقاب".
اعتذار الشركة
في أعقاب حملة الانتقادات الواسعة، أصدرت شركة السيارات الشهيرة اعتذاراً في صفحتها على فيسبوك، مؤكدة أنها "لا تتسامح مع التحرش بكافة أشكاله"، وأضاف البيان: "نحن نتفهم التفسير السلبي لمشهد ظهر في أحدث إعلان تلفزيوني في مصر".
وأكد بيان الشركة كذلك أن "الحرص على مشاعر جميع المجتمعات في البلدان التي تعمل بها".
في البيان ذاته، نوهت الشركة إلى قرارها بسحب الإعلان: "لذا اتخذنا قراراً بسحب هذه النسخة من الإعلان التجاري من جميع منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بسيتروين ونقدم خالص اعتذارنا لكل من شعر بالاستياء من هذا المشهد".
اعتبرت لمياء لطفي، "سحب الإعلان" الذي أقرته الشركة، "مكسباً للحراك الإلكتروني" حتى وإن كانت لغة الاعتذار غير مرضية للبعض، وأضافت:" لقد نجحنا بشكل أو بآخر وبات الأمر رسالة واضحة للشركات المعلنة لاحقاً".
المحامية المصرية انتصار السعيد، رئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، وصفت الفعل الوارد في المقطع الإعلاني، بـ"جريمة دستورياً وقانونياً"، واعتبرت هذا السلوك "يمثل اعتداءً على الخصوصية وانتهاكاً لحرمة الحياة الشخصية".
"جريمة قانونية ودستورية"
استشهدت المحامية المصرية في تصريحاتها لـ"الشرق"، بالمادة رقم (57) في الدستور المصري، والتي تنص على أن "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس"، مضيفة "وبالطبع يعاقب القانون على مثل تلك الأفاعيل، فلا يمكن أن نتجول جميعاً في الطرقات نلتقط صوراً لأشخاص دون معرفة سابقة".
أشارت انتصار السعيد إلى أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المعروف مجازاً باسم قانون جرائم الإنترنت، لتوضح أن بعض جرائم انتهاك الخصوصية والاعتداء على الحياة الشخصية تعرض مرتكبها لعقوبة السجن مدة تبدأ بـ 6 أشهر وحتى 5 سنوات، إضافة إلى تطبيق الغرامات في بعض الأحيان.
ويجرم قانون العقوبات المصري، انتهاك الحياة الخاصة، وبشأن ذلك تؤكد رئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، "في نص قانون العقوبات أيضاً يمكن أن يتعرض الشخص للسجن مدة لا تزيد عن سنة في حال نقل بأي جهاز من الأجهزة صورة لشخص ما في مكان خاص".
لا تنفي انتصار السعيد، وفق وجهة نظرها، كذلك المسؤولية الأخلاقية عن المطرب المشارك في الإعلان (عمرو دياب)، وقالت "لقد رفعت شركة السيارات الحرج عن نفسها، وربما كان على المطرب أيضاً حذف أو تعديل الإعلان فهناك أكواد أخلاقية وأطر تحكم المواد الدرامية والإعلامية، إذ أن أي لقطة مقتضبة وبسيطة تؤثر على شرائح كبيرة من الجمهور".
وفي عام 2019 رصد مؤشر الباروميتر العربي إقرار حوالي 90% من النساء في مصر في المرحلة العمرية ما بين 18 و39 عاماً بتعرضهن للتحرش، ووفقاً لاستطلاع أعدته مبادرة خريطة التحرش في العام ذاته حول التحرش الإلكتروني، جاءت نسبة المستجيبات من النساء 92%، ووفقاً للاستطلاع ذاته شكل الذكور نسبة 94.9% من الأشخاص الممارسين للتحرش الإلكتروني.
اقرأ أيضاً: