تشهد الساحة الجامعية في المغرب جدلاً واسعاً، إثر تواتر قضايا تحرش رفعتها طالبات على أساتذتهن، بتهمة "الابتزاز الجنسي"، مقابل منحهن درجات جيدة في الامتحانات.
وبرزت القضية التي تعرف إعلامياً بـ"الجنس مقابل النقط" في سبتمبر الماضي، بعد نشر محادثات بين أستاذ جامعي وطالبته في سطات جنوب الدار البيضاء، قبل أن تطفو إلى السطح قضايا أخرى في مدينة وجدة شرقي البلاد، وطنجة شمالي المملكة.
ونددت منظمات حقوقية بهذه الأفعال التي تمس كرامة النساء، ودعت إلى تشديد العقوبات في حق المتحرشين بهن، فيما أعلنت جامعات عدة تأسيس خلايا استماع لضحايا التحرش، وخصصت رقماً هاتفياً لاستقبال شكاوى الطالبات ضحايا الابتزاز.
"لكل شيء ثمن"
"لاحظت منذ أول لقاء أن نظرات الأستاذ لم تكن بريئة".. هكذا تبدأ أحدى الضحايا البالغة من العمر 26 عاماً، ومتزوجة ولديها طفل، قصة تعرضها للابتزاز الجنسي من قبل أستاذها، عندما كانت طالبة في الجامعة في الدار البيضاء.
وتقول الضحية التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لـ"الشرق"، إن الأستاذ عرض بعد الامتحان أن يقلها بسيارته "استجبت ببراءة، فهو أستاذي وأنا طالبة.. لكن بعدما ابتعدنا عن الكلية حوالى 20 كيلومتراً بدأ يقترب مني بحركات غريبة، صدمت.. وطلبت منه أن يتوقف لأترجل من السيارة لكنه هددني قائلاً: لكل شيء ثمن، أتريدين الدبلومة؟ لكل شيء ثمن".
ولم تستطع الإبلاغ عن أستاذها، خشية العائلة وخوفاً من الانتقام والوصم الاجتماعي، بل إنها رضخت لطلباته كما حكت لـ "الشرق"، معبرة عن ندمها، لتدخل في أزمة نفسية ما زالت تخضع للعلاج من تبعاتها.
هتك العرض بالعنف
في السنوات الماضية، طفت إلى السطح قضايا عدة للتحرش في الجامعات، لكنها لم تصل إلى القضاء. أما اليوم تجرأت طالبات في جامعات متفرقة على اللجوء إلى القضاء، ليهتز القطاع الجامعي على وقع قضايا توثقها صور ورسائل نصية، ليلاحقَ القضاء عدداً من الأساتذة، حتى وُضع بعضهم في الحبس الاحتياطي.
وقالت المحامية بهيئة مدينة الدار البيضاء مريم جمال الإدريسي، إن القضية تفجرت بعد نشر محادثة بين طالبة وأستاذ بجامعة سطات، يعرض الآن على محكمة الاستئناف بالمدينة، وهو "متهم بهتك العرض بالعنف"، فضلاً عن أربعة متهمين آخرين ملفهم موجود أمام المحكمة الابتدائية بسطات.
وأضافت المحامية التي تترافع في قضية تشمل 11 ضحية، اثنتان منهن تقدمتا بشكوى أمام القضاء: "لأن الكثير من الضحايا يصعب عليهن مواجهة هذا النوع من الجرائم، لاعتبارات اجتماعية، تجعلهن يتحملن جزءاً من المسؤولية في قضايا الاعتداءات الجنسية"، مشيرة إلى أن تلك الاعتبارات "تعيق إمكان البوح والتبليغ عن مثل هذه الجرائم".
ولفتت محامية الضحايا إلى أن طالبتين ممن تنوب عنهن "تم فصلهن من الدراسة بمحضر غش، بعدما رفضتا الخضوع للابتزاز الأستاذ الجنسي، قبل أن تعيدهما رئاسة الجامعة للدراسة" بعد تفجر قضية التحرش.
"تشهير مجاني"
إثر الفضائح المتتالية، من سطات جنوب الدار البيضاء، إلى وجدة في الشرق، وطنجة أقصى شمالي البلاد، تدخلت السلطات وأوقفت عدداً عن الأساتذة، وأقالت مسؤولين جامعيين.
كما تم إقالة عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات، كما أعفت وزارة التعليم العالي، الكاتب العام للمدرسة العليا للتجارة والتسيير في وجدة، وكذلك نائبة المدير من مهامها.
كما أعلنت جامعات عدة إطلاق خطوط هاتفية مجانية للإبلاغ عن حالات التحرش، وتشكيل خلايا للإنصات للطالبات ضحايا الابتزاز الجنسي. غير أن نقابة التعليم العالي رفضت ما وصفتها بـ"حملة التشهير" التي تستهدف الأساتذة والجامعات المغربية.
وقال عضو اللجنة الإدارية للنقابة محمد نبيل إسريفي في تصريح لـ"الشرق"، إن النقابة "ترفض التعميم وهذا التشهير المجاني الذي يسيء للجامعة المغربية والأستاذ الجامعي، الذي يقوض ثقة المجتمع في الجامعة".
وأضاف أن النقابة تندد بحالات التحرش التي برزت في الجامعات، مؤكداً رفضها لهذه الممارسات "الشاذة والمعزولة"، ودعا لمعالجتها "بشكل صارم وفقاً للمساطر القانونية، وفي احترام لسرية التحقيق وقرينة البراءة، وشروط المحاكمة العادلة".
دعوات لـ"كسر الصمت"
ويعاقب القانون المغربي على التحرش الجنسي بالسجن بمدة قد تصل إلى 5 سنوات، إذا كان المتورط ذا ولاية أو سلطة على الضحية. غير أن محامي الضحايا يعملون على تكييف قانوني للقضية قد يسفر عن عقوبات أقسى، من خلال تضمينها بنود القانون الجنائي في جرائم الاتجار في البشر، وتصل إلى السجن ما بين 20 إلى 30 سنة.
وقالت الإدريسي، إن "ارتباط التحرش الجنسي بالسلطة والنفوذ يجعلنا أمام شكل من أشكال الاتجار بالبشر، وهناك مقتضيات قانونية في التشريع الجنائي"، مشيرة إلى أن "جميع أركان هذه الجريمة متوفرة في الوقائع التي اطلعنا عليها في محضر الجنس مقابل النقاط، الذي تفجر في جامعة سطات".
وفي انتظار حكم القضاء، أطلقت منظمات حقوقية مغربية حملات لـ"لكسر الصمت، ومناهضة الإفلات من العقاب".
وقال المجلس الوطني لحقوق الإنسان في بيان، إنه"يثمن كسر صمت الضحايا والتبليغ عن الاعتداءات التي مست بكرامتهن، رغم ما يمكن أن يترتب عن ذلك من تجريمهن والتشهير بهن والتحريض ضدهن".
وأكد المجلس وهو هيئة حقوقية رسمية "ضرورة دعم التبليغ كفعل مواطن، نظراً للعواقب والآثار المترتبة عن المساومة القائمة على الشطط في استعمال السلطة"، ودعا لإعمال تدابير حماية الضحايا طبقاً لقانون مناهضة العنف ضد النساء، واتخاذ تدابير لحماية المبلغات والشهود.
اقرأ أيضاً: